في الوقت الذي كانت الأوساط السياسية في تركيا تستعد لانتخابات مبكرة في الثالث من تشرين الثاني نوفمبر المقبل، وتترقب تطور التصعيد الاميركي وتهديدات واشنطن بضرب العراق، شهدت العاصمة التركية تطورات مهمة وسريعة تهدد الاستقرار السياسي الداخلي وتدفع الى إلغاء الانتخابات وتغيير موقف تركيا من قضايا خارجية عدة على رأسها القضية العراقية، مما استدعى استنفار الأحزاب السياسية القومية والعسكر على حد سواء. إذ فاجأ نائب رئيس الوزراء وزعيم حزب الوطن الأم مسعود يلماز الجميع بإعلانه ان حزبه لا يمكنه البقاء اكثر من ذلك في الحكومة متذرعاً بإحالة شركائه القوميين في الحكومة عدداً من الاصلاحات السياسية التي أقرها البرلمان من أجل العضوية في الاتحاد الأوروبي الى المحكمة الدستورية مطالبين بإلغائها. وقال يلماز انه "لا يمكن لحزبنا الاستمرار في حكومة يعمل شركاؤها على اعاقة دخول تركيا الى الاتحاد الأوروبي"، وعرض يلماز على رئيس الوزراء بولنت أجاويد تقديم استقالته، ورفض أجاويد ان يتحمل مسؤولية دفع تركيا الى دوامة سياسية على حد قوله، وأعلن انه لن يستقيل من منصبه، لكنه ترك الباب مفتوحاً لإسقاط الحكومة قائلاً: "انه يمكن للمعارضة اسقاط الحكومة اذا أرادت ذلك"، أما هو فلا يريد ان يتحمل مسؤولية ذلك وتبعاته. وأعلن يلماز ان حزبه سيحدد موقفه من الحكومة خلال اليومين المقبلين وهو موقف يرجح ان يكون لمصلحة الانسحاب من الحكومة والعمل على اسقاطها. فيما سارع بولنت ياخنجي نائب زعيم حزب الحركة القومية الى اتهام يلماز بالعمل على تأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة. واضاف ان يلماز يقامر بمستقبل تركيا ومصالحها من أجل مصلحته الشخصية. يذكر ان استطلاعات الرأي الأخيرة كانت اشارت الى تراجع شعبية حزب الوطن الأم الى 3 في المئة فقط مما سيحرم يلماز وحزبه من دخول البرلمان في الانتخابات المقبلة. وعلى الفور انقسمت الأوساط السياسية بين مؤيدين لإسقاط الحكومة ومحذرين من عاقبة ذلك، ويستند كلا الفريقين في رأيه الى العملية العسكرية الاميركية المحتملة على العراق. ففيما عارض الجيش التركي على لسان رئيس الأركان الفريق أول حلمي اوزكوك تأجيل الانتخابات قائلاً إن ذلك سيضر بمصالح تركيا في مرحلة حاسمة ومهمة، ودعمه في ذلك الرئيس احمد نجدت سيزار وحزب الحركة القومية وحزب العدالة والتنمية المرشح الأقوى للفوز في الانتخابات المقبلة، فقد صرح اسماعيل جم وزير الخارجية السابق وزعيم حزب تركيا الجديدة الذي يسعى الى تشكيل حكومة جديدة مع يلماز، قائلاً إن كل الدلائل الدولية يشير الى قرب وقوع الضربة العسكرية الاميركية ضد العراق، وان على تركيا ان تكون مستعدة لذلك من خلال تشكيل حكومة جديدة قوية، كما كانت تانسو تشيلر زعيمة حزب الطريق الصحيح المعارض أعلنت سابقاً عن رغبتها في تولي منصب رئاسة الوزراء في حال وقوع الضربة. وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي توقع بعض الأوساط السياسية والاعلامية التركية بأن تقع الضربة الاميركية في وقت قريب يؤدي الى تأجيل الانتخابات التي يبدو القوميون والاسلاميون الأقرب الى الفوز بها، وان حكومة يشكلها يلماز مع تشيلر واسماعيل جم ستكون الحكومة الأمثل للتعاون مع واشنطن والاتحاد الاوروبي في قضايا العراق وقبرص التي يُفترض حسمهما قبل نهاية العام الحالي. ويتوقع في حال الانسحاب المرجح ليلماز ان تسقط الحكومة، وان يعمل يلماز ورفاقه على اصدار قرار من البرلمان لإلغاء الانتخابات المبكرة، وهو يملك الغالبية العددية في البرلمان لذلك. وتبدو تانسو تشيلر المرشح الأقوى لتولي رئاسة وزراء الحكومة المزمع تشكيلها في ائتلاف مع يلماز واسماعيل جم ودعم من حزب السعادة الاسلامي في البرلمان، خصوصاً وان هذه الاحزاب كانت تسعى منذ وقت طويل الى تأجيل الانتخابات بعد تراجع شعبيتها بشكل كبير، وتراهن على ان موقفها الداعم لواشنطن اثناء عملية ضرب العراق سيؤدي الى حصول تركيا على مزيد من الدعم المالي والاقتصادي بمقدار يمكنها من تجاوز أزمتها الاقتصادية الحالية ودخول الانتخابات البرلمانية لاحقاً في ظروف أفضل.