كثيرة هي التصريحات الأميركية التي تتوعد بنهاية حكم الرئيس صدام حسين، الى حد تحديد ملامح النظام البديل. وما يستوقف في هذه التصريحات، انها تأتي دائماً على لسان كبار المسؤولين في الولاياتالمتحدة، وفي المقدم الرئيس جورج بوش، ما اعطى هذه التصريحات قدراً من الجدية تفوق جدية تصريحات الإدارة السابقة التي كان رئيسها بيل كلينتون بأن يغادر صدام حسين الحكم "قبل ان اغادر البيت الأبيض". لكن كلينتون لم يف بتعهده، وخرج من البيت الأبيض من دون ان يُرفع الملف العراقي من درج الرئيس الأميركي، بل صار مصدر القلق الأكبر للإدارة الجديدة. ولا تختلف التهديدات الجديدة عن سابقتها إلا في كون رأس الإدارة هذه المرة، تولى دور البطولة في مسرح الأحداث، في حين اكتفى سلفه بالدور الثانوي. وعلى رغم اهمية هذه النقلة، فإن وضعها في مختبر الأحداث وموازين الأوضاع، يحتاج الى تأكيد "تحولها النوعي" الى ادلة الواقع، اكثر من عربدة الأقوال، خصوصاً ان إدارة كلينتون قدمت "قانون تحرير العراق" وعينت منسقاً "للتحول الديموقراطي" هو ريتشارد دوني وأقرت فشل سياسة الاحتواء المزدوج، وقامت بحملة "ثعلب الصحراء". ولا نبغي هنا الخوض في "السيناريوات الأميركية" التي جرى تسريبها، لأسباب عدة، فهي: كثيرة تحير المتابع وتجعل رؤيته ضبابية، وفي السياسة مناورات، يراد منها ضغوط سياسية ونفسية للوصول الى المراد الحقيقي. كما ان في السيناريوات المتداولة قدراً من "اللعبة الداخلية" في تنافس الحزبين الرئيسين في الولاياتالمتحدة، الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي، اضافة الى ان السيناريوات المطروحة الكثيرة تحوي من التناقض والاضطراب ما قد يجعلها ستاراً للتضليل يخفي "السيناريو الحقيقي". فليس من المعقول والمنطق ان يجرى كشف المشاريع العسكرية وخططها، في حين ان من اولوياتها السرية والكتمان والتي هي بديهية عسكرية تعرف ضرورتها كل البلدان. في ضوء هذه "المحاذير" فإن الخوض في هذه "السيناريوات" يضعف الرسو في مرفأ الحقيقة، والشيء الذي يبدو شبه مؤكد ان ضرب العراق يكاد يكون محسوماً، ولكن الى اين تتجه الضربة وما غايتها وكيف؟ هو السؤال الذي يظل حتى الآن مصدراً للبلبلة والقلق ومن دواعي الحيرة والاختلاف. بالطبع لو لم تجر احداث 11 ايلول سبتمبر، لم نكن لنتردد بالقول إن ما نسمعه من تصريحات اميركية لإطاحة الرئيس صدام حسين، هو من النوع الذي اعتدنا عليه من الصخب الذي يهدأ بعد حين او هو استعراض للقوة لغاية يصح ان ترمي الى اي شيء إلا اسقاط الحكم في العراق. غير ان الحقيقة التي لا مفر منها، ان هذه التصريحات والتشديد المستمر عليها، أوجدت عبئاً على صنّاع القرار الأميركي وحشدت سيد البيت الأبيض في زاوية محدودة، وأن طول الانتظار تحت ذرائع "الصبر" و"التأني" سيجعل لصوت رقاص الزمن صدى يزعج المعنيين بالأمر. وفي هذا الصدد فإن ما يستوقف المرء على كثرة ما أطلق من تصريحات، ما قاله الرئيس الأميركي في العاشر من آب أغسطس الماضي من "ان صدام حسين عدو خطير الى ان يثبت العكس" وتأكيده ان "لدي جدولاً زمنياً لضرب العراق". واللافت ان ذلك جاء بعدما تحدث بوش عن تحليه بالصبر وبعد نصائح رئيس الغالبية الجمهورية بعدم ضرب العراق وشكوك لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس حول قدرة المعارضة العراقية، وتصريح الجنرال أنتوني زيني قائد القوات الأميركية في منطقة الخليج السابق والمستشار الحالي لوزير الخارجية الأميركي، الذي وصف الاعتماد على "المؤتمر الوطني العراقي" ب"الكارثة". هذا الأمر يثير نوعاً من الغموض والالتباس، يتحول معه ما يسوقه البعض من ان السؤال لم يعد: هل تريد واشنطن اطاحة الرئيس صدام حسين، وإنما السؤال هو: متى وكيف؟، يتحول الى فرضية وليس الى مسلّمة. وما يثير الحيرة أيضاً ان ليس من الصحيح ان تحدد الدولة العظمى في العالم هدفاً استراتيجياً كبيراً وتتخلف عن تحديد الوسائل وعنصر الزمن. فإذا كانت اميركا بإمكاناتها اهتدت الى تحديد هدف اطاحة الرئيس العراقي واتخذت القرار في شأنه لكنها لم تستقر بعد على موعد الشروع في تنفيذه وكيفية الوصول إليه، فإن الأمر يعدو اما ان الهدف غير صحيح ولا يعكس النيات الحقيقية أو ان هناك خللاً كبيراً في الإدارة الأميركية او هو للتمويه. فالمعروف ان تحديد الهدف الاستراتيجي وحسم الأمر في شأنه باتخاذ القرار الاستراتيجي أهم من تعيين الوسائل، وان اختيار ساعة الشروع هو الجوهر، واعتماده يستتبعه بالضرورة تحديد الوسيلة والموعد، وإلا فالقرار يفقد مقومات تنفيذه في الواقع ومحركات نقله الى مسرح الحدث. وإذا كانت هذه المعرفة تجد مسوغاتها في الفكر الاستراتيجي وأصول اتخاذ القرار، فإن مبرراتها العملية على الصعيد السوقي والعملياتي والتعبوي تشير الى ان القرارات الاستراتيجية، هي للأفعال والأعمال وليس للأقوال والكلام. لهذا فإن قراراً خطيراً كقرار اطاحة الحكم في العراق، ليس بالطبع اسطوانة توضع على الرفوف العالية، تطلب لحظة ما يراد سماعها او اسماعها، لأنها بذلك تتحول، مع مرور الزمن، الى اسطوانة مشروخة او ممجوجة، او ان تكون من دواعي اللعبة التكتيكية التي ليس لها صلة بالغاية الاستراتيجية. فالمسألة العراقية ليست جديدة لصنّاع القرار في واشنطن، بل هي مسألة قديمة انشغلت فيها الإدارات المتعاقبة منذ 1990، وإطاحة حكم الرئيس صدام حسين لم تقفز للتو في الأغراض الأميركية، في الأقل منذ عام 1997. وإذا تجاوزنا هذا التاريخ فإن غاية الإطاحة استقرت في اجندة بوش كأولى الأولويات، منذ دخوله المكتب البيضوي، ناهيك عن وعوده في الحملة الانتخابية خلال معركة الرئاسة. لذا من حق من يريد ان يتعجب، من ان تبقي اميركا اطاحة الحكم في العراق حتى الآن ألغازاً وطلاسم، يفسرها من يريد كما يشاء، على حدود علمه وهواه وأمانيه. وما نحسبه في هذا المجال، ان الولاياتالمتحدة لم تقدم بعد الصورة الواضحة، واكتفت بتقديم "لوحة تشكيلية" من دون "الصورة الفوتوغرافية". وترتب على ذلك ان ذهبت قناعة البعض الى اليقين بأن الولاياتالمتحدة فرغت من قرار اطاحة الرئيس العراقي، وأن مرحلة العد التنازلي بدأت. وذهب اعتقاد البعض الآخر الى الشك بأن امر الإطاحة غير وارد. وبين اليقين والشك نرى ان التهديدات الأميركية ليست قرعاً على طبل اجوف، ولكن ايضاً لا يمكن اعتبارها صوت صافرة يبدأ بعدها العدو في هذا الاتجاه. فالتهديدات الأميركية فيها نذر الحرب ولكن من دون استعداداتها ومستلزماتها التي منها الحشد والانتشار قرب مسرح العمليات، اللهم الا ان تكون الحرب المحتملة هذه المرة في صورة جديدة ومختلفة. ذلك ان التهديدات الأميركية تبدو حازمة ولكنها لا توحي بأنها حاسمة، فمظاهر الحزم واضحة في حشد القوة، وهو حتى اللحظة حشد للكثير من القوة الإعلامية والقليل من القوة السياسية والباهت من القوة العسكرية، فيما الحسم يقتضي تفوقاً للقوة وفي المقدم منها القوة العسكرية. ان ما يمكن التشديد عليه ان الاستراتيجية الأميركية لم يكن فيها توجه لإسقاط الحكم في العراق قبل 11 ايلول. ومن المفيد في هذا الاتجاه سوق الشواهد الآتية: جاء في كتاب "حرب الخليج" لبيتر سالنغر وايرك لوران ما يأتي: "بعد دخول العراق الى الكويت في 2 آب 1990 عقد الرئيس جورج بوش الأب في كامب ديفيد اجتماعاً مع كبار المسؤولين الأميركيين، طرحت فيه فرصة القيام بأعمال سرية تهدف الى زعزعة النظام العراقي أو القضاء على الرئيس صدام حسين، ولكن لم تتم مناقشة اي خطة". في كتاب "مقاتل من الصحراء" للفريق اول ركن خالد بن سلطان بن عبدالعزيز قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات في حرب الخليج الثانية يقول: "كنا نرحب بالإطاحة بصدام حسين، اما اهداف اميركا فبدت لنا على النقيض من ذلك". ولمن يريد المزيد نحيله الى قراءة الكتاب وتحديداً الفصل الثاني والعشرين. في كتاب مثير على غرار رواية "الانهيار" الذي توقع سقوط الشاه، وكان بعنوان "ظل فوق بابل" لمؤلفه الكاتب الإنكليزي ديفيد ميسين يروي مناقشات لمسؤولين أميركيين في اجتماع كرس لاغتيال الرئيس صدام حسين اعترضت عليها وزارة الخارجية الأميركية على لسان وكيل الوزارة جون كيلي، الذي رد على اعتراضه ممثل البنتاغون الجنرال بيرنسايد لاقول: "انظر اين وصلنا نتيجة لسياستك الخارجية؟ صرفنا 60 بليون دولار في حرب الخليج للتخلص من صدام لنفاجأ بالضعفاء في وزارة الخارجية يوقفوننا في آخر لحظة". ويرد كيلي بشرح التركيبة السكانية للعراق والمخاوف من ان يقسم الى ثلاث دويلات في الجنوب والوسط والشمال، ثم يعرج على دول الجوار ويشرح مشكلات كل منها الداخلية، خصوصاً ايران وتركيا وتأثير كل منها في المستقبل السياسي في العراق. ويقول: "تذكرون كم كانت الحرب العراقية - الإيرانية ملائمة بالنسبة الينا، فهاتان الدولتان تختزلان بعضهما وبقاء كل منهما على ضعفهما الحالي في مصلحتنا". وتساءل: "هل يقبل اي منكم ان تبقى ايران الدولة المتسلطة في المنطقة من دون ان تكون هناك دولة بالقوة نفسها في مواجهتها؟ ما يهمني ان تبقى الدولة العراقية قوية، ولسوء الحظ فإن هناك رجلاً واحداً يستطيع حكم العراق هو صدام حسين، وإذا اختفى صدام انتهى العراق". وخلص كيلي الى: "إن محاولة اغتيال صدام حسين يجب ان تمنع بأي وسيلة". ولمن يريد الوقوف على الخبايا والأغراض اكثر عليه الرجوع الى الكتاب. ومن كل ما تقدم، يقترب التردد بعدم اليقين حول جدية اميركا من ارض الواقع، تضيف الدلالة الاستراتيجية إليه زخماً. اذ يكاد يتفق كل الاستراتيجيين على ان الاستراتيجية تعني الخطة، وهي تشمل الغاية النهائية والهدف العملي المطلوب تحقيقه ثم مجموعة القواعد والاتجاهات التي تؤمن الوصول الى المطلوب، وأخيراً مجمل الأنشطة التي تخدم ذلك. فالخطة بهذا الفهم لا توضع بالصدفة وإنما تتم بمراحل يجري خلالها اعداد الاستراتيجية، عبر تحديد الهدف ودرس الإمكانات وتحليل الظروف والوسائل اللازمة والتطورات التكنولوجية، لهذا من العبث الاعتقاد أن الولاياتالمتحدة انتهت من تحديد الغاية الاستراتيجية من دون تحديد القواعد والوسائل والاتجاهات والأنشطة المطلوبة، ولهذا يصطدم القول ان اميركا حددت هدف اطاحة حكم الرئيس صدام حسين لكنها لم تستقر على موعد التطبيق وموعد التنفيذ، بالمنطق الصحيح للأشياء، فبلوغ الصراع مستوى اطاحة الحكم يعني انه انتقل الى المستوى الأخير في المواجهة. وإذا كان ما يعلن صحيحاً فالأمر يوحي بمصاعب تعاكس النية الأميركية وتعوق حركتها، ومنها يقفز السؤال الخطير: هل لواشنطن القدرة على اطاحة الحكم في العراق وسد الثغرات المحتملة؟ لا شك في ان لأميركا قوة هائلة تستطيع بها اطاحة الحكم، إذا حددت ذلك كخيار نهائي تمليه الضرورة والدافع الاستراتيجي، ولتحقيق ذلك ستعتمد اميركا احد طريقين، الأول: الغزو والاحتلال، والثاني: القصف الطويل المستمر والمدمر لركائز النظام. ان الاجتياح مكلف وله مضاعفات، والنجاح فيه يمكن الولاياتالمتحدة من تنصيب من تريد في موقع الحكم الجديد. وإذا ابتعدت اميركا عن ذلك ستعتمد اسلوب القصف المدمر لبنية النظام، ولأن مثل هذا القصف لا يحقق الهدف الاستراتيجي فإن الرهان الأميركي لا يعتمد على الصدفة وإنما على قوة ما تحسم الموضوع وعلى شكل ينهي الصراع. فهل يكون ذلك الشكل بصيغة "الانقلاب العسكري" أم ب"الثورة الشعبية"؟ في معرض الإجابة عن هذا السؤال لا بد من الاقرار بأن للقوة الأميركية، على اتساعها، موازين وحدوداً وتخضع لمؤثرات ظروف وأوضاع. وآخر الأدلة أفغانستان. فعلى رغم اطاحة طالبان، لم يبسط الحكم البديل سيطرته حتى على العاصمة كابول ولم يأت أحد بأسامة بن لادن حياً او ميتاً الى الرئيس بوش كما اراد. ان الحساب الأميركي في المنطقة يجعلنا نميل الى ان الرهان الأميركي المفضل لإطاحة الحكم في العراق، هو على القوات المسلحة، وإذا ما انساق التفكير الأميركي وراء التحرك الجماهيري، فإنه يريد من وراء الهيجان الجماهيري، خلق الفرصة للتحرك العسكري وإيجاد الظرف المناسب له. فالولاياتالمتحدة تريد في العراق حكماً قوياً ومستقراً وموالياً، لأن اميركا لا تريد وضعاً هشاً ومائعاً في منطقة يعنيها استقرارها. وإذا افترضنا ان ذلك غير وارد وأن الرهان ينصب على "الثورة الشعبية" فإن الأخذ بذلك يحتاج الى الإشارة الى امرين، الأول: ان تكون هناك قوة سياسية فاعلة وقادرة على تأمين الحشد الجماهيري للقيام ب"الثورة الشعبية". والثاني: ان تكون هذه القوة موالية للولايات المتحدة. وليس خفياً ان مثل هذه القوة غير موجود في المعارضة العراقية. فأكثر اطراف المعارضة ثقلاً جماهيرياً فاعلاً هما الحزب الديموقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وهما غير مهيئان للعب هذا الدور بحكم كرديتهما في واقع غالبية عربية، فضلاً عن عدم رغبتهما القيام بذلك كما يعلنان. وهناك أيضاً التيار الإسلامي وهو غير موال لأميركا وفيه فصائل عدة، ومشكلته انه لم يشكل مجرى واحداً لسفينتيه الشيعية والسنية. ثم ان من تعقيداته ان سفينته الشيعية المجلس الأعلى ترسو في الشواطئ الإيرانية، لذا فهي بحاجة الى ضوء أخضر ايراني يفكها من مراسيها. ونكاد نحسب ان السماح للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بالدخول في المساعي الأميركية لإطاحة الحكم، هو لعبة تكتيكية تلعبها كل من واشنطن وطهران، لا تنم عن تحول استراتيجي في الرؤيتين الأميركية والإيرانية. اذ ان ضيق الولاياتالمتحدة من النظام العراقي لا يجعلها تغفل تضادها الاستراتيجي مع ايران، وان اي وضع جديد في العراق ينشأ بإسهام ايراني سيرتب لطهران اوراقاً مهمة. كما ان ايران من جهتها لا ترغب في تغيير الأوضاع في العراق، لما يشكل ذلك من سابقة تخاف تكرارها. وهي مع بقاء الوضع الحالي لأسباب عدة منها انه يؤمن لها تفوقاً استراتيجياً في المنطقة، وان بقاء الحكم في العراق يوفر لها خط دفاع تتمترس خلفه من الجهود الأميركية المعادية لها، وأن أي نظام جديد في العراق سيكون حليفاً أو صديقاً لأميركا. والخلاصة النهائية، ان اميركا قادرة بالاجتياح ان تطيح حكم الرئيس صدام حسين، لكن الغزو قد توقفه الكلفة. وربما تمكنت الولاياتالمتحدة من ذلك باعتمادها مع الضربات الجوية على الحركة الكردية والمجلس الإسلامي الأعلى للثورة الإسلامية ولكن قد تلي ذلك النتائج غير المأمونة. وإذا كانت هذه هي محاذير المعارضة الفعلية، فإن المعارضة التي طفت على سطح الأحداث في أعقاب الدخول الى الكويت لا تستطيع حمل المهمة وإنما هي بحاجة الى ما يحملها إليها. ثم ان أطراف هذه المعارضة كثيرة وكل منها يريد ابعاد الريح عن اشرعة الآخرين. في ضوء ما تقدم وما يجري من تهديدات، كيف سيواجه الرئيس صدام حسين التحركات الأميركية لإطاحته؟ توحي المؤشرات بأن الحكم في العراق يأخذ كل ما يجري على محمل الجد، ولم تغب عنه يوماً الرغبة الأميركية في اطاحته، وما يجري اليوم يعمق تلك الرؤية. واذا كانت قوة اميركا لا تحتاج الى دليل، فإن قوة العراق، المتواضعة بالمقارنة، ليست معدومة، وما يعطي هذه القوة العراقية اهمية ان لها مجالاً حيوياً بالغ التأثير، لا نظن ان الرئيس العراقي سيغفله، تحت اي مبرر، لأن التضحية به تعني الانتحار بلا ثمن. وإذا كانت حرب الخليج الثانية، التي تركزت غايتها في اخراج القوات العراقية من الكويت، شهدت بعض التهديد، فإن حرب الخليج الثالثة - إذا ما حدثت - ستشهد تنفيذ كل التهديد، لأن الهدف هذه المرة يأخذ سياقاً آخر، فيه مع نهاية الحكم نهاية النفس والأبناء والأهل والعائلة. ولا نظن ان الولاياتالمتحدة التي تريد اصطياد الصيد تجهل ذلك، ولهذا تسعى الى ان تحيطه بالشرك لشله او ان تدفعه الى فخ، وهي امور لسوء حظ المساعي الأميركية، تدركها الطريدة فضلاً عن كونها ليست سهلة الاصطياد. وحساب كل فريق عرضة لرياح قد تجري عكس ما تشتهي السفن. والنتيجة ان العراق امام مجهول مرعب وعرضة لنيران تحرق الأخضر واليابس وفي حريقها شرر يتطاير في منطقة تكتنز بمكونات الانفجار. * السكرتير الصحافي والإعلامي السابق للرئيس صدام حسين.