بروكسيل - رويترز - شنفت جوقة المعارضة داخل الحزب الذي ينتمي اليه الرئيس جورج بوش لسياسته إزاء العراق آذان أوروبا حيث لا يزال التأييد لتوجيه ضربة وقائية لاطاحة الرئيس صدام حسين، محدوداً جداً. ويتفق زعماء أوروبا على ضرورة ان يسمح صدام بعودة المفتشين من دون شروط، لكنهم يخشون من أن يكون توجيه ضربة وقائية بمثابة صب الزيت على النار المتأججة في الشرق الأوسط، وأن يهز الاقتصاد العالمي. وبصرف النظر عن هذه المخاوف ليست هناك سوى قلة بين زعماء أوروبا مستعدة لاغضاب الناخبين الذين يعارضون بشدة العمل العسكري، خصوصاً المستشار الألماني غيرهارد شرودر الذي سيواجه انتخابات الشهر المقبل. وأعطى بوش الأولوية لاطاحة صدام متهماً إياه بأنه يطور أسلحة دمار شامل، داعياً الى وقفة قبل أن يستخدمها ضد الولاياتالمتحدة أو حلفائها أو يعطيها الى جماعات "ارهابية". لكن الشكوك والخلافات داخل الحزب الجمهوري الذي ينتمي اليه الرئيس الأميركي، ظهرت بكثافة، وتوجت بتوقعات برنت سكوكروفت المستشار السابق للأمن القومي والذي اعتبر قبل أيام قليلة ان الهجوم على العراق قد يهدد في شكل خطير الحرب التي اعلنتها الإدارة الاميركية على الارهاب. وقال تيم غاردن من مركز الدراسات الدفاعية في كلية كينغز بلندن: "ربما يعيد بوش تقويم الوضع، لكنني لست واثقاً من أن آراء الأوروبيين بمن فيهم البريطانيين، لها هذا التأثير الواسع على السياسة الأميركية". صحيح ان روبرت ليفين المحلل والسياسي الاميركي السابق كتب في "انترناشيونال هيرالد تريبيون" الاربعاء ان بوش لن يأمر بتوجيه ضربة للعراق قريباً، لكن ذلك فقط بسبب الأخطار السياسية التي ينطوي عليها هذا العمل داخلياً. واعتبر ريتشارد بيرل المستشار في البنتاغون أن الحلفاء الأوروبيين ليسوا "ضروريين"، مستثنياً بريطانيا التي توقع أن تساند واشنطن. وزاد ان "بقية الأوروبيين يفضلون ان يديروا وجوههم الى الجانب الآخر، أو يلجأوا الى صفقات مع صدام حسين". ولكن، حتى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الذي يميل الى مساندة بوش، يواجه معارضة داخلية متزايدة لتوجيه ضربة للعراق، شملت زعماء كنائس وبعض القادة العسكريين واليساريين من حزب العمال الذي يتزعمه. وأظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة "ذي ديلي تلغراف" المحافظة في 12 آب اغسطس ان 58 في المئة من البريطانيين يرون أن الهجوم على صدام غير مبرر الآن، وان 90 في المئة يخشون ان يثير مثل هذا العمل مزيداً من الهجمات المشابهة لهجمات 11 أيلول سبتمبر في واشنطن ونيويورك. لكن محللين يرون انه ما أن تقع الواقعة فإن "العلاقات الخاصة بين بريطانياوالولاياتالمتحدة ستضع بلير بثبات الى جانب بوش". أما شرودر فسخر من رغبة الولاياتالمتحدة في القتال، ولعب على أوتار مخاوف الرأي العام المتزايدة لصرف الانتباه عن بيانات اقتصادية ضعيفة، واستمال الناخبين من التيار اليساري باستعراض المخاوف من الحرب. وأعلن في بدء حملته الانتخابية ان المانيا لن تنجر الى "مغامرة". ومثل شرودر، يصر الرئيس الفرنسي جاك شيراك على أن ضرب العراق لا يكون مبرراً الا بتفويض من مجلس الأمن الذي تشغل باريس أحد مقاعده الدائمة. وعلى رغم ان فرنسا حجمت انتقاداتها للولايات المتحدة، منذ اعادة انتخاب شيراك بغالبية من تيار يمين الوسط، فإن معارضة الرأي العام الفرنسي الضربة قوية، وأظهر استطلاع للرأي ان ثلاثة أرباع الفرنسيين يعارضون الخيار العسكري. ولا يمكن بوش كذلك الاعتماد على اثنين من أقرب حلفائه الأوروبيين، هما رئيس الوزراء الاسباني خوسيه ماريا اثنار ورئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلوسكوني. اذ أبلغ وزير الخارجية الاسباني نظيره الاميركي كولن باول الاسبوع الماضي ضرورة ان يكون للأمم المتحدة دور ريادي في التعامل مع صدام، وأنه ما زالت هناك فرصة لممارسة ضغوط ديبلوماسية، وأن مدريد لن تؤيد هجمات فورية. وتتخذ ايطاليا موقفاً يتسم بالحذر الشديد، وهي اعلنت انها تريد أدلة دامغة ضد صدام قبل مساندة أي هجوم أو المشاركة فيه. ولكن إذا جاء وقت تحديد المواقف، فإن برلوسكوني سيميل الى دعم بوش. لكن ايطاليا دولة تعتبر الى حد كبير مناهضة للحروب، وجاهدت حكومات في التسعينات للحصول على موافقة على اشراكها في هجمات حلف الأطلسي على دول البلقان. ولا يبدو ان لدى الايطاليين أي رغبة في تأييد غزو للعراق.