عبير شاتيلا 27 سنة فتاة متميزة تتمتع بذكاء لافت على رغم انها تعاني ضعفاً في السمع والنطق. هذه الإعاقة لم تمنعها ابداً من ان تكون قدوة في مجتمعها، وأن تحمل على عاتقها مساعدة الآخرين الذين فقدوا النطق والسمع. فهي تعمل مذيعة أخبار في محطة NBN، لكن "أخبارها" موجهة فقط الى اولئك المحرومين من حاسة السمع، إذ ترافق مذيعة الأخبار او المذيع في النشرات اليومية، شارحة ومفسّرة بإشارات وحركات موجهة للمصابين بالصمم. وهذه الإشارات هي اللغة الوحيدة والأكيدة التي يفهمها هؤلاء بسرعة، بفضل عبير شاتيلا التي تجيد لغة الإشارة بامتياز. وعلى رغم المصاعب التي تواجهها في النطق، إلتقينا عبير شاتيلا وكان هذا اللقاء. "تعلمتُ في بيروت في مدرسة لتأهيل المصابين بالصمم" تقول عبير، وتفتخر بأنها استطاعت التعلم بسهولة، والوصول الى مستوى يخولها مخاطبة المصابين بالصمم. منذ اكثر من سنة وعبير تطل من شاشة "إن بي إن"، مذيعة أخبار مختصة بالمصابين بالصمم، وهذا النوع من الأخبار فريد من نوعه في المحطات المحلية والعربية، وتتفرّد شاتيلا بهذه المهمة وتبرز كناشطة في المجال الإعلامي المرئي. تقول عبير ان نشرتها الإخبارية هي محط انظار الصم، وهي سعيدة لأنها استطاعت التواصل، عبر لغة الإشارة مع كل من فقد سمعه. وتشعر بالسعادة اكثر حين تتلمس سعادة هؤلاء، وهم يتابعون ما يجري في هذه الحياة، من خلال نشرات اخبار خاصة بهم. مهمة عبير ليست سهلة، لكنها تشعر بالكثير من الحب تجاه الآخرين. اما عن لغة الأداء فتقول: "تعتمد هذه اللغة على الأحاسيس والإشارات وتعابير الوجه والشفاه، يكفي ان يركّز الأصم على حركات اليدين وتقاسيم الوجه حتى يعرف ماذا أقول وأفسّر. اما حركة الشفاه فهي الأكثر قدرة على ايصال المعنى" ويجب ان يكون المتلقّي ملماً بعلم الإشارات، ويمكن تعلمها في مدارس خاصة، ومن "لا يعرف او لم يتعلم هذه الإشارات يواجه صعوبة في استيعاب ما يشاهد، لذلك على الأصم ان يتعلم هذه اللغة الخاصة في مدارس خاصة". وتشرح عبير "هناك اشارات قديمة لا تنطبق اليوم على واقعنا وتالياً، تخضع هذه اللغة الى تطور مستمر". تقول عبير: "يوجد 1500 أصم من الجنسين في لبنان، وهؤلاء يحتاجون الى مساعدة ورعاية، وما اقدمه على الشاشة الصغيرة هو ضمن اطار هذه المساعدة. لكن لهؤلاء متطلبات اخرى وعلى الدولة ان تتحرك لمساعدتهم". تتحدث عبير بثقة وتُسهب في تفسير عملها: "لا يمكن أي انسان ان يكون استاذاً في علم الإشارات، ينجح اكثر في هذه المهمة من ينتمي الى هذه الشريحة من البشر، اي ان الإنسان الأصم هو الأقدر على امتلاك هذه المهمة، فهو يعيش الحال نفسها التي تواجه هؤلاء... وتالياً، يستطيع استيعاب الإشارة ونقلها بسهولة. اما الإنسان السليم - المعافى المتمتع بسمع طبيعي، فيجد صعوبة في تعلّم هذه الإشارات وتعليمها". الخبر العاجل لا تستطيع عبير نقله فوراً على الهواء، ذلك انها تقوم بتسجيل نشرة الأخبار سلفاً ويتم إرفاقها مع النشرة العادية "هناك صعوبة في نقل الخبر المباشر، لأن الأمر يحتاج الى إصغاء وسمع كلّي". وتقول عبير ان "لغة الإشارات، بالنسبة الى الأصمّ، تبقى افضل من اللغة المكتوبة وخصوصاً في نشرات الأخبار، فالإشارات هي بمثابة لغة ناطقة، وتُشعر المشاهد الأصم بالارتباط الفعلي بالآخر، وتجعله اقرب الى نفسه وتزرع في روحه بهجة ومتعة". عبير شاتيلا تهتم بثقافتها، وهي تجيد الإنكليزية وتقرأ القصص والروايات وتتابع الصحف والمجلات، وطبعاً تهتم بالأخبار السياسية، وفي جعبتها الكثير من الأفكار والطموحات. أمنيتها الأولى ان "يتم انشاء محطة تلفزيونية خاصة بالمصابين بالصمم، لأن هؤلاء يحتاجون الى الكثير الكثير ومن حقهم ان يعيشوا مثل غيرهم وأن يكونوا على صلة بكل ما يجري في هذه الحياة". حتى اليوم، تعمل عبير فقط في نشرة اخبار موجهة للمصابين بالصمم لكنها تطمح الى برامج اخرى، في الشاشة الصغيرة، موجهة الى هؤلاء. حصلت عبير على رخصة قيادة سيارة وهي، مثل غيرها، تقود السيارة من دون صعوبات، وتستعمل جهاز الخلوي، اما الكومبيوتر فهو اللغة الأقرب إليها وتتابع كل جديد فيه. تستعين عبير بسماعة في اذنها لتكون على تماس مباشر بالواقع والسمع الأمر الذي ساعدني على ايصال كلماتي لها من دون صعوبات. مرحة عبير وثقتها بنفسها قوية، لذلك لا تأبه لصعوبات تواجهها، وهي تحوّل الإعاقة الى طاقة تساعدها على التطور بدل ان تسقطها في اليأس، وشعرتُ بهذه القوة التي تغذي طموح عبير عندما سألتها إذا كانت تشعر بالحزن والمعاناة لأنها لا تسمع جيداً ولا تنطق بطلاقة، فلم تتردد بالقول انها سعيدة "لا أشعر بأي معاناة، انا اعيش حياتي على طبيعتها وأتفاعل مع الناس والمجتمع وطموحي كبير". في نهاية الحديث سألت عبير، كيف تفسرين خبر الحب للمصابين بالصمم؟ قالت: "النظرات وحدها كافية لتفسير هذه الأحاسيس، الحب يمكن تفسيره بنظرة لا يستطيع كل الكلام شرحها، وتعجز كل اللغات عن ترجمتها". وهل تفكر بالارتباط؟ تجيب: "أتمنى ان اجد الرجل الذي احبه ويفهمني".