أعرب رجال أعمال بريطانيون عن قلق بالغ من احتمال تعرض المصالح البريطانية لخطر كبير في حال انضمام بريطانيا إلى هجوم اميركي ضد العراق استمراراً لحرب أميركا ضد ما يسمى "الارهاب الدولي"، وأبدى بعضهم مخاوفه من انعكاسات "ارتماء بريطانيا في احضان السياسة الاميركية" على العلاقات التجارية بين المملكة المتحدة والدول العربية التي تقدر بأكثر من 15 بليون جنيه استرليني سنوياً. وقال بريان كونستانت المدير العام لمؤسسة الشرق الاوسط "ميدل ايست اسوسيشين" التي تشجع العلاقات التجارية والاقتصادية بين بريطانيا والدول العربية "هذا أكبر مصدر للقلق"، مشيراً إلى موقف الحكومة البريطانية المؤيد لسياسة ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش وحماسة لندن لشن حرب ضد العراق. وكان كونستانت اعرب في السابق عن مخاوف مماثلة في اعقاب الهجمات الانتحارية في 11 أيلول سبتمبر ضد الولاياتالمتحدة عندما كانت واشنطن تهدد بضرب دول اسلامية في حربها ضد "الارهاب الدولي"، وقال "اذا قدمت بريطانيا دعما لمثل هذه الاجراءات فستحدث عواقب خطيرة على المصالح التجارية البريطانية في المنطقة". غير أن كونستانت أكد ان "الاستثمارات العربية في بريطانيا لم تتأثر ولم تشهد تراجعاً ملحوظاً، "بل حدث تراجع طفيف في حجم التجارة بين بريطانيا والدول العربية خلال العام 2001 - 2002 لا علاقة له بأحداث 11 أيلول، وإنما يعود الى الاحوال الاقتصادية العامة والمحلية لكل بلد في المنطقة". وأشار إلى وجود انخفاض واضح في صادرات كل من المملكة العربية السعودية 42 في المئة والكويت 33 في المئة والبحرين 30 في المئة وليبيا 28 في المئة في حين زادت صادرات قطروأبوظبي الى بريطانيا بنسبة 46 في المئة و44 في المئة على التوالي. وعزا المسؤول البريطاني هذا التراجع في حركة التجارة مع بضع الدول الخليجية الى "أسباب اقتصادية لا علاقة لها بأحداث 11 أيلول". وتبين ارقام التجارة بين المملكة المتحدة ودول الشرق الأوسط وشمال افريقيا بشكل عام انخفاضاً في حجم التبادل التجاري، حيث تراجعت صادرات دول الخليج الى بريطانيا خلال الفترة كانون الثاني يناير- حزيران يونيو 2001 بنسبة 21.4 في المئة عن الفترة نفسها من عام 2000 ليبلغ اجمالي قيمة الصادرات الخليجية الى بريطانيا نحو بليون جنيه استرليني فقط. أما الصادرات البريطانية الى دول الخليج فقد تراجعت بنسبة 8.7 في المئة 2.021 بليون جنيه استرليني كانون الثاني - حزيران 2001 إلى 1.8 بليون. ومعروف ان بريطانيا دولة جاذبة للاستثمارات العربية ومعظمها لرجال أعمال وأثرياء خليجيين يستثمرون في سوق العقارات البريطانية، ولكن لا أحد يعرف بالتحديد ان كانت هذه الاستثمارات تأثرت أو شهدت نزوحاً بفعل التوتر الناجم عن الهجمات الانتحارية في 11 أيلول، ولا توجد أي أرقام محددة عن حجم الأموال والأرصدة العربية المستثمرة في المملكة المتحدة، وكلها تدخل في دائرة التخمينات والتقديرات غير المؤكدة. ويذكر انه توجد مكاتب تمثيلية في لندن لأجهزة الاستثمارات الخليجية الرسمية التي تُقدر استثماراتها الحكومية بمئات البلايين من الدولارات في مختلف انحاء العالم، ومن بينها مكتب الاستثمار الكويتي وجهاز أبوظبي للاستثمار. لكن المسؤولين في هذه المكاتب رفضوا التعقيب على حجم استثماراتها والقطاعات الاقتصادية التي تستثمر فيها، ولم تذكر ان كانت شهدت زيادة او نقصانا. لكن أحد المسؤولين في احد مكاتب الاستثمار الخليجية أكد مشترطاً عدم كشف اسمه وبلده، أنه "لم يحدث أي تغيير في التركيبة الاستثمارية الرسمية، ولم تؤثر أحداث 11 أيلول في المحافظ الاستثمارية لبلاده في المملكة المتحدة لأنها استثمارات راسخة وموزعة على قطاعات عدة ولمدد طويلة الاجل. وتتركز الاستثمارات الخليجية الفردية في القطاع العقاري والاسهم والارصدة. ولذلك من الصعب تحديد حجمها وتوزيعها، وقالت متحدث باسم هيئة "انفيست يوكي"، الجهاز التابع لوزارة التجارة البريطانية الذي يشجع على الاستثمار في بريطانيا، انه "لا تتوافر لديه أي أرقام أو توزيع لما يسمى بالاستثمار العربي في بريطانيا ولا يوجد تصنيف كهذا". معظم الخبراء الذي تم استطلاع ارائهم قلل من المخاوف من مصاردة أموال إسلامية عربية كما هو الحال في الولاياتالمتحدة بعدما رفعت عائلات ضحايا 11 أيلول قضايا تطالب بتعويضات بقيمة بلايين الدولارات من سعوديين وعرب ومؤسسات مالية اسلامية سعودية تتهمهم بتمويل "القاعدة". وقال بريان كونستانت: "هذه المخاوف غير واردة هنا وليس لدى بريطانيا تاريخ بتجميد أو مصادرة اموال احد باستثناء العراق عندما كان في حالة حرب". والمعروف ان لدى بريطانيا موقفاً ثابتاً بمبدأ عدم المقاطعة التجارية حتى في أسوأ العلاقات السياسية بين لندن ودول مثل ليبيا وايران حيث لم تتأثر العلاقات التجارية اطلاقاً. وأكسد الخبير الاستثماري الدكتور أسامة الأنصاري أن "البريطانيين عاقلون في التعامل التجاري والمناخ الاستثماري في المملكة المتحدة مشجع في قطاعات مختلفة، خصوصاً القطاع العقاري الذي لم يتأثر بأحداث أيلول، كما أن بريطانيا لم تغلق أبوابها أمام الزوار العرب ولم تتعاملهم معاملة سيئة في اعقاب 11 أيلول". وعن التقارير والتكهنات الأخيرة التي تحدثت عن سحب مئات بلايين الدولارات من لاستثمارات السعودية في الولاياتالمتحدة وتناقلتها أجهزة الإعلام أخيراً، قال مصرفيون في لندن إنهم يشعرون بحدوث تدفق اموال عربية وسعودية مستثمرة في الولاياتالمتحدة الى اوروبا والمملكة المتحدة خصوصاً، لكن هذا الاحساس لم يترجم الى أرقام محددة. وقال خبير استثماري بريطاني: "إن المصارف السويسرية هي التي فازت بالنصيب الأكبر من هذه التدفقات المالية، وان معظم الاستثمارات التي سُحبت هي لصغار المستثمرين والمصارف الاسلامية، أما كبار المستثمرين فلم يسحبوا كميات كبيرة من ارصدتهم واستثماراتهم ومن فعل ذلك حول استثماراته الى المصارف السويسرية والعقارات في لندن ثم باريس. واستغرب مسؤول استثماري خليجي الأرقام التي وردت في بعض الصحف، وقال انه "لم يشعر بحركة انتقال اموال غير عادية"، وبالمثل قلل متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية من صحة هذه الارقام مؤكداً أن ليس لديه بيانات تتناول حجم الاستثمارات العربية ولا تحركاتها في بريطانيا، واضاف "ان بريطانيا تشجع تدفق الاستثمار من دول الشرق الأوسط في بريطانيا". ولفيصل القدسي الرئيس التنفيذي لمؤسسة "انفستمنت ترست ليمتيد"، وهي مؤسسة معنية بالاستثمارات العربية في القطاع العقارى في بريطانيا، رأي مختلف، ويرى أن العالم اختلف فكرياً واستراتيجياً واقتصادياً بعد 11 أيلول وأفرز متناقضات متباينة، وقال: "لا شك ان هناك نفوراً قوياً على مختلف الاصعدة بين الاميركيين والعالم الاسلامي، انعكس وسينعكس على العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين الطرفين". واضاف "في هذا الجو المشحون غيرت المؤسسات المالية والمصرفية الاميركية اسلوبها بالتركيز على لندن وسويسرا للتعامل مع الاستثمارات العربية بسبب التوتر بين العالم الاسلامي واميركا". واوضح القدسي أن 11 أيلول أفرزت متناقضين الاول ملاحظة عودة بعض الاموال العربية المستثمرة في الولاياتالمتحدة الى الدول العربية، والتناقض الثاني هو نزوج أموال عربية الى دول اوروبية بسبب القلق من ان المنطقة العربية مقبلة على تغيير جذرى في السنوات العشر المقبلة. كما ان الحكومات العربية التي لها ارصدة واستثمارات كبيرة في الولاياتالمتحدة تدرس خطة طوارئ لسحب أرصدتها". وأشار إلى أن هناك اقبالاً كبيراً من قبل المستثمرين العرب على السوق العقارية البريطانية، مؤكداً أن الاستثمار في السوق العقاري البريطاني مثمر على المدى البعيد. موضحاً ان الاستثمار في بريطانيا لم يتأثر بأحداث 11 أيلول. يشار إلى أن الاستثمار العربي في سوق العقار البريطانية ضخم. وسرت أنباء عن شراء مستثمر خليجي أحد عقارات في منطقة باركلي سكوير الراقية بقيمة 320 مليون جنيه استرليني قبل نحو عام. غير أن بعض كبار رجال الاعمال العرب أكد أن هناك شعوراً بتدفق للأموال العربية من الولاياتالمتحدة الى اوروبا وبريطانيا، وقال بشير سمعان الخبير المالي الرئيس السابق لقسم الشرق الاوسط في مؤسسة "نمورا الاستثمارية" إن سحب الامول العربية بدأ قبل احداث 11 أيلول بسبب تراجع اسعار الاسهم في الولاياتالمتحدة اثر انفجار فقاعة "الدوت كوم" وتباطؤ النمو الاقتصادي الاميركي، وتراجع اسعار الاسهم. واضاف "ان جزءاً من هذه الاموال سحب من الأسواق الاميركية، واستثمر في القطاع العقاري البريطاني الذي يقدم مردوداً عالياً، لكن ليس لديه أرقام محددة هن حجم هذه التدفقات التي قدرها بنحو بليون جنيه استرليني. وأكد هذا الرأي السيد الانصاري الذي قال: "المناخ الاستثماري في الولاياتالمتحدة لم يعد مُشجعا كما كان في السنوات الأخيرة التي سبقت احداث 11 أيلول. الخبير الاستثماري البريطاني روبرت وايز، الذي يدير محافظ استثمارية لأثرياء عرب، يستغرب ضخامة الأرقام التي وردت في صحف لندنية وتناولت حديث نزوح 200 بليون دولار من الولاياتالمتحدة، وقال: "لا يوجد دليل قاطع على نزوح اموال كبيرة الى بريطانيا عقب احداث 11 أيلول، فالاستثمار في العقارات البريطانية متواصل قبل 11 أيلول وبعده"، لكنه كغيره من الخبراء والمؤسسات لا يعرف حجم الاستثمارات العربية والقطاعات التي تستثمر فيها بسبب سرية تعاملات الشرق الاوسط. وزارة التجارة والاستثمار الدولي البريطانية لا تعرف ايضاً حجم الاستثمارات العربية الخاصة ولا القطاعات التي تُستثمر فيها، وليس لدى غرفة التجارة العربية - البريطانية أي أرقام أو تفاصيل عن هذا الموضوع. إلا أن التراجع الملحوظ في عدد السياح العرب، خصوصاً من دول الخليج يعكس انخفاضاً عاماً في السياحة الى بريطانيا عام 2001، فقد انحفضت نسبة الزوار عامة بنسبة 2 فى المئة مقارنة مع عام 2000 حسب مسح اجراه مجلس السياحة أخيراً. وظهر المسح ان السبب الرئيسي وراء تراجع السياحة في بريطانيا ليس تأثير أحداث 11 أيلول فقط وإنما بسبب مرض جنون البقر الذي ضرب الريف البريطاني عام 2001. ولكن تأثير 11 أيلول كان واضحاً على السياح العرب، خصوصاً الخليجيين الذين يعتبرون لندن الوجهة السياحة المفضلة بسبب الارتباطات التاريخية مع بريطانيا، ولأن لديهم استثمارات كبيرة في قطاع العقارات وغيره من القطاعات الاقتصادية الاخرى.