تسألني عما تركه غسان كنفاني في ذاكرتي؟ ترك ما لا يتسع له ملحق خاص كامل من "الحياة". سأنتقي من حفريات الذاكرة ما له صلة بما يدور في فلسطينالمحتلة اليوم. غسان كان يعشق الحياة لكنه في الوقت ذاته كان يستخف بالموت وبالاحتياطات الأمنية. كنا في ذلك الزمان نضحك من كل شيء ومن انفسنا قبل الآخرين لكنني لم أكن أضحك من اهمال غسان لإمكان اغتياله ورفضه حمل مسدس دفاعاً عن نفسه، ناهيك عن تنقله احياناً برفقة الصديق الحميم المشترك عاطف السمرا ونتناول العشاء آخر الليل في مطعم شعبي للفتة في "الطريق الجديدة" - في رسائل غسان إليّ إشارة الى ذلك في الصفحة 33، الطبعة 4-. وذات ليلة اتفقت مع عاطف السمرا على ان نكمن لغسان في الدرب الترابية الضيقة التي كان يمر بها ليلاً في طريقه الى بيته في منطقة "الحازمية"، ونقطع الطريق عليه لإثبات كم من السهل اغتياله إذا أحب احد ذلك ولتخويفه، فقد ينصاع لنا ويهتم بسلامته وأمنه. وهكذا كان. وبدلاً من الخوف انفجر غسان ضاحكاً من الكمين! أعدت الكرّة مرة اخرى حيث كان يركن سيارته امام بيته وحيث فخخها الإسرائيليون في ما بعد وقت اغتياله. وبدلاً من الهلع واتخاذ الحيطة ضحك طويلاً وظل على عادته، لا يبالي بالموت ولا يسعى إليه. أما السؤال عن كيفية قراءتي له اليوم ففرصة للتنويه بصدور بعض كتابات غسان غير المنشورة في كتبه تحت عنوان اسمه المستعار "فارس فارس" وللتذكير بضرورة جمع اعماله كلها في كتب ودونما استثناء أياً كانت الاعتبارات الآنية، وبعضها سيضيع نهائياً إذا لم يُجمع الآن قبل موت بقية الشهود. وأعني بذلك مثلاً كتابات نشرها غسان في "مجلة الحوادث" تحت اسم مستعار هو "ربيع مطر"، لكن سواه ايضاً كان يشارك في كتابة تلك الزاوية كالمرحومين سليم اللوزي وجلال الكشك ورياض شرارة، والعزيز نبيل خوري شفاه الله وسواهم. ولعلّي اليوم الوحيدة التي تستطيع ان تدل على تلك الموقعة باسم ربيع مطر والتي كتبها غسان.