"جمهورية التلفزيون"، كتاب الباحث السينمائي فجر يعقوب، هو بمعنى ما، دفاع عن فن السينما. وهو اذ يتعامل مع التلفزيون باهتمام كبير، فإنما ينطلق مما يمتلكه التلفزيون من سطوة، اكثر من امتلاكه ايجابيات فنية او فكرية. والكتاب اذ ينطلق من هذه السطوة، ينعتها بقسوة لا هوادة فيها، حين يؤكد "انه يتشرّبنا ونتشربه، ولا مناص على ما يبدو من هذا التأديب الإلكتروني". فجر يعقوب ينتبه الى "الاشتباك" التلفزيوني مع الفن السابع، ونعني دأب التلفزيون على عرض افلام سينمائية على شاشته الصغيرة، فيصف ذلك بأنه "شائعة سينما في التلفزيون" لا بل انه يستعير لوصف هذا "الاشتباك"، مقولة المخرج الإيطالي الكبير فيدريكو فيلليني، الذي يقول عن التلفزيون: "ان له طريقة في التعاطي مع المشاهد، ليست إلا تأهيلاً ذكياً بمستوى عالٍ من التوجيه في السخرية المنظمة من الثقافة". ثم يختصر هذا الوصف بعبارة حاسمة "جريمة في الهواء الطلق". والباحث إذ يرفض هذه العلاقة عرض الأفلام السينمائية في التلفزيون يرى ان المفهوم الصحيح لمقولة سينما في التلفزيون، هو "قبل كل شيء، الفيلم التلفزيوني المنتج خصيصاً من التلفزيون، وهو الذي يأخذ في الاعتبار ملكات الشاشة الصغيرة. وعبرها المشاهد التلفزيوني الذي يختلف قطعاً عن المشاهد السينمائي. وحين يبحث المؤلف عن خصوصية للتلفزيون، فإنه يعثر عليها في ما يسميه الحجروية التي يقول انها خصوصية الدراما التلفزيونية التي تعزلها عن الفيلم السينمائي، حيث شاشة صغيرة، لقطة متوسطة وعامة، بث الكتروني معقد، ثم جو عائلي. الملاحظ هنا ان الباحث يربط الدراما التلفزيونية بمواصفات تحقيق اخراجي ثابتة، وضيقة المساحة، في حين ترينا تجارب اخراجية كثيرة في العالم ان الاختلاف بين السينما والتلفزيون لم يعد كبيراً في الواقع، بل ان أنجح التجارب التلفزيونية هي تلك التي انطلقت من عدم وجود لغة بصرية تلفزيونية خاصة اصلاً، وقالت بانتماء اللغة البصرية التلفزيونية الى الأصل الأول، اي فن السينما، وإن اختلفت بعد ذلك طرائق العرض. وعلى رغم ذلك، يلفت الانتباه وصف المؤلف لمقولة "سينما في التلفزيون" بأنها "تتراخى امام بضع حقائق اهمها ان التلفزيون لا يعرف لغة تلفزيونية، فهو بناء ريبورتاجي تتداخل فيه الإعلانات التجارية والمباريات الرياضية والبرامج الترفيهية وأخبار الانقلابات والزلازل، وهو بذلك يغير في ذائقة المشاهد عبر انعكاسات تغير في طريقة تقبله اللغة البصرية التي تعرفها السينما... فقط" على حد تعبير المؤلف. الكتاب يتجول في عدد من المواضيع التي تهم السينما والتلفزيون على حد سواء، من سينما المؤلف، الى تجربة C.N.N.، كما يقدم يعقوب آراء تنطلق دوماً من الفني - الثقافي، ومن تلمّس سيطرة الروح التجارية، ما يجعل المشاهدة التلفزيونية عرضة لعواصف الإعلانات وقروش المشتركين.