هذا الكتاب محاولة لعرض الأحداث التي رافقت السقوط المأسوي لموردخاي فعنونو بسبب محاولته القاء الضوء على دور الحكومات التي ساندت عملاً من الأعمال المنافية للشرعية والانسانية وغضت النظر عنه على رغم ما يصيب به النفس من غثيان وهو مساعدة اسرائيل على تطوير قنبلة نووية. ويروي بيتر هونام، مؤلف كتاب "من قتل ديانا" الذي درس الجريمة والفساد في عدد من البلدان باعتباره من أشهر الذين يجرون التحقيقات الصحافية، جوانب خفية من قصة فعنونو، وكيف تم خطفه من ايطاليا واعادته الى اسرائيل، في محاولة جديدة لفتح هذا الملف وممارسة الضغط داخل اسرائيل من أجل تحرير رجل مهذب أراد ببساطة أن يخبر شعبه كيف أن طغمة صغيرة من السياسيين والجنرالات أنفقت سراً مبالغ هائلة من المال العام. "الحياة" تنشر حلقات من الكتاب، تناولت السابقة منها قصة الصحافي الكولومبي الغامض الذي كان صلة الوصل بفعنونو، وانتقال فعنونو من سيدني الى لندن واستجوابه حول عمل مجمع ديمونا ونشأته الأولى في المغرب وانتقاله الى اسرائيل وتحوله الى المسيحية. وتتطرق هذه الحلقة الى تحرك الاستخبارات الاسرائيلية للايقاع بالفني الاسرائيلي. ترجمة: ابراهيم محمد ابراهيم ويصدر الكتاب قريباً في منشورات الجمل في ألمانيا ليس معروفاً متى بدأ "موساد" بالضبط تطبيق خطته للايقاع بفعنونو. لكن من المؤكد ان التحرك بدأ قبل أسبوعين أو ثلاثة من وصولي معه الى لندن في 12 أيلول سبتمبر. ولو صح كما يبدو أن جيريرو حذر أفي كلايمان في البعثة الاسرائيلية في سيدني قبل وصولي الى أستراليا في 10 آب أغسطس فان ذلك يعني انه كان لدى الاستخبارات الاسرائيلية متسع من الوقت لزرع عملائها في مواقعهم. ولا شك في أن السلطات في اسرائيل علمت مع حلول 7 أيلول بعروض الشرائح التي قدمها لي في "هيلتون". في ذلك اليوم كان أخوه الأكبر ألبيرت يعمل في محل النجارة الخاص به في بئر السبع عندما وصل ضابطان من ادارة الأمن الداخلي الشاباك. سألاه عن المكان الذي يقيم فيه موردخاي. كانت عائلته تلقت بطاقات بريدية وكل ما كان يعرف أنه من المحتمل أن يكون في الشرق الأوسط. قال أحد الضابطين: "انه في أستراليا، ونحن نعلم مكانه وماذا في نيته ان يفعل". لم تكن لدى ألبيرت أدنى فكرة عما يقصدون غير أنه اشتمّ أن أخاه واقع في المتاعب. وأضاف رجل الشرطة السري "انه يتحدث الى صحيفة بريطانية عن عمله في ديمونا. عليك أن تتصل به وتبلغه ان هذا ليس شيئاً حسناً. عليك اذا اتصل بك أن تبلغه بأنه واقع في المتاعب". وحمل ألبيرت على توقيع تعهد بعدم البوح بما دار من حديث تحت التهديد بقضاء 15 سنة في السجن. من المعروف أن لموساد صلات قوية بوكالات استخبارات أخرى. وعلم في ما بعد أنه في وقت كنت أنا وموردخاي نطير الى لندن كان لسان جيريرو الطويل ارتكب حماقة أخرى. اذ عندما حضر الى مطار سيدني لوداعنا التقى بأحد معارفه القدامى في المطار وتفاخر بالقصة الكبرى التي له ضلع فيها متحدثاً عن تفاصيل حول عمل فعنونو في اسرائيل وزيارته للندن في صحبتي. وكان هذا الشخص في الواقع ضابط اتصالات سابق يعمل مع استخبارات الأمن الأسترالية. فانتقلت المعلومات الى الاستخبارات البريطانية. وعندما هبطت طائرة ال"بوينغ 747" التي كنا نستقلها في مطار هيثرو كان في انتظارنا ضابطا شرطة من الفرع الخاص عند باب الخروج ليراقبا نزولنا من الطائرة بعدما استوثقا من مكتب الخطوط عن المكان الذي كنا نجلس فيه. ربما كان لقاء فعنونو بيورام بازاك في شارع ريجينت في لندن مؤشراً آخر على أن خطة خطف فعنونو التي أعدها "موساد" قطعت شوطاً كبيراً عندما وصلنا الى لندن. وعندما التقى به براغنيل في ما بعد في شقته في تل أبيب كان عصبياً كثير الحركة، وحاول أن ينكر أنه كان في لندن كما حاول أن ينفي أنه أحد أصدقاء فعنونو. وعند ذكر اسم الفندق الذي كان يقيم به في لندن أجاب: من أخبرك بذلك؟ أما بالنسبة الى غير ذلك من الأسئلة فلزم الصمت فيما كانت عيناه تلمعان وهو يعتصر يديه. كان من المغري خطف فعنونو ووضعه في سيارة والغرق في الزحام المروري. اذ تم التخلص من أدولف أيخمان بمهارة بهذه الطريقة عام 1960 عندما خطف في الأرجنتين وأخذ الى اسرائيل حيث حوكم وأعدم، وهو نجاح باهر لم يستجلب أي تجريم دولي. نوقشت الفكرة ملياً في مقر "موساد" في تل أبيب، لكن كان لا بد من أخذ العوامل الأخرى في الاعتبار. اذ أن الصيد ليس نازياً أو متهماً بالقتل الجماعي كما هي الحال بالنسبة لأيخمان، بل مواطن اسرائيلي قد يتعاطف معه كثير من الناس، اضافة الى أن النجاح لم يكن مضموناً في أي حال. كما أن اسرائيل تدرك أن المملكة المتحدة وهي صديق وحليف لاسرائيل مكان أكثر مجازفة من بوينس أيريس للقيام بعملية خطف، خصوصاً ان فعنونو رافقه في كل مكان تقريباً مخبرون صحافيون من "صاندي تايمز"، وأي محاولة لخطفه كانت ستثير ضجة اعلامية كبرى. لذلك كله كانت هناك حاجة الى تكتيكات أكثر عمقاً وهو أمر يستغرق وقتاً أطول قليلاً. مل موردخاي البيئة الهادئة في هيرتفوردشير الريفية وطلب مكاناً في وسط المدينة، فنقل في 17 أيلول من عزلته في فندق هيث لودج خارج لندن الى فندق "ثيسل تاور" وسط العاصمة على مسافة سير قصيرة من مقر "صاندي تايمز"، وتقرر على سبيل الحماية ألا يعرف المكان الذي تم اخفاؤه فيه سوى اثنين من فريق التقصي والبحث. لم يكن اختيار الفندق في أقرب مكان من مكاتب الصحيفة موفقاً. اذ أن جيريرو أقام هناك عندما كان في لندن قبل أن نطير معاً الى أستراليا. وحتى لو لم يكن "موساد" في اثر فعنونو، كان من المحتم أن يضع المكامن الأكثر احتمالاً تحت المراقبة. وعندما استرجع الأمر أقول انه لم يكن ينبغي أن يكون بالقرب من لندن في المدة التي قضاها في المملكة المتحدة. ولكن من جهة أخرى ينبغي القول ان مورد لم يكن مطيعاً. فمع أن هناك عقداً لنشر قصته الا أنه لم يوقع أبداً لذا لم يكن ملزماً قانوناً باتباع نصائحنا، فكان يتردد على الحانات والمطاعم والمسارح بكامل ارادته. ومع مرور الوقت خفت الاحتياطات المتخذة ضد أي حيل قذرة تقوم بها اسرائيل. ثم حدث تعقيد آخر. فعلى عكس الخطة المتفق عليها، وصل جيريرو الى لندن واتصل بمكتب الشؤون الخارجية في الصحيفة طالباً ويندي روبينز التي التقى بها في زيارته السابقة. وافقت على لقائه في اليوم التالي، مزودة تعليمات بالتودد اليه ومعرفة السبب الذي جعله يأتي الى المملكة المتحدة من دون سابق انذار. واكتشفت انه كان حانقاً على "صاندي تايمز" وتهيمن عليه فكرة ثابتة بأن الصحيفة ستغشه. في مكالماته مع روبين مورغان كان أكثر تحديداً. اتصل مراراً مصراً على إلغاء الصفقة وأنه لم يعد راغباً في الإستمرار في ترتيباته معنا. ثم تلقى مورغان مكالمتين من شخص مدعياً أنه يمثل فعنونو ويصر على انهاء الموضوع لأن صحيفة أخرى تقوم باعداده. كان جيريرو اتصل ب"صاندي ميرور" التي أسكنته في فندق رخيص ريثما تتحقق من قصته الغريبة ومن صوره لديمونا ومن صوره مع سياسيين دوليين. والصحيفة الشعبية هذه معروفة بكشف الأمور الشخصية، أكثر من اهتمامها بكشف مصانع الأسلحة النووية المدفونة. مواجهة في السفارة كان نشر القصة في الصفحة الأولى والثانية والثالثة مخططاً له أن يتم في 28 أيلول وكان فعنونو يشعر بالراحة لأن أيام التحقيق قاربت على نهايتها ولأن القصة ستخصص لها مساحة لم تحدث سابقاً. في 23 أيلول كان الفريق مستعداً لمواجهة اسرائيل بملخص موجز ودقيق بالمعلومات التي ننوي نشرها. وكنا متلهفين لاختبار رد فعلهم. كان الجميع يعرف أن الكشف عن عناصر من القصة يعد مجازفة لأن هذا يعطي الجانب الآخر فرصة الحصول على مهلة يستطيع خلالها تخويف الشهود والقيام بما يفسد القصة ويفقدها صدقيتها. ومع ذلك كان العدل يقتضي أن تمنح اسرائيل فرصة للتعليق كما كنا نرغب في استكشاف الطريقة التي ستتعامل بها مع هذا النشر غير المرغوب فيه. أخذنا رأي مورد في مسألة كشف شخصيته واطلع على ملف المواد التي نقترح تسليمها الى الاسرائيليين. فكان مؤيداً بل في الواقع راغباً في معرفة النتيجة. وقال بنظرة مستهزئة "أظن أنهم سيتلقون مفاجأة كبيرة". في اصيل ذلك اليوم ذهبت أنا وبيتر ويلشر في سيارة أجرة الى السفارة الاسرائيلية في حدائق كينزينغتون بالاس مسلحين بأوراق منتقاة بعناية وبيان معد. وبعدما مررنا بمنطقة تفتيش أمنية عند المدخل وبجهاز للكشف عن المعادن تم توجيهنا الى مكتب في الطابق الأول حيث كان الملحق الصحافي افيات مانور ينتظر وهو يذرع الحجرة جيئة وذهاباً في توجس. لم يدل بأي تعليق حين قدمت له نسخاً من صفحات جواز سفر فعنونو وخطاب الاستغناء عنه من المجمع ونسخاً من بعض الصور التي التقطها. قرأ بعناية خطاباً مرفقاً من الصحيفة يطالب رسمياً بتعليق اسرائيلي رسمي ثم هز رأسه خفيفاً واستدار كي يطلع على البيان الذي كان يتضمن نيتنا نشر تحقيق كبير يؤكد أخيراً وجود قدرة لدى اسرائيل على انتاج الأسلحة النووية، واصفين المرافق المخصصة لهذا الغرض بما فيها من تقدم وتعقيد. ويبين التحقيق أن اسرائيل قادرة على انتاج ربما قنبلة ذرية سنوياً على رغم انكارها ذلك بانتظام، وأنها منذ 1970 تكدس المواد اللازمة لمثل هذه الأسلحة بمعدل سنوي يراوح بين ست وعشر قنابل وانه يوجد الآن ما يزيد على 100 وسيلة انشطارية في ترسانتها العسكرية. أخذ مانور نفساً عميقاً ورفع ناظريه، وقال: "هل أنتما متأكدان من أنه من السلامة بالنسبة اليّ أن أرى هذا؟". قال ذلك في هدوء ربما متأملاً في الخطر الذي وقع فيه فعنونو ثم نهض وصافحنا: "سأرد عليكما بأسرع ما يمكن". واتصل تليفونياً في الصباح التالي "لدي بيان قصير ولن يكون هناك المزيد. ليست هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها قصص من هذا النوع. وهي ليس لها أي أساس من الواقع ومن ثم فان أي تعليق من جانبنا لا لزوم له". عند عودتنا بالتاكسي الى مكاتب الصحيفة لفت انتباهي رجلان يقفان على الرصيف المواجه للبوابة يحمل أحدهما آلة تصوير فيديو من الحجم الذي يكون عادة مع السياح والآخر ينظر في حقيبة أوراق من الألومينيوم. ظلا هناك حين غادرنا المكان يصوران المركبات المختلفة والناس. لم يعد هناك شك في أن هذا جزء من عملية المراقبة التي يقوم بها "موساد" غير أنه في ذلك الوقت لم يكن هناك ما نستطيع أن نفعله. كانت الأولوية هي استكمال القصة. نقل فعنونو ثانية هذه المرة الى فندق "ماونتباتن" في كوفينت غاردن. وبدا أن هذا اجراء احترازي متعقل اذا ما أخذنا في الحسبان أن جيريرو يبحث عنه وأن السفارة الاسرائيلية أخذت علماً بقصته. لكن كان هذا في واقع الأمر خطأ آخر. فمورد الآن يسكن في جزء من لندن يعج بالسائحين، حيث يمكن اغراؤه بالتجول وحده. اذا كان ذلك الأسبوع حافلاً بالنسبة الينا في الصحيفة فلا بد أنه كان مليئاً بالتوتر والاجهاد لفريق "موساد" المكلف تحجيم الضرر الذي كان فعنونو على وشك أن ينزله باسرائيل. فالمادة التي سلمناها لافيات مانور دفع بها بالطبع الى اسرائيل حيث أدرك شمعون بيريز الذي كان رئيساً للوزراء للمرة الأولى المدى الذي كان المرفق الأثير الى قلبه على وشك أن يفتضح. وكما علمنا في ما بعد حطمه هذا الخبر وكان يغلي غضباً مما يمكن أن تحدثه المعلومات التي كشفها فعنونو بالنسبة لوضع اسرائيل الدولي. اذ أن من المحتمل أن تعرض المعونة الأجنبية للخطر بما في ذلك الأموال الحيوية التي تأتي من الولاياتالمتحدة. كانت واشنطن دائماً على استعداد لأن تغض الطرف عن تقارير وكالة الاستخبارات المركزية عن الحشد الذري لدى اسرائيل غير أنها قد تجد أن هذا التصرف صار أكثر صعوبة في حال ظهور دليل مؤكد في الصحافة. فأمر بيريز ب"اعادة فعنونو الى اسرائيل فوراً". يوم الأربعاء 24 أيلول، وهو اليوم الذي رد فيه مانور تلفونياً بانكاره الرقيق، كان فعنونو في المكتب قبل ان تعيده السيارة الى فندق "ماونتباتن" قرب المساء. كان الجو لطيفاً ودافئاً لذا قرر أن يستكشف بيئته الجديدة المثيرة. التفاصيل الدقيقة لما تلا ذلك حين سار في غفلة الى الفخ القاتل ظلت لفترة طويلة جزءاً من لغز فعنونو. لكن معلومات تجمعت من مصادر في اسرائيل تفيد انه غادر الفندق واستدار يميناً الى ميدان ليسيستر وهو مركز دور السينما في لندن. توقف قليلاً كي ينظر الى المجلات الموجودة في كشك أحد باعة الصحف عندما رأى امرأة رفعت عينيها لبرهة ورمقته بنظرة. كانت شقراء تضع مساحيق زائدة قليلاً غير أنه رأى أنها جذابة. شعر بدافع الى أن يتحدث اليها والتقت عيونهما فلمس فيها بريقاً ينم عن قدر من الاهتمام، غير أن نزعته الى الرزانة تغلبت عليه. فاستدار وترك كشك الصحف وابتعد ليعبر فاذا به يجد المرأة بالقرب منه تسير في الاتجاه نفسه. استدارت يساراً حين وصلا الى الجانب الآخر من الطريق فكان فعنونو أشد حياء من ان يتبعها. استمر في سيره مسافة 100 ياردة ثم توقف غير مدرك للسبب. عندما نظر وراءه رآها تنظر الى واجهة أحد المحلات. اتجه فعنونو اليها واستجمع شجاعته كي يحييها، قائلاً: "هل أنت سائحة مثلي؟ ما رأيك في أن نذهب معاً لتناول فنجان من القهوة". الانجذاب القاتل ماذا عساه أن يكون أقرب الى الطبيعة من شخص أجنبي وحيد في لندن يتمشى في حي المسارح في لندن فتقع عيناه على امرأة جذابة يبدو أنها تائهة ووحيدة. يقترب منها فتوافق باستحياء على أن تصحبه لتناول فنجان من القهوة. يدردشان ويمزحان وفي الفنجان الثاني تكشف له عن اسمها: سيندي. اخصائية تجميل أميركية تستكشف لندن وحدها قبل أن تجوب أوروبا. يمكن أن تكون هذه بداية لقصة رومانسية أو هكذا ظن فعنونو يملأه احساس بالنشوة. لم تكن لديه أدنى فكرة عن أنه يسقط ضحية لحماقته، وأنه يسير حثيثاً الى فخ معد له بعناية. من الواضح أنه لم يطرأ على ذهنه أي ظل من الخوف من أن صديقته الجديدة ربما تكون جاسوسة ماكرة تعمل بأعصاب باردة لأنه هو الذي بادر بالحركة الأولى. ولما لم تكن لديه خبرة بفنون الغواية المحترفة لم يكن ليخامره أي شك بأن الموقف دبر بعناية. كان فريق "موساد" يعمل في بيوت آمنة ومسلحاً بأجهزة استقبال غاية في الصغر، وكان أفراده يتعقبون فعنونو لأسابيع فتمكنوا من وضع طعمهم بكل دقة. اذ أن سيندي كانت عند كشك الجرائد في اللحظة المناسبة وربما حاولت أن تلفت انتباهه بخبث في مناسبات سابقة من دون أن تكلل جهودها بالنجاح. كانت ترتدي ملابسها بالطريقة التي يحب أن ترتدي بها النساء ملابسهن وربما أحيطت علماً بأفضل الطرق لجذبه لمعرفتها الدقيقة بجوانب ضعفه. فيما شغلته سيندي بأحاديث خفيفة عادية في تلك الأمسية جاءت النقطة التي قالت فيها ان عليها أن تذهب. غير أن لغة الجسد أوضحت أنها تود أن تراه مرة أخرى. كان يحب فن الأوبرا وهذا دليل على أنه رجل ذو ميول جمالية لذا فحين اقترح مورد أن يلتقيا في اليوم التالي اقترحت أن يقوما بزيارة لقاعة "تيت" للفنون وهي مكان اللقاء الأول في لندن للفن الحديث. فسرّ فعنونو لأنها تشاركه اهتماماته على العكس من النساء اللاتي كان يحلم بهن. تواعدا على اللقاء عند درجات القاعة في الثانية ظهراً وتصافحا واتجها عبر ميدان ليسيستر في اتجاهين مختلفين. قضى مورد الصباح التالي في الفندق غير أن خططه تداعت في الواحدة ظهراً. اذ وصل ماكس براغنيل الى الفندق لاصطحابه الى مكاتب "صاندي تايمز" للاجابة عن المزيد من الأسئلة. انزعج الاسرائيلي غير أنه وافق على الذهاب، وأبلغ الصحافي أن عليه أن يقوم بزيارة في الطريق الى الصحيفة. ركبا السيارة معاً متجهين الى قاعة تيت وفيما كان فعنونو يغادر السيارة ليبحث عن سيندي انتظره براغنيل وأوقف السيارة في مكان قريب، فرأى فعنونو يتحدث الى امرأة تضع مساحيق ثقيلة للتزين. كانت "تبدو نموذجاً للأميرة اليهودية الأميركية". بعد دقيقتين من الدردشة عاد فعنونو الى السيارة قائلاً انه ضرب موعداً جديداً مع سيندي في السادسة ذلك المساء، وانهما سيذهبان الى السينما ليشاهدا فيلم "حنا وأخواتها". لم ينبه براغنيل أحداً الى هذا الخطر فسار الموعد بلا عراقيل. وكشف فعنونو في ما بعد بأن سيندي كانت مترددة بدلال في ذلك المساء في أن تقول أين تسكن محملة اياه عبء أن يكون هو البادئ بالتصريح عن اقامته في فندق "ماونتباتن" تحت اسم مزيف هو جورج فورستي. أخبرها أنه في حجرة 105 لكنه طلب منها أن تكون حريصة اذ أنه ليس من المفروض أن يبلغ أحداً. * الحلقة الأخيرة: السبت المقبل.