الذكاء الاصطناعي... ثورة تُولد عوائد استثمارية كبيرة    "أوبك بلس" تبقى على سياسة الإنتاج دون تغيير    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى 12377.03 نقطة    ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ يطَّلع على مؤشرات أداء فرع هيئة الهلال الأحمر السعودي بالمنطقة    لماذا اتخذت طائرة نتنياهو مسارات استثنائية للوصول إلى واشنطن؟    70 قتيلاً فلسطينياً في هجمات إسرائيلية على الضفة الغربية    تدشين برنامج أمل التطوعي السعودي لمساعدة السوريين    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 56 لمساعدة سكان غزة    السعودية واليابان تتفقان على إنشاء مجلس شراكة إستراتيجي    إقامة الحفل الختامي لمهرجان الملك للهجن في نسخته الثانية بالرياض    7.6 مليار دولار تبادل تجاري بين السعودية وألمانيا    المستشار الألماني: الدفاع الأوروبي يحتاج إلى "مزيد من التصميم"    أمير القصيم يكرّم المشاركين في ملتقى اليوم السعودي العالمي للتطوع    اكتمال مغادرة الدفعة الثالثة لضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة إلى بلدانهم    تعليم مكة تحكِّم 16 ورقة عمل تعليمية لبرنامج " جسور التواصل "    أمير القصيم يتسلم تقرير أعمال شركة الاتصالات السعودية لعام 2024    روسيا تدرس السعودية والإمارات كموقع محتمل لقمة بين بوتين وترمب    تعديل مدة رفع ملفات حماية الأجور إلى 30 يوماً من أول مارس    محافظ الخرج يستقبل رئيس جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز    طاقم تحكيم سعودي يقود لقاء العين والريان في كأس الأبطال للنخبة    نائب أمير الشرقية يستقبل قائد القوة الخاصة للأمن البيئي بالمنطقة    أمانة القصيم تنفذ أكثر من 658 ألف جولة رقابية خلال عام 2024    عبدالعزيز بن سعد: رالي حائل الدولي ..حقق مكاسب تنموية ورياضية واقتصادية تتماشى مع رؤيه الوطن 2030    استئصال ورم سرطاني ضخم يزن 8 كغ من بطن مريضة بالقصيم    7 مليون فحص مخبري في مستشفى الرس خلال 2024    تفعّيل برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    سلمان بن سلطان يدشن قاعة المؤتمرات الكبرى بغرفة المدينة    أمير الجوف يستقبل قائديّ حرس الحدود بالمنطقة السابق والمُعيَّن حديثًا    جولة مدير مستشفى عفيف العام التفقديه    رئيسة وزراء الدنمرك: غرينلاند ليست للبيع    "كشتة البديع" تجتذب المزيد من العائلات والأفراد ب 19 فعالية متنوعة    تقييم صادم للنجم المصري عمر مرموش ومدرب «مان سيتي» يبرر !    الجامعة الإسلامية تُطلق فعاليات "أسبوع البحث العلمي السادس"    الدولار الكندي لأدنى مستوياته في 22 عاماً    5 مخاطر صحية تهدد العاملين بنظام المناوبات    عبدالله آل عصمان مُديراً لتعليم سراة عبيدة    تعزيز استقلالية المملكة في الأنظمة والصناعات العسكرية    كلنا نعيش بستر الله    التعاقدات.. تعرف إيه عن المنطق؟    من أسرار الجريش    العلاقات بين الذل والكرامة    في الجولة ال 20 من دوري" يلو".. الصفا يستقبل العدالة.. والبكيرية يواجه الجبلين    إن اردت السلام فتجنب هؤلاء    الأهلي يعير «ماكسيمان» لنابولي الإيطالي    أمانة جدة تشرع في إشعار أصحاب المباني الآيلة للسقوط بحيي الفيصلية والربوة    محافظ جدة يطلع على خطط المرور والدفاع المدني    مواقف تاريخية للسعودية لإعادة سورية لمحيطها العربي    «عاصفة الفئران» تجتاح 11 مدينة حول العالم    شرطة الرياض تقبض على مقيم لمخالفته نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص    3 أهداف تتنافس على الأجمل في الجولة ال18 من مسابقة دوري روشن للمحترفين    على هوامش القول.. ومهرجان الدرعية للرواية    هيئة الترفيه.. فن صناعة الجمال    محمد عبده.. تغريدة الفن....!    القيادة تعزي أمير الكويت في وفاة الشيخ دعيج إبراهيم الصباح    القيادة تُعزي رئيس ألمانيا في وفاة الرئيس السابق هورست كولر    أمير تبوك يواسي أسرتي الطويان والصالح    الأسرة في القرآن    تفسير الأحلام والمبشرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموقف في ردهة ... "الواجب"
نشر في الحياة يوم 27 - 09 - 2002

في 1991، وتحديداً في شهر شباط فبراير، قامت انتفاضة شملت العراق من أعلى شماله الى أدنى جنوبه، وكانت تعبيراً عن غضب العراقيين من الهزيمة النكراء التي أصابت الجيش العراقي فانهارت أجهزة النظام تماماً، ولاذ أركانه بالفرار. ولعل أبرز الفارين كان طه ياسين الجزراوي، ولكن الحقيقة ان المرشح الأكبر للفرار كان صدام نفسه. وقد رتب للهرب مع عائلته، ومع أحد أقرب مرافقيه الشخصيين، وهو روكان عبدالغفور المجيد. وقد جس صدام نبض مرافقه في أفكار تراوده في شأن التخلي عن السلطة والخروج من العراق، فكان رد روكان: "سيدي، ان العراقيين لا يستحقونك، اتركهم وتخل عنهم".
في 1996 نزل بغداد، قادماً من عمان، عضو تنظيم "القاعدة" رمزي أحمد يوسف. واستقبله مدير الفرع الخارجي للاستخبارات العراقية آنذاك، فاروق حجازي، وتم ترتيب منزل آمن تابع للاستخبارات ليقيم رمزي فيه أياماً. وفي اليوم السابع لوصوله طرق باب المنزل العقيد روكان عبدالغفور، وطلب من رمزي أن يرتدي ثيابه، وكان الوقت مساءً. وركب الاثنان سيارة مرسيدس بيضاء مجهزة بهاتف، وبعد نحو نصف ساعة من السير، طلب روكان من رمزي أن ينزل من جانبه، في المقعد الأمامي، ويصعد في المقعد الخلفي، ثم أحكم روكان إسدال الستائر الخلفية والجانبية، بحيث غابت معالم الطريق وتفاصيله عن عيني رمزي. وعاود روكان قيادة السيارة حتى وصلت الى القصر الرئاسي، في منطقة الرضوانية. ونزل الإثنان، بعد اجتياز البوابة الخارجية والممرات ثم الباحة الداخلية، عند باب جانبي دلفا منه على قاعة صغيرة، حيث طلب روكان من رمزي أن ينتطره فيها.
وبعد نحو ربع ساعة دق جرس هاتف في تلك القاعة الصغيرة، وسمع رمزي الضابط المناوب يقول: تأمر سيدي! ثم رفع سماعة هاتف آخر وطلب من أحدهم أن يأتي اليه. وبعد برهة وجيزة حضر ضابط صغير، وطلب من رمزي ان يرافقه الى قاعة أخرى داخلية، حيث فتش، ونزعت ساعة يده، وقلم كان في جيب سترته، وعقمت يداه بمحلول أصفر اللون، وفتح الضابط فم رمزي، وأدخل ما يشبه الملعقة التي يستخدمها طبيب الأسنان. وبعد انهاء التفتيش طلب اليه أن يجلس في انتظار التعليمات. وما كاد رمزي يجلس حتى حضر اليه مجدداً العقيد روكان وقال له انه سيقابل "الواجب"، وأن عليه ألا ينظر الى عيني "الواجب"، وألا يبتدئه الكلام، وان كان له أن يبدأ السلام ثم يصمت، وأن يبقى واقفاً حتى يأذن له "الواجب" بالجلوس، وألا يضع ساقاً فوق ساق، ولا يتزحزح من مقعده، وألا يقف إلا إذا وقف "الواجب".
وهكذا اقتيد رمزي أحمد يوسف للقاء "الواجب" الذي لم يكن سوى صدام حسين. وأدخل الى غرفة مكتب صغيرة تراكمت على منضدتها الملفات، وعبقت برائحة السيجار. وكان صدام يرتدي قميصاً مفتوحاً تحت سترة مقلمة. وحال دخوله قال له صدام: أهلاً! وأشار الى أحد مقعدين بجانب المكتب، قائلاً: استرح! وسأله عن صحته وعن صحة الاخوان في أفغانستان، وشدد السؤال عن صحة الأخ الشيخ أسامة، وعن استمرار مضايقة الإيرانيين له ولجماعة طالبان. وأكد له أن العراق سيقدم ما في وسعه لدعم طالبان و"القاعدة" وأنه يعتبر القاعدة والعراق في خندق واحد ضد الغرب وايران. وسأله عما إذا كان حمل شيئاً من المطالب والاحتياجات، فرد رمزي يوسف انه سلّم فاروق حجازي قائمة باحتياجات، مثل متفجرات "سمتكس"، وجوازات سفر، ومدربين عسكريين، وكمية من الزئبق الأحمر، وأخصائي في مجال العبوات الجرثومية والكيميائية. فرد عليه صدام أنه سيأمر بتلبيه كل احتياجات "القاعدة"، وأن نظام باكستان متجاوب وصديق للعراق. ثم وقف صدام بعد أن أنهى رمزي يوسف شرب كأس صغيرة من الشاي قدمت له. فوقف رمزي يوسف، ومد يده ممسكاً بيد صدام الذي كان بادر بمصافحته.
وعند خروجه من المكتب ألفى روكان واقفاً في الصالة المجاورة، وبيده مغلف قدمه على أنه هدية من "الواجب". وكان عبارة عن مبلغ عشرة آلاف دولار. وبعد يومين غادر رمزي العراق الى باكستان من طريق الأردن، قاصداً أفغانستان. غير ان الاستخبارات الأميركية كانت له بالمرصاد، فاعتقلته، ورحلته الى الولايات المتحدة.
لعل الواقعة التالية أشبعت سرداً في الصحف، غير ان ايرادها لازم لمعرفة مدى هشاشة شخصية صدام في المواقف الصعبة، وهي واقعة مؤتمره الصحافي الذي عقده قبيل هجوم التحالف الدولي لتحرير الكويت، حيث قال: "قد تسمعون بياناً بصوتي يطلب اليكم الانسحاب من الكويت، فاعلموا حينئذ أن هذا البيان مزيف، لأن صدام لا ينسحب"!! وبقية القصة معروفة.
وهذه الواقعة يمكن ربطها بما سبقها. ففي غمرة القصف الدولي للعراق، فاجأ صدام الشعب العراقي بخطاب موجه الى الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني، يعلمه فيه انه عاد الى اتفاقية الجزائر الموقعة بين صدام وشاه ايران عام 1975، وأنه يقرّ بحق ايران في شط العرب.
تعوّد صدام على التنقل بين تكريت وبغداد في موكب من الطائرات المروحية، ولا يعرف أحد من الطاقم الأرضي أو الجوي في أي طائرة يركب "الواجب". وقد اعتاد العراقيون المقيمون بين بغداد وتكريت رؤية الطائرات المروحية غادية رائحة في سماء ذلك الشريط الزراعي. غير أنهم لا يعلمون أن الواجب يصطحب معه دائماً، في تلك الرحلات، حقيبة تنكر من اللحى والشوارب والحواجب، وأن "الواجب" يحلو له أحياناً وضع لحية بيضاء طويلة تصل الى ما تحت ذقنه، مع الحواجب والشارب، مع نظارة سوداء قاتمة أشبه بنظارة فاقدي البصر.
الأردن - سليمان علي الحكيم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.