النسبة إلي أكثر من روائي، أكثر من كاتب دائماً، لأن الأثر الذي تركته كتابته في حياتي لم تتركه كتابة أخرى. قرأت أعماله للمرة الأولى في الصحراء حيث كنت أعمل مُدرساً، بعد أربعة أعوام من استشهاده، ووسط المتاهة تحول الى بوصلة، ولم يزل حتى اليوم. نتحدث كثيراً عن الكتابة وأثرها في حياة البشر، ويحاول البعض حشرها في اطار يكاد يكون تقنياً بحتاً، دوراً وأثراً، ولكنني منذ قرأته أدركت ان الكتابة لا تؤثر فينا فقط، بل يمكن ان تغيرنا أيضاً. لا أدين لكاتب في العالم مثلما أدين لغسان، وبين فترة وأخرى أعود لقراءته، فأكتشف ان أثره لم يزل قوياً، وفاعلاً، ويحزنني ان غسان كنفاني القاص لم يأخذ حقه في الدراسة، على رغم أنني أراه واحداً من أهم من كتبوا القصة القصيرة حتى اليوم، وأكاد أراه قاصاً أكثر مما هو روائي، أو بحجمه كروائي. واليوم، حين أقرأ كتابته لا أقرأها ككتابة تمتُّ الى الماضي، بل ككتابة في صلب الحاضر، وفي صلب المستقبل أيضاً. كاتب، حين قتلوه بتلك الطريقة وزعوه علينا جميعاً. وقد فوجئت منذ عام بأمسية أقيمت في ذكرى استشهاده، أن غالبية الحضور هم من الشباب الذين لم يكن معظمهم قد ولد حين استشهد غسان. لكنهم جاءوا كما لو أنهم رفاقه. انه واحد من أعظم كتّاب فلسطين الأحياء، وحين أتساءل هل كان استشهاده هو السبب الوحيد في بقائه فاعلاً في الكتابة العربية وخارجها، أعود لقراءته من جديد، فأكتشف مرة أخرى وأخرى انه كان كاتباً أولاً وثانياً، وأكتشف ان الاستشهاد نفسه لا يستطيع ان يحول كاتباً عادياً الى كاتب كبير. دائماً سأظل مديناً له، فأين يمكن أن ألقاه وأشد على يده، لأقول له شكراً.