بيروت - "الحياة" من بين العشرة آلاف فيلم، التي تستحق هذا الإسم، والتي حققها الفن السابع في تاريخه وفي أنحاء العالم كافة، ما هي الأفلام التي يمكن أن تعتبر الأفضل؟ هذا السؤال لم يكف عن قضّ مضاجع أهل السينما ونقادها ومؤرخيها وهواتها، منذ ولد النقد وصار للسينما تاريخ. وكانت هناك على الدوام اجابات واختيارات، أحياناً في مناسبة، وفي أحيان كثيرة من دون مناسبة. ولعل الاستفتاء الأشهر هو ذاك الذي أجري في بروكسيل في العام 1958، لمناسبة معرضها الدولي، وشارك فيه مئات من النقاد والمخرجين، وأسفر عن نتائج ترجح كفة "الأسود والأبيض" في زمن كان لا يزال فيه "الملوّن" أمراً جديداً، ويرتبط بالسينما التجارية أكثر من ارتباطه بالسينما الفنية. وفي ذلك الحين، كان بعض كبار مبدعي السينما لا يزالون أحياء. ولما كانت الاجابات تميل عادة الى ترجيح كفة الراحلين، على اعتبار ان عملهم قد اكتمل. وان سينما الأحياء يمكن بعد اعادة النظر فيها، غاب عن الاجابات الرئيسية كبار مثل برغمان وفلليني وكوبريك - الذي بالكاد كان وجد - وكوبولا وغيرهم. ومع هذا ظلت تلك اللائحة التي تصدّرها "المواطن كين" لأورسون ويلز و"البحث عن الذهب" لشارلي شابلن و"الدارعة بو تمكين" لبسيرغاي ايزنشتاين هي الرائجة والمعتمدة وعلى الأقل في الأوساط الأضيق من أهل النقد والمهنة. نقاد ومخرجون لكنها لم تبق الوحيدة، إذ منذ ذلك الحين دأبت كبريات المؤسسات والمطبوعات المتخصصة في وضع لوائحها الخاصة، فتكاثرت اللوائح، وتعددت الاجابات. ولكن كان هناك دائماً ثوابت لا يحيد عنها الذين يدعون الى الاختيار، وهم عادة نقاد وسينمائيون. من بين المطبوعات تميزت مجلة "سايت إند ساوند" البريطانية، التي تعتبر الى جانب "كراسات السينما" و"بوزيتيف" الفرنسيتين، واحدة من أكثر المجلات السينمائية جدية وصدقية، بنقدها العميق كما بدراساتها المسهبة. وهذه المجلة التي تصدر منذ أكثر من نصف قرن، اهتمت دائماً بمثل هذا النوع من الاستفتاءات. وكان أول استفتاء أجرته، في العام 1952، سابقاً بسنوات عدة لاستفتاء بروكسيل الشهير، لكنه لم ينل ما يكفي من الشهرة. أما آخر استفتاء فأجرته في عامنا هذا 2002، لمناسبة مرور نصف قرن على الاستفتاء الأول. فما الذي تبدل بين زمني الاستفتاءين؟ هذا السؤال يمكن ان تجيب عنه مقارنة بسيطة بين لائحة العام 2002 ولائحة العام 1952. ونبدأ هنا باللائحة الأحدث، علماً أن اختيارات العام 1952 تناولت الأفلام وحدها، أما اختيارات العام 2002، فكانت مزدوجة، واحدة للأفلام وأخرى للمخرجين. إذن، بناء على لائحة مجلة "سايد اند ساوند" الجديدة، يصبح ترتيب الأفلام العشرة الأهم في تاريخ السينما على النحو الآتي: أ - لائحة النقاد: الأول "المواطن كين" لأورسون ويلز 1941. الثاني "فرتيغو" دوخان لألفريد هتشكوك 1958. الثالث "قواعد اللعبة" لجان رينوار 1939. الرابع "العراب" في جزءيه لفرانسيس فورد كوبولا 1972 - 1974. الخامس "حكاية طوكيو" لأوزو 1953. السادس "2001 أوديسة الفضاء" لسنانكي كوبريك 1968. السابع "الدارعة بوتمكين" لايزنشتاين 1925. السابع أيضاً "الفجر" لمورناو 1927. التاسع "ثمانية ونصف" لفلليني 1963. العاشر "الغناء تحت المطر" لستانلي دونن وجين كيلي 1951. 2 - لائحة اختيارات المخرجين: الأول "المواطن كين". الثاني "العراب" في جزءيه. الثالث "ثمانية ونصف". الرابع "لورانس العرب" لدافيد لين 1962. الخامس "دكتور سترانجلاف" لكوبريك 1963. السادس "سارقو الدراجة" لفيتوريد دي سيكا 1948. السادس أيضاً "الثور الهائج" لمارتن سكورسيسي 1980. السادس كذلك "فرتيغو" لهتشكوك. وثلاثة في المركز التاسع: "راشومون" لكوروساوا 1950 و"قواعد اللعبة" و"الساموراي السبعة" لكوروساوا أيضاً. 3 - اختيارات النقاد لأعظم المخرجين. أورسون ويلز المركز الأول. الفريد هتشكوك المركز الأول أيضاً. جان لوك غودار ثالثاً. جان رينوار رابعاً. ستانلي كوبريك خامساً. كوروساوا سادساً. فدريكو فلليني سابعاً. جون فورد ثامناً. ايزنشتاين تاسعاً. كوبولا واوزو في المركز العاشر. 4 - أما بالنسبة الى المخرجين المعاصرين الذين شاركوا في الاستفتاء فكانت لائحتهم لأفضل المخرجين على الشكل الآتي تباعاً: أورسون ويلز. فدريكو فلليني. كوروساوا. كوبولا. هتشكوك. كوبريك. بيلي وايلدر. انغمار برغمان. مارتن سكورسيسي، دافيد لين وجان رينوا معاً في المركز الأخير. وللمقارنة، إذاً، نورد هنا أول لائحة لأفضل الأفلام، نشرتها مجلة "سايت اند ساوند" في العام 1952، وجاءت على الشكل الآتي: في المركز الأول "سائقو الدراجة" لدي سيكا. في المركز الثاني "أضواء المدينة" و"البحث عن الذهب" لشارلي شابلن. في المركز الرابع "الدارعة بو تمكين" لايزنشتاين. في المركز الخامس "تعصب" لغريفيت و"حكاية لويزيانا" لفلاهرني. في المركز السابع "جشع" لفون شتروهايم و"طلع النهار" لمارسيل كارنيه و"آلام جان دارك" لكارل دراير. في المركز العاشر "لقاء عابر" لدافيد لين، و"المليون" لرينيه كلير و"قواعد اللعبة" لجان رينوار. غياب عربي تام فما هي الملاحظات الأولية التي تطرح نفسها ازاء هذا كله؟ - الملاحظة الأولى هي ان اورسون ويلز الذي كان غائباً تماماً عن أول لائحة للمجلة، عاد بعد خمسين عاماً ليتصدر اللوائح كلها أفلاماً ومخرجين علماً بأن فيلمه "المواطن كين" شغل المركز الأول في كل الاستفتاءات التي أجرتها المجلة نفسها بين التاريخين أي في الأعوام 1962، 1972، 1982 و1992. - الملاحظة الثانية هي أن معظم المخرجين الذين تم اختيارهم في لوائح النقاد والمخرجين للعام الحالي 2002، قد ماتوا، باستثناء كوبولا وسكورسيسي وبرغمان وغودار. وان هذا الأخير تم اختياره ثالثاً في لائحة النقاد مع أن أي فيلم له لم يتم اختياره لأي مركز في اللائحة. كما يلاحظ ان هتشكوك لم يبدأ، وأفلامه، بالظهور على اللوائح إلا بعد موته في العام 1982. - تزايد في اللوائح الأحدث عدد الأفلام الأميركية، إذ تم اختيار سبعة أفلام أميركية من أصل عشرة، بينما كانت في اللائحة الأولى خمسة أفلام من أصل 12 - مع ملاحظة ان لائحة المخرجين أعطت خمسة للأميركيين وخمسة للجنسيات الأخرى. أما بالنسبة لأفضل المخرجين، فقد تم اختيار أربعة أميركيين في اللائحة الخاصة بالنقاد مقابل فرنسيين وروسي واحد ويابانيين وايطالي... فيما أعطت اختيارات المخرجين وعددها 11 مخرجاً: 6 أميركيين، فرنسي واحد، ايطالي واحد، ياباني واحد، بريطاني واحد، سويدي واحد. - اما الملاحظة الأخيرة التي يمكن طرحها بأسف ما فهي خلو اللوائح النهائية من ذكر اي فيلم عربي على الاطلاق، بل ان اللوائح التفصيلية التي رسمت اختيار كل واحد من بين النقاد والمخرجين الذين تم استفتاؤهم، تخلو من أي ذكر لأي فيلم أو مخرج عربي.