في صفحة الرأي "الحياة" في 28/8 كتب حازم صاغية مقالاً عنوانه "ايران على الحياد". ولكنه ذهب بعيداً، واستغرقته فروض غير واقعية، وبدا هو الآخر متأثراً بالاتجاه الاعلامي القاضي باتهام ايران أولاً، أو القاء اللوم عليها مهما كان الموضوع أو الأسباب الدافعة. وايران لم تتناقض في رؤيتها للتطورات المحتملة على العراق. فقد طرحت رأيها بضرسٍ قاطع وقالت انها لا ترغب في أي وجود أجنبي في المنطقة، وان المنطقة قادرة على حل مشكلاتها بنفسها. والرجل لم يكتب شيئاً حول ايران إلا ومسّها بشيء. وعلى رغم ذلك فإنه هنا أصبح يعترف بالعقل الايراني، وبسياسة النظام الايراني وبالمواقف الايرانية. وهو شيء اعترف به أخيراً بفضل السياسة الأميركية، وخصوصاً الذي لا يستبعد منه أي شيء. هذا شيء يدعو للاعجاب، وان جاء متأخراً. هناك، طبعاً، مبررات كثيرة لهذا الموقف المتعقل، ليست بالضرورة نابعة من عقلانية التحليل الذي أبداه، مثل النقلة في الوعي الايراني ضد الوعي الاستشهادي، أو ان ضرب الأصوليات يصعد من الوطنية الايرانية. ولكنها جاءت لتسند الموقف الايراني حول العراق. وهو قفزة نوعية من الموقف المضاد نقلاً الى الموقف المحايد، ثم الصدق المتعقل.... من مفاجآت هذا المقال أن "الحساسية الموروثة" من الوطنية الايرانية هي: ضد العرب. لماذا؟ وكيف أصبح الايرانيون، لا سيما بعد الثورة الإسلامية، ضد العرب؟ ولماذا لا يكون الرجل، في ميزان الانصاف والموقف الصادق في هذه المرحلة التي تقف ايران ضد أميركا لضرب احدى الدول العربية، وهي العراق، على رغم ما جرى عليها في حرب الثماني سنوات، والدعم الذي جاءها من سائر العرب؟ الواقع ان الرجل يعرف أن ايران الثورة الإسلامية هي أكثر صداقة مع العرب من جميع الحكومات التي قامت في ايران سابقاً. والخدمات الثقافية والدينية التي قدمها الايرانيون للإسلام، واللغة العربية، هي أكثر بكثير مما قدمه كثير من العرب والمسلمين على مدى التاريخ الإسلامي. ان اللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي تدرس بجانب الفارسية في المدارس الايرانية اليوم بشكل الزامي، وان ايران هي التي آوت الكثير من العرب في السنوات الأخيرة حتى الذين وقفوا مع صدام ضد الشعب الايراني. وان العرب الايرانيين يشكلون جزءاً مهماً من الشعب الايراني. إذاً، كيف أصبحت الوطنية الايرانية التي تتمثل في الشعب الايراني، ضد العرب؟ انه تصور غاية في التطرف لكل ما هو غير عربي؟ وربما هذا متداول في العرف السياسي الإعلامي الذي يحاول ان يصعد من حساسية الموقف على حساب كل شيء، حتى الحقيقة. ولكنه غير مقبول حينما يتعرض للشعوب، ليبعد بينها في عصر أدخل الايرانيون فهماً جديداً لقضايا الحوار والتفاهم في قاموس الثقافات العالمية مع الإسلام والعرب ومختلف الشعوب. لا بد ان تُنصف الشعوب قبل أن نرتبك بالمواقف المتباينة لسياسة الحكومات، ثم لماذا هذه الافتراضات، واطلاق الفتاوى بأن الايرانيين "ضمنوا البلد وليس بالضرورة النظام"؟ من الصعب أن يتناول الكاتب هذا الثابت الاستراتيجي في السياسة الايرانية، ونحن لم نلاحظ، كما هو يلاحظ، تفكيكاً بين النظام والبلد. وعوداً على بدء، فايران لم تتناقض في موقفها من التطورات المحتملة في المنطقة. فلن تدفع بشعبها لتقاتل نيابة عن الآخرين، وتدفع فاتورة سياسة طائشة. لكنها سوف لا تؤيد أي نفوذ خارجي ولا تساعد عليه. إذاً اين التلعثم أو التردد في المواقف؟ وتبقى للرؤية الموضوعية استحقاقاتها ولا بد ان ننصف في التحليل وطرح الآراء. لندن - حسن بشير رئيس تحرير "شؤون اسلامية" التي يصدرها "المركز الإسلامي في انكلترا"