ان تعلن وزيرة خارجية اسبانيا انا دي بلاثيو ان سبتة ومليلة اراض تعود الى الاتحاد الاوروبي فذاك يعني انها تريد اقحام الاتحاد في الخلاف بين اسبانيا والمغرب. وسبق لحكومة مدريد ان سلكت المنحى ذاته حين تمنت على البلدان الاوروبية فرض عقوبات على المغرب، بسبب رفضه تجديد اتفاق الصيد الساحلي واتهامه بتسهيل الهجرة غير المشروعة. لكن خلفيات استعداء اوروبا تنبني على وضع سياج بين الفضاء الاوروبي ومتنفسه الافريقي، ولم تكن اقامة اسوار من الاسلاك الشائكة واجهزة الانذار المبكر في شأن المدينتين المحتلتين شمال المغرب سوى مقدمة لذلك، امتدت عبر سريان مفعول اتفاق شينغن عليهما، ما يعني ان الازمة المغربية - الاسبانية في شأن جزيرة ليلى كان هدفها استفزازياً، اقله ان اسبانيا حركت اساطيلها ازاء صخرة غير مأهولة. فكيف سيكون الوضع حيال المدينتين والجزر التابعة لهما؟ وبصرف النظر هل تحرك المغرب في اتجاه الجزيرة لأهداف امنية او لاثارة الانتباه الى ملف الاراضي المحتلة، فإن الربط اصبح قائماً، اي ان العلاقات بين المغرب واسبانيا لن تعود الى فترة التطبيع من دون الاحاطة بمستقبل المدينتين، أكان ذلك في نطاق حوار ثنائي او عبر نقل الخلاف الى محافل دولية. الاصل في الانزعاج الاسباني ان المعركة على مستقبل المدينتين ارتدت بعداً اقتصادياً، واذ يقول قروي بسيط عند مشارف جزيرة ليلى انه لا يفهم كيف ان بلاده تزود المدينتين المحتلتين مياه الشرب فيما ترد اسبانيا بحشد الاساطيل، فإن التفكير الاسباني يذهب نحو استقراء ابعاد اقامة مناطق للتجارة الحرة على سواحل البحر المتوسط، على الاقل لأنها ستصيب التجارة الحرة في المدينتين بكساد. وسيصبح احتفاظ اسبانيا بهما قواعد عسكرية وليس مراكز تجارية، والصين قبل استعادة هونغ كونغ كانت تزودها الطعام والشراب والكهرباء، لكنها ركنت الى مقولة "دولة واحدة ونظامان" فيما الرباط تلوح بمقولة "السيادة للمغرب والمصالح الاقتصادية لاسبانيا". لكن مدريد ليست لندن وبكين ليست الرباط. فقط هناك تشابه في الأمكنة والحالات، وما تتوخاه بريطانيا من تعويض خسارة هونغ كونغ تجده في اقتسام السيادة على جبل طارق. لكن مدريد تريد نصف سيادة على الصخرة وسيادة كاملة على المدينتين المغربيتين، بيد ان اعتبار جبل طارق فضاء اوروبياً حتم التفاهم بين لندنومدريد نظراً الى انتسابهما الاوروبي. والحال ان إدراج سبتة ومليلة في هذا الفضاء لا يبرره الواقع الجغرافي والتاريخي. مرة حلم المغاربة والاسبان بأن في امكانهم الربط قارياً بين افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق. آنذاك كانت الرباط تعول على انضمام خجول الى الاتحاد الاوروبي، وبإدراكها الآن ان الامر كان مجرد حلم وان اسبانيا ستظل تعارض الحق في الاستمتاع به، اتجهت نحو معاودة ترتيب الهواجس الاقتصادية في المحافظات الشمالية للمغرب، ولكن كان اكثر ازعاجاً لاسبانيا. والبحر الذي كان يراد بناء جسر معلق او نفق في اعماقه يربط بين ضفتي المتوسط اصبح اكثر بعداً، كما في حال حروب حضارية كان المتوسط شاهداً عليها ولا يزال.