أشعر بحزن وقد مضت سنة على ارهاب 11 أيلول سبتمبر الماضي ان لا يزال هناك بيننا من ينكر ان عرباً ومسلمين خططوا له ونفذوه. موقفنا، عرباً ومسلمين، من ذلك الارهاب جابهني وجبهني بعد وقوعه بشهرين عندما اشتركت في ندوة تلفزيونية قدمها الصديق العزيز عماد الدين أديب وضمت ستة ضيوف، أنا أحدهم، تحدثنا في جلستين من ثلاث ساعات لكل واحدة، واتفق خمسة منا على مسؤولية "القاعدة" عن الارهاب، وعارضنا الضيف السادس. فوجئت بأن جميع الذين هاتفوا البرنامج على مدى يومين أيدوا ذلك الضيف، ورفضوا ان يصدقوا ان اخوة لهم في الدين يرتكبون مثل هذه الجريمة. وأذكر انني في استراحة للاعلانات طلبت من منتج البرنامج ان يبحث عن اتصال يؤيدينا، ففتش ولم يجد. قدرت بعد ذلك البرنامج ان المتفرجين المسلمين الذين يعرفون دينهم لم يقبلوا ان مسلمين مثلهم ارتكبوا مثل تلك الجريمة. غير ان عشرة شهور اخرى مضت، ولا يزال هناك من ينكر الجريمة، ما يدخلنا جميعاً في خطر مواجهة تكرارها، لأننا اذا لم نعالج الأسباب، فهي لن تذهب من تلقاء نفسها، وإنما تبقى لتغذي بذور ارهاب جديد. لن أحاول ان أرد على سخف الادعاء ان الموساد وراء ارهاب 11 أيلول، أو ان خمسة آلاف يهودي حُذروا وطُلب منهم الابتعاد عن مركز التجارة العالمية ذلك اليوم وحفظوا السر، او ان التحالف العسكري الصناعي الأميركي دبّر المؤامرة. ما أعلم يقيناً هو ان "القاعدة" خططت للإرهاب ونفذته عناصر منها، وما أرجّح هو ان أسامة بن لادن المحدود الفكر لم يكن العقل المدبر وإنما الدكتور أيمن الظواهري الذي كانت "الحياة" بين أولى ضحاياه. فعندما رفضنا ان ننشر له مقابلة، فاجأتنا بسفاهة ردوده على اسئلتنا وتفاهتها، تلقينا في مكاتب لندن وواشنطن ونيويورك 16 رسالة مفخخة انفجرت واحدة منها، وعُطلت الرسائل الأخرى. الظواهري وبن لادن وبقية العصابة يستحقون العقاب، فقد أساؤوا الى الاسلام كما لم يفعل اعداؤه. كيف يبرر هؤلاء "الاسلاميون" المزعومون قتل الأبرياء؟ ربما كان الأمر ان العقل المجرم لا يحتاج الى تبرير، غير انني أسأل وأرد على نفسي من دون ثقة كبيرة بأنني أعرف كيف يفكر العقل المجرم. ما أعرف هو ان الاسلام بريء من هذه الممارسات. في سرية مؤتة سيّر الرسول العربي جيشاً من ثلاثة آلاف رجل أوصاهم "ألا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً أو امرأة أو كبيراً فانياً، ولا معتصماً بصومعة، ولا تقربوا نخلاً، ولا تقطعوا شجراً، ولا تهدموا بناء...". ونجد الوصية نفسها بتفصيل أوسع على لسان أبي بكر الصدّيق عندما بعث أسامة بن زيد في أولى حروب الرد، فهو أوصى الجيش "لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً الا لمأكله. وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا انفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم اليه. وسوف تأتون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام، فإذا أكلتم منها شيئاً بعد شيء فاذكروا اسم الله عليها...". صدرت الوصيتان هاتان والاسلام يدافع عن بقائه، فخسارة معركة واحدة كانت ستعني نهايته كدين. اما اليوم فالمسلمون 1.2 بليون نسمة، ولا خطر عليهم، ودينهم التوحيدي هو الدين الوحيد الذي يزداد أتباعه اليوم ولا ينقصون. اليوم لا يكفي ان غالبية عظمى من المسلمين ترفض الارهاب وتدينه، فالقلة الباغية يجب ان تُنبذ وتُدان، ولا يُبحث عن أعذار لها. وبالنسبة الى الولاياتالمتحدة بالذات وإرهاب 11 أيلول، فنحن نرفض السياسة الأميركية المؤيدة للنازية الاسرائيلية في فلسطين، الا ان الرد على هذه السياسة يكون ب"السياسة" لا القتل الذي يوقعنا في ما نشكو منه. وان لنا في الفاروق عمر أسوة حسنة، فالعهدة العمرية من مستوى مواثيق جنيف اليوم، وعندما دخل المسلمون بيت المقدس لم يذبحوا 70 ألفاً من أهلها، كما فعل الصليبيون بعد قرون، وإنما أمنهم خليفة المسلمين على أنفسهم وأموالهم فقال: "هذا ما أعمل أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، اعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، سقيمها وبريئها، وسائر ملتها، انه لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم، ولا من شيء من اموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار احد منهم، ولا يسكن إيلياء معهم أحد من اليهود. وعلى أهل ايلياء ان يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم ان يخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله، حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام بها فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية. ومن أحب من أهل ايلياء ان يسير بنفسه وماله مع الروم ويبني بينهم فإنهم آمنون حتى يبلغوا مأمنهم...". هذا هو إسلام النبي العربي العظيم والصدّيق أبي بكر والفاروق عمر، وهو إسلام الجماعة التي لا تظلم حتى لا تُظلم. وأكمل غداً.