بعد حصار دام أربعة ايام، فجر الجيش الاسرائيلي مبنى المقاطعة في الخليل ليل الجمعة - السبت في ضوء تقارير عن وجود ناشطين "مطلوبين" في المبنى. الا ان الجيش عاد واكد ان المبنى كان خاليا، مشيرا الى انه لم يعثر على أي جثة اثناء إزالة الانقاض، فيما كانت الإذاعة اشارت الى مقتل 15 فلسطينياً على الأقل. من جانبها، استنكرت السلطة هذا التدمير، معتبرة انه "يظهر وحشية الاحتلال". وقال رئيس جهاز الامن الوقائي في الضفة الغربية جبريل الرجوب ل"الحياة" ان الاشخاص الخمسة الذين قالت اسرائيل انهم محاصرون في المقر "هم أحياء يرزقون"، مرجحا ان يكون شخص واحد قتل وما زال في المبنى. في غضون ذلك، واصل الجيش هجومه فقتل طفلا قرب جنين وسيدة في قطاع غزة، وشن حملة اعتقالات طاولت 35 شخصا في الضفة. الخليل، رام الله، غزة، جنين - رويترز، أ ف ب - لم يعد مبنى المقاطعة في الخليل سوى كومة ركام بعدما فجره الجيش الاسرائيلي ليل الجمعة - السبت بعد حصاره مدة اربعة ايام بناء على تقارير استخباراتية أفادت ان عددا من "المطلوبين" الفلسطينيين يختبئون فيه. وكانت الجرافات تواصل إزالة الانقاض، في حين ظل حظر التجول ساريا في المدينة، وفي المدن الاخرى، على رغم اعلان الجيش رفع الحصار نهارا عن هذه المدن. وفيما اشارت الاذاعة الاسرائيلية الى مقتل 15 فلسطينيا قالت انهم كانوا يختبئون في المبنى ورفضوا الاستسلام، نفى الناطق باسم الحكومة ارييه ميكل قطعا العثور على اي جثة، قائلا: "لسنا متأكدين من هذه النقطة". واضاف: "حتى الان أزلنا نصف الانقاض ولم نعثر على احياء ولا اموات. ان الركام هائل وقد تستمر اعمال ازالة الانقاض يومين"، موضحا ان الجيش استخدم عتادا ثقيلا خصوصا جرافات في عملية البحث التي مكنت "حتى الان من اكتشاف كميات كبيرة من الذخيرة والاحزمة الناسفة والاسلحة". واوضح ناطق باسم الجيش ان "اكثر من 20 فلسطينيا ملاحقا كانوا في المبنى المحاصر منذ الثلثاء سلموا انفسهم في الايام الاخيرة"، مضيفا ان "ارهابيين اخرين متورطين في الهجمات الدامية ضد الاسرائيليين بقوا متحصنين فيه" و"رفضوا تسليم انفسهم كأسرى وعندها قرر الجيش تدمير المبنى بصورة منظمة". وافادت اذاعة الجيش ان معظم هؤلاء الفلسطينيين اعضاء في مجموعات مسلحة تابعة لحركة "فتح"، مضيفة انهم متورطون في هجمات استهدفت جنودا ومدنيين اسرائيليين. وزادت: "خلافا لما حدث في كنيسة المهد في بيت لحم تمكن الجيش من نسف المبنى الذي تحصن فيه الارهابيون لانه ليس مكانا مقدسا ولم يكن به رهائن". وسوي المبنى الحجري بالارض في الانفجارين اللذين وقع احدهما في ساعة متقدمة من ليل الجمعة - السبت والثاني في الساعات الاولى من فجر امس قبل ان تكمل الجرافات تدميره. كما اسفر الانفجاران عن الحاق اضرار بالمنازل والسيارات القريبة. وغادر قسم من الجنود في شاحنات، فيما قام الجنود قبل مغادرتهم بتثبيت ذكرى هذا الحدث فصوروا بقايا مبنى المقاطعة، وحرصوا كذلك على تصوير الصحافيين القلائل الواقفين على السطوح المحيطة. وكان سكان الحي يتابعون المشهد بحذر من سطوح منازلهم ويحصون الاضرار والزجاج المحطم. وروى احد السكان ان "الامر كان اشبه بزلزال، واهتز اثاث المنزل كله". وقالت حياة مسوده التي تسكن اقرب المنازل الى موقع المبنى: "قطعوا الكهرباء عن المقاطعة ولم نعد نرى شيئا باستثناء جنود يتنقلون من غرفة الى غرفة حاملين مصابيح كهربائية". واضافت: "اعتقدنا في بادئ الامر انهم يبحثون عن المحاصرين، ثم ادركنا بعدها انهم يضعون متفجرات. وفجأة سمعنا صوت انفجار مذهل لا يمكن وصفه. كان اسوأ من هزة ارضية. اخفيت وجهي تحت غطاء، ثم بكيت حين رأيت ان عائلتي سليمة". وقال رائد حامدي 23 سنة بينما كان ينظر الى الاضرار من منزله الذي يبعد 200 متر عن مكان الانفجارين: "كان الامر كما لو انه زلزال قوي. وقعت على الارض وكسرت النوافذ. بكى الاطفال". وبعد تدمير المبنى قال طلال صدر الوزير الفلسطيني السابق الذي دخل المقر اول من امس للبحث عن المسلحين الذين كان يعتقد انهم داخل المبنى لحثهم على الاستسلام انه ليس متأكدا مما إذا كان هناك اي شخص في الداخل. واضاف ان احدا لم يرد عليه عندما دخل، وان الاسرائيليين ربما قتلوا الفلسطينيين في الايام الاولى من المواجهة. المقاطعة كانت سجنا اسرائيليا وتشرف بناية المقاطعة على مدينة الخليل، وكانت شيدت في الثلاثينات من القرن الماضي من جانب بريطانيا التي كانت سلطة الانتداب في فلسطين. وسيطر الاردن على هذه الثكنة العريقة المشيدة من الخرسانة منذ عام 1948 حتى عام 1967 عندما سقطت الضفة بكاملها تحت الاحتلال الاسرائيلي، قبل ان تتسلمها السلطة عام 1997 مع بدء تطبيق اتفاق الحكم الذاتي على اربعة اخماس المدينة. وهي تؤوي منذ ذلك التاريخ ابرز "القوة 17" الحرس الرئاسي والامن الوقائي والاستخبارات والشرطة. وتوجد داخل المبنى المشيد على 12 الف متر مربع والمكون من ثلاث طبقات مكاتب وزنزانات، فيما شيدت وراء هذا المبنى الضخم بنايات اصغر مخصصة للاجهزة الادارية والمدنية لم تتضرر في الهجوم الاسرائيلي. وبالرغم من انها اصبحت رمزا للسلطة الفلسطينية فلا يبدو ان سكان الخليل اسفوا لتدمير المقاطعة اذ ان الكثير منهم سجن فيها من الاسرائيليين، اذ كان المبنى قبل 1997 احد ابرز السجون الاسرائيلية في الضفة. السلطة الفلسطينية تستنكر واستنكرت السلطة الفلسطينية تدمير الجيش لمقر المقاطعة، داعية المجتمع الدولي والدول العربية والاسلامية الى "تحرك عاجل" لوقف "الجرائم التي يرتكبها" رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون. وقال نبيل ابو ردينة، مستشار الرئيس ياسر عرفات، ان "تدمير قوات الاحتلال الاسرائيلية مقر المقاطعة في الخليل بالكامل جريمة اسرائيلية جديدة ضمن مسلسل الفظائع والجرائم التي يرتكبها شارون". وقال ان "قوات الاحتلال تخلق يوميا ذرائع واهية لتدمير مقار السلطة الفلسطينية كافة لشل السلطة عن اداء عملها والتخريب على الاصلاحات التي بدأتها". ولم يستبعد المسؤول الفلسطيني ان "يكون هناك شهداء" داخل المبنى. وقال وزير الثقافة والاعلام الفلسطيني ياسر عبد ربه ان "هذا التدمير دون الاكتراث باحتمال وجود جرحى داخل المجمع ... يظهر وحشية الاحتلال". واضاف ان هذا "يظهر ان الهدف الاساسي هو فرض الحكم الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني وتدمير كل رموز السلطة الفلسطينية وبنيتها الاساسية". الجيش يستكمل شل السلطة ويأتي تدمير المقاطعة في الخليل تتويجا لهجمة اسرائيلية متواصلة ضد المراكز الامنية والرسمية في الضفة وقطاع غزة تركت السلطة في هذه المناطق شبه مشلولة. وتجد السلطة نفسها بين نارين، المطالبات الاميركية والدولية لها بتنفيذ عمليات اصلاح امنية ومدنية شاملة، ونيران الاحتلال الاسرائيلي التي تشل البنية التحتية لهذه المؤسسات وتقيد حركة المواطنين، مسؤولين وادرايين وموظفين وعمالا وجمهورا. وقال وزير العمل غسان الخطيب: "في الوقت الذي كان فيه الرئيس عرفات يقر بنود اصلاحات جديدة تقوم على مبدأ فصل السلطات والشفافية كانت الدبابات الاسرائيلية تزحف نحو مقره". وتحتل اسرائيل الان جميع مناطق الضفة الغربية وتفرض حظر التجول على مدنها الرئيسية وتحاصر عرفات في مقره في رام الله. وقال وزير الحكم المحلي الدكتور صائب عريقات: "لا اعرف كيف بامكاننا ان نعمل، لقد ارسلنا بطلب خبراء دوليين حتى يتحققوا بانفسهم من الحقائق على ارض الواقع". وكانت السلطة طلبت ارسال وفد خبراء للاطلاع على امكانية اجراء انتخابات في المناطق الفلسطينية اثر دعوة الادارة الاميركية لتغيير القيادة الفلسطينية. لكن الوقائع على الارض وتقديرات مؤسسات دولية تشير الى عدم قدرة المؤسسات الفلسطينية على العمل. وعلى مدار العامين الماضيين من عمر الانتفاضة، خصوصا العام الماضي، شهدت هذه المؤسسات عملية تدمير تدريجية نفذها الجيش بطائراته ومدافعه ونيرانه الثقيلة. ويقول علي شعث وكيل وزارة التخطيط والتعاون الدولي ومدير مشروع ميناء غزة: "لم تبق لنا اسرائيل اكثر من عشرة في المئة من اجهزتنا ومؤسساتنا". واضاف: "لا تبلغ قدرة السلطة على العمل في قطاع غزة الخمسين بالمئة في احسن الاحوال اما في الضفة الغربية فانها اقل من ذلك بكثير". واشار خصوصا الى المشروعين الاستراتيجيين الرئيسيين في غزة، مطارها الدولي ومشروع الميناء حيث دمر الجيش بواسطة الجرافات كافة الغرف والمكاتب التابعة للشركتين المشرفتين الفرنسية والهولندية، والمكاتب التابعة للسلطة الفلسطينية في موقع الميناء بعد قصفها بالقذائف المدفعية والرشاشات الثقيلة. كما دمر معظم اقسام مطار غزة الدولي بالصواريخ، في حين عملت جرافاته على تدمير المدرج وكذلك تدمير اربع من صالات المطار الرئيسية. ولم تنج طائرات عرفات المروحية الثلاث من القصف اثناء وجودها في مكانها المخصص قرب مقر الرئاسة. وتم ايضا قصف معظم اقسام مقر قيادة الامن العام السرايا وسط غزة حيث دمرت مقرات الاستخبارات واللجنة العلمية وعمليات قوات الامن الوطني والاستخبارات. وطاول الدمار في الضفة والقطاع عموما مقرات الامن العام الرئيسية بما في ذلك قوات امن الرئاسة ال 17 ومركز التسليح العام والشرطة والاستخبارات والبحرية والامن الوقائي ومراكز عيادة الخدمات العسكرية. ويشير تقرير اعده البنك الدولي بالتعاون مع الاممالمتحدة والدول المانحة والسلطة انه خلال اجتياح مدن الضفة في اذار مارس ونيسان ابريل الماضيين اقتحم الجيش 21 مركزا ودائرة تابعة لاكثر من وزارة. ويقدر التقرير حجم الخسائر المباشرة جراء ذلك الاجتياح فقط بنحو 342 مليون دولار على شكل اضرار مباشرة لحقت بالبنية التحتية من دون الاخذ بعين الاعتبار الخسائر غير المباشرة الناجمة عن ذلك. ويقول شعث ان النتائج الاولية لتقرير يجري وضعه حاليا، عن الاضرار المباشرة وغير المباشرة في القطاعين العام والخاص وتبعاتها التي الحقها الجيش بالاراضي الفلسطينية خلال العامين الماضيين، يمكن ان تشير الى خسائر تفوق ثمانية بلايين دولار، وهو مبلغ يفوق الناتج القومي لهذه المناطق. ويقول المحلل الاقتصادي شون فيرغشون من لجنة التنسيق الخاصة التابعة للامم المتحدة: "جميع المؤسسات الوطنية الفلسطينية بالكاد تعمل. انه وضع خطير جدا يقود الى مزيد من التدهور". واضاف: "لا اعرف كيف يمكن للسلطة ان تعمل في هذه الظروف". واعتبر نبيل ابو ردينة، مستشار عرفات ان "قوات الاحتلال تخلق يوميا ذرائع واهية لتدمير كافة مقرات السلطة لشل السلطة عن اداء عملها والتخريب على الاصلاحات التي بدأتها". وقال ان "شارون يهدف من وراء عمليات التدمير والقتل بالخليل والجرائم المستمرة الى اعادة الامور الى ما كانت عليه في السابق من الفوضى والعنف". شهيدان ... واعتقالات من جهة اخرى، اعتقل الجيش امس 35 فلسطينيا بينهم اثنان من انصار "حركة المقاومة الاسلامية" حماس، اثناء عمليات قام بها في المناطق التي اعاد احتلالها في الضفة. وقال رئيس بلدية قرية طمون القريبة من جنين شمال بشار عوده ان عشرات الدبابات وناقلات الجند المدرعة وسيارات الجيب دخلت القرية فجرا وتم اعتقال 20 فلسطينيا فيها. وتابع ان من بين المعتقلين امام المسجد جواد مطر، مشيرا الى ان الجنود تمركزوا في مدرسة. كذلك قام الجيش بعملية في جنين حيث اعتقل خمسة فلسطينيين، بينهم اثنان من انصار "حماس"، بحسب ما اوردت مصادر امنية فلسطينية، كما اعتقل عشرة فلسطينيين مطلوبين من اسرائيل في منطقتي نابلس وطولكرم شمال. واعلنت مصادر طبية فلسطينية ان فتى فلسطينيا قتل برصاص الجنود في مخيم الفارعة للاجئين قرب جنين شمال الضفة. وقتل محمد احمد مبارك 12 سنة وهو من سكان المخيم عندما دخلت دبابات وآليات عسكرية اسرائيلية المخيم واطلقت النار والغازات المسيلة للدموع على شبان كانوا يرشقونها بالحجارة كما افادت المصادر ذاتها. وفي قطاع غزة، استشهدت آمنة اللوح 31 عاما واصيب زوجها بجروح فجر امس برصاص الجيش قرب مخيم دير البلح وهما يعودان الى منزلهما في محيط مستوطنة "كفر داروم".