واشنطن - "الحياة" - لعل الوقت حان فعلاً ليجني العلم ثمار جهد بذل على مدار ثلاثة قرون، اي منذ ابتدأت علوم الوراثة على يد الانكليزي ارنست ماندل. فبعد عام على اتمام خارطة الجينوم البشري، يبدو ان العلماء بدأوا المرحلة الثانية، وهي الإفادة من خارطة الوراثة في صنع ما ينفع الانسان. وفي تجربة تستحق ان يقال انها جريئة تماماً، استخدم علماء اميركيون خارطة الوراثة في تركيب فيروس يستخدم لقاحاً ضد شلل الاطفال. وكما هي الحال في الصناعة، درس العلماء تركيب عناصر الجينوم، واخذوا بتجميعها "قطعة قطعة"، تماماً كمن يركب سيارة. ورصفوا البروتين الى جانب البروتين، وكذلك رتبوا جزيئات الفوسفور والسكر التي "تلصق" البروتينات لكي تؤلف عناصر الوراثة. وشيئاً فشيئاً، تجمعت الاجزاء المتناثرة ل"تصنع" فيروساً ضعيفاً. والمعلوم ان لقاح شلل الاطفال يتألف من فيروس "ضعيف" يعطى ليكوّن الجسم مناعة ضد الفيروس "القوي" الذي يسبب المرض. وبهذه الطريقة، استطاع فريق جامعة نيويورك صنع اول فيروس عضوي صناعي في التاريخ. وقاد البروفسور ايكارد فايمر الفريق في هذه التجربة العلمية ورفض اعطاء تفسيرات "وهمية" لعمل الفريق. وشدد على ان ما حصل هو صنع مواد عضوية لها طابع كيماوي. واوضح ان دخول هذه المواد الى الخلايا الحية يترافق مع ظهور ميل لدى المواد المصنعة الى تجميع نسخ عن نفسها داخل تلك الخلايا. ويلعب انزيم "ترانسكريبتايز" دوره في عملية صنع النسخ من الفيروس داخل الجسم. والحال ان الفريق ليس غريباً عن لقاح شلل الاطفال، بل هو الذي تمكن من وصف جينوم ذلك الفيروس في العام 1991. والأرجح ان التجربة فتحت باباً جديداً في الطب هو تصنيع اللقاحات للأوبئة التي تفتك بصحة البشر. وصادف الاعلان عن هذه التجربة عقد المؤتمر الدولي عن الايدز في برشلونة. ويهدد الفيروس حياة 45 مليون بشري على الارض. والمعلوم ان لا علاج فاعلاً ضد الايدز، وان اللقاح هو الحل الوحيد الممكن لوباء الايدز.