الكثير من مشاعر المطربة نجوى كرم الخاصة، مع الكثير من أفكارها، مع الكثير من الاحتمالات الأخرى المتفرّقة، تبثها في كل أغنية جديدة، غير عابئة بما سيقال، أو يُكتب، أو يعرف... عما تعاني منه هي في حياتها الشخصية، أو الزوجيّة، أو العائلية مع أهلها وأخوتها، أو في علاقتها مع الجمهور. أصدرت نجوى ألبومها الجديد قبل أيام، وفيه أكثر من أغنية أو فكرة أغنية أو مقطع من أغنية، جميعها يدلّ على نقاط حساسة ودقيقة في بال نجوى، وفي قلبها، وفي عقلها. فكأن الشاعر الملحن عماد شمس الدين، وهو مقرّب اليها فنياً، بات يلتقط عواطف نجوى وأحلامها وتأثراتها بما حولها، ومن حولها ويحوّلها اغنيات. وهذه الاغنيات يحرص ان يحمّلها في الألحان، وفي الايقاع، تلويناً يمرّر المعاني المقصودة، وما تريد نجوى قوله في هذا الموضوع "الخاص" أو ذاك، في جمل لحنيّة "غرائبيّة" الى حدّ ما، وفي ايقاعات صوتية مفاجئة في بعض الأحيان، وفي مناخ غنائي جديد. "يتعمّد" عماد شمس الدين ذلك على الأرجح، لأن ما ينجح في "ألبوم" سابق، تنسج نجوى وعماد شمس الدين على منواله من دون خوف أو تردّد لأنه ثبت لدى الجمهور... ولأن نجوى كغيرها من الفنانات تعتبر أي نجاح، في أي لون غنائي، مختلف قليلاً عن المألوف، خطوة ينبغي التركيز عليها مرة ومرتين وثلاثاً الى ان يحين وقت الذهاب الى "مغامرة" أخرى... لم تكن نجوى كرم بسيطة، أو "عفوية"، أو ارتجالية، عندما أنشدت قبل ثلاثة أشهر أغنية "بغرامك مسلوبه" الشعبية في التلفزيون، في وقت واحد مع أغنية أخرى تريد التوجه الى النخبة شعراً ولحناً من كلمات طلال حيدر، وألحان ايلي شويري، وها هي تضمّ الاغنيتين الى الشريط الجديد. وهي كانت تعرف مسبقاً ان "بغرامك مسلوبة" سوف تنتشر اضعاف المرات أكثر من الأغنية "النخبوية"، لكنها آثرت في الإطلالة التلفزيونية المرصودة بعيون النقد والمعرفة الفنية ان تسدّ النقص الذي يحدثونها عنه باستمرار، على صعيد الأغنية غير المتوجهة جملة وتفصيلاً وقلباً وقالباً الى جمهور الرقص. وهذا ما كشف رغبة نجوى في التجاوب مع جمهور "سمّيع"، الا انها رغبة لا تزال صوريّة - إعلامية اكثر مما هي محاولة فعلية باتجاه رسم موقع آخر في عالم آخر، من أغنية أخرى ذات مستوى آخر... لا يعني هذا الكلام انتقاصاً من شعبيّات عماد شمس الدين الذي منح نجوى بطاقة سفر الى الاغنية الناجحة في مزاج الناس، بعدما كادت مع آخرين غيره تقع في المحظور. بل يعني ان السعي إلى الغناء "النخبوي" لا يتم بواسطة أغنية لا دعم لها في الاذاعات، ولا تصوير لها في التلفزيون عبر الفيديو كليب، ولا وجود لها في الحفلات العامة، وجُلّ وجودها محصور في الشريط... أي على الرفّ الإعلامي الذي يتأثر بخطط المنتجين. وهؤلاء لا يرون خيراً في الأغنيات "النخبوية" بل يرونها مضيعة للوقت والمال، كما يردد أكثر من منتج فني، في شتّى الأقطار العربية. ويلتقي المنتجون في فكرتهم هذه مع الفنانين أنفسهم، إذ يتعاملون مع هذا النوع من الغناء كأنه "واجب زوجي" لا حبّ عاصف وجميل غير قابل للانتهاء. ولعلّ أغنية "تهموني" التي أعطت اسمها للشريط، هي تعبير عن تركيز نجوى كرم على الأغنية الإيقاعية الصرف المعبّرة عن شأن "خاص"... لكنها أغنية تسعى إلى التنويع على الأذن التي ألفت هذه الفنانة، واعتادت على نمطية صوتها في غالبية الحالات الادائية. ويدل عدد من الأغنيات في شريط "تهموني"، على ان كرم ما برحت متعلقة بأوتار عود عماد شمس الدين الذي يعرف كيف يخترع لها ما يناسبها، فتمشي خلفه مسرعة هي التي لا تمشي خلف أغنية الا اذا طابقت مزاجها وعقلها وتركيبتها النفسية، وكانت خاضعة لعملية حسابية دقيقة... تهتف نجوى للأغنية "الجديدة"، مع الاشارة الضرورية جداً الى ان "الجديد" فيها قد لا يكون الا ايقاعياً، وثمة ما يُرسل علامات استفهام على أغنيات مثل "أوعى تكون زعلت" التي تقلّد بعض الأغنيات الرديئة التي لا يكفي ان تؤديها مطربة معيّنة كبيرة، أو صغيرة، قبل نجوى كرم حتى تصير سكّة صحيحة، أو ذات معنى فني يستحقّ النسخ. لقد "إتهموا" نجوى بشريط جديد، والتهمة بالنسبة اليها جميلة، فماذا بالنسبة الى الجمهور؟ عبدالغني طليس