القاهرة - "الحياة" - مثلما كان وجود محمود المليجي أو توفيق الدقن او استيفان روستي في أحد الأفلام يعني وجود مجرمين وأشرار في هذا الفيلم، ومثلما اشتهر هؤلاء وغيرهم بنوعية معينة من الأدوار، نجد على الجانب الآخر الفنان رشوان توفيق الذي اشتهر بأدوار الرجل الصالح الخير، ولكثرة ما قدم من هذه الأدوار أصبح من الصعب علينا أن نتخيله من غير هذا الشكل. بل انه ترك انطباعاً دائماً بأنه هو نفسه بحقيقته، هذا الرجل الطيب الصالح الذي يقف دائما بجانب الحق، كما أنه كذلك يؤدي الأدوار التاريخية حتى لتحسبه ايضاً في كل دور أنه بشخصيته الحقيقية في الواقع،. "الحياة" التقت الفنان رشوان توفيق وعدنا به ومعه الى سنوات البداية ويقول: - كنت أحلم منذ صغري بالشهرة والنجومية، لذلك كنت مولعاً بالسينما ولم اترك فيلماً قيماً إلا وشاهدته، وقد ساعدتني الظروف على ذلك، حيث كان والدي يشجعني لدخول مجال الفن والتمثيل وكنت صديقاً لعدد كبير من الفنانين في ذلك الوقت. وأتاحت لي هذه الصداقة الفرصة لكي اقترب من هؤلاء النجوم الذين تعلقت بهم، وظل حلمي يكبر معي الى أن التحقت في معهد التمثيل تاركاً كلية الحقوق التي كنت التحقت بها. وفي العام 1960 تخرجت من معهد التمثيل، والغريب أنني بدأت حياتي الفنية بأداء أحد أشهر أدوار الشر وهو دوري في فيلم "جريمة لي الحي الهادي" ونلت عنه جائزة أحسن ممثل وبعد ذلك اتجهت الى أدوار الخير وكثير من أدوار الرجل الصالح، وكان هذا اتجاهاً طبيعياً يعكس نفسيتي وشخصيتي وجاءت الأدوار التاريخية والدينية ملائمة لتكويني وملامحي وأعتبر أن ذلك فضل من الله أن هداني اليه. معنى ذلك أن اتجاهك لهذه الادوار كان مصادفة؟ - لم يكن قيامي بهذه الادوار مصادفة، لكني كنت مقتنعا تماما بها، وبأن هناك رسالة يجب على الفنان أن يقدمها لجمهوره، لذلك اعتبر أن رسالتي هي محاولة تعميق معرفة الناس بهذه الشخصيات العظيمة التي اؤديها حتى يقتدوا بها وبأفكارها الصحيحة. هل أنت فنان زاهد في حياة أهل الفن؟ - كل ما في الأمر انني أحاول أن أكون انساناً مستقيماً وأميناً، القرآن الكريم عندي هو أعلى درجات الفكر وكلما أمعنت القراءة فيه اكتشفت الجديد والجميل، من هنا اختار الأدوار التي ارتاح لها نفسياً والتي ترضيني وأقدمها بصدق وأمانة واتفاعل معها، وحبذا لو كانت تماثل ميولي واتجاهاتي في الحياة، ولذلك أستوعب دوري جيداً وأقدمه أمام الكاميرا، وعندما انتهي من يوم عملي ليس امامي غير بيتي أذهب اليه، أما الزهد الذي يقصده البعض فأعتقد ان له طريقاً مختلفاً، فأنا انسان فنان لي اصدقاء ومعارف وهوايات اتعامل مع جهات انتاج وزملاء وزميلات ومؤلفين ومخرجين ولست منغلقاً، ولكن لكل انسان اسلوبه ومنهجه في الحياة التي يرتضيها لنفسه. منذ زمن وانت تعمل للتليفزيون فقط، هل هناك أسباب؟ - التليفزيون بيتي الاول، دخلت هذا المبنى عندما كان طابقاً واحداً فقط، وبه استديو واحد للتسجيل وآخر للتنفيذ، لذلك هو الاساس الذي بدأت فيه حياتي كممثل، لقد اعطيته كل شبابي، كما ان التليفزيون غاية كل فنان يسعى لتقديم فن يحترم الجمهور ويحترم نفسه من خلاله، ويعالج مشاكل وقضايا المجتمع، بالإضافة الى أن التلفزيون لا يتوقف فيه العطاء على سن معينة بعكس السينما والمسرح. هل تعتقد انك لست محظوظاً في السينما؟ - هذه هي الحقيقة بالفعل، فأنا لست محظوظاً في السينما رغم أنني قدمت العديد من الأدوار في بعض الافلام منها كما ذكرت من قبل "جريمة في الحي الهادي" و"الملاعين" و"الانثى والذئاب"، و"الجزاء" وغيرها الكثير كما انني كنت رُشحت لبطولة فيلم "الباب المفتوح" امام الفنانة فاتن حمامة لكن لم يكن لي نصيب في ذلك الوقت وقام بالدور صالح سليم واعتقد ان سلوكي واسلوبي في الحياة هما السبب في ابتعاد السينما عني لانني لا اجيد فن العلاقات مع الزملاء في هذا المجال. ألا ترى أن كثرة تقديمك لأدوار الخير والأدوار التاريخية هو نوع من التكرار، وذلك ليس مستحباً في الفن. - في مجال الادوار البعيدة عن الشر حدث تنوع فيها كثير وقدمتها متلونة على سبيل المثال شخصية الوزير الذي يفتقد لشخصية رب الأسرة الحاسم في مسلسل "لن أعيش في جلباب ابي" إخراج احمد توفيق، أو شخصية الباشا في مسلسل "أهل الدنيا"، أو شخصية رجل الدين الذي يتضامن مع مأساة شاب فقد الذاكرة في مسلسل "الرجل الآخر" وعلى هذا النهج تنوعت الادوار في اعمالي التلفزيونية مثل "المجهول" و"الوشم" و"وداعاً ايها الأمل" و"الحاوي" و"الزيني بركات" اخراج يحيى العلمي و"حارة المعز" و"حمزة وبناته الخمسة". وكذلك مسلسلات "الحلم والأمل" و"أهل القمة" كلها لم أكرر فيها نفسي حتى الأدوار التاريخية مثل "الأبطال" و"الفرسان" و"ألف ليلة وليلة". وكانت لي شخصية شريرة جداً قدمتها في مسلسل "الذئب"، فبعد أربعين عاماً من العمل في الفن بعد فيلم "جريمة في الحي الهادي" حيث قدمت الرأسمالية والاقطاعي الشرير الذي يملك اكثر من 900 فدان من الاراضي الزراعية وبعد ان تمت مصادرتها ضمن قوانين التأميم والاصلاح الزراعي قرر أن ينتقم من الفلاحين لاستعادة ارضه وعلى فراش الموت يوصي ابنه باستكمال هذه المسيرة!. وهناك علاقات اخرى في أدواري اعتز بها مثل دور الشيخ ابو العلا محمد في مسلسل "أم كلثوم" وجسدت الشخصية من وجهة نظر المؤلف والمخرجة مع اجتهاداتي كممثل فلقد علمت بأنه استاذ موسيقي ومؤلف وهو أول من تبنى موهبة أم كلثوم، وللحقيقة أنا وجدت الفرصة في هذه الشخصية لأعبر عن وجهة نظري في رفض الاغاني الشبابية الراقصة هذه الايام واعجابي بالكلمة الجيدة والأغاني المتميزة خصوصاً في مشهد لي مع جمال اسماعيل به "اسقاط" لأم كلثوم على هذه القضية، لأنني اقوم بدراسة الشخصية دراسة وافية لدرجة أن مشهد الموت والامساك بالعودة اثناء مرض الشيخ ابو العلا بالشلل كان من المشاهد الصعبة. وكذلك شخصية الشيخ رضوان في مسلسل "الرجل الآخر" كانت تركيبة مختلفة تماماً عن الشيخ زهران رجل الدين ايضاً في "الضوء الشارد" فالشيخ رضوان يعيش وسط الفقراء في حجرة صغيرة واعطاه الله العلم والبساطة ليعايش به الناس. ولذلك شعر بحب تجاه عبد الله. - أما الشيخ زهران في "الضوء الشارد" فكان رجل دين وعالماً وسياسياً داهية يعلم جيداً قوة العائلتين ولذلك يرفض الصدام، والشخصيتان تختلفان عن "خضر" في "امرأة من زمن الحب" وكذلك عن "ألف ليلة وليلة" في دور "روح العدل" وقمت بمجهود كبير في هذه الشخصية ولي فيها وجهة نظر وهي ان المؤلف يضع قواعد حقيقية للمشاهد مثل الحب والعدالة والارتباط بالرحمن. - وهذه نعمة اكرمني بها الله سبحانه وتعالى، لقد اديت ادواراً كثيرة مثل العارف بالله سيدي ابراهيم الدسوقي "ابيض واسود" ومصعب بن عمير وزيد بن الحارث وعندما أتأخر على مثل هذه الادوار اصاب بالحزن لانني اشعر ان الفن رسالة وانني من خلال التمثيل استطيع ان احمد ربي، والحمد لله من قبل ومن بعد، وأذكر انني كدت اطير فرحاً بشهادة مولانا فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - الذي أعجبته شخصية السيد محمد كريم في مسلسل "الابطال" وقال لمن حوله عندما شاهدها "اذا رأيتم رشوان توفيق قولوا له برافو". فقد كانت كل عاطفة السيد محمد كريم لمصر وللمصريين لقد ضحى الرجل بكل شيء من أجل وطنه وعاش مراحل مختلفة تعرّض لإحساس المقهور في عهد مراد بك والمماليك، ولم يكن يريد أن يترك منصبه لآخر حتى يتمكن من الدفاع عن البسطاء ثم قاد كفاح الشعب المصري ضد الفرنسيين وعنتدما دخل بونابرت الاسكندرية عاش السيد محمد كريم تجربة اخرى كمحافظ للاسكندرية ولكنه في الوقت نفسه كان يشتري السلاح من ماله سراً لرجال المقاومة.