القضية الفلسطينية مرت في مراحل عدة، أولها: المرحلة القومية الليبرالية بعد الحرب العالمية الأولى وبعد سقوط الخلافة العثمانية، وقامت على اعتبار القومية العربية رابطة تجمع العرب بدل الرابطة العثمانية وعلى محاكاة النموذج الغربي في حرية الاقتصاد وجمع الأموال وانفتاح الأسواق، وقامت كذلك على محاكاة النموذج الغربي في وجود دستور وبرلمان وأحزاب وحريات سياسية الخ... وأخذت القضية الفلسطينية في تلك المرحلة أبعاداً جديدة بعد أن أصبحت فلسطين في قبضة الانتداب البريطاني، فقد مكّن الانكليز الصهاينة من الهجرة الى فلسطين، كما مكّنوهم من شراء الأراضي، ونقلوا اليهم قسماً من أملاك الدولة، ووجد الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة قوتين: الصهيونية وأموالها من جهة، والانكليز وسلطتهم من جهة ثانية، ووقعت صدامات بين الفلسطينيين واليهود كان أحدها حول ملكية حائط البراق، وتُوّجت بثورة عام 1936 التي قاتل الفلسطينيون فيها اليهود والانكليز وانتهت بدعوة الدول العربية وعلى رأسها العراقالفلسطينيين الى القاء السلاح، واستجاب الفلسطينيون الى نداء اخوانهم العرب، وأرسلت بريطانيا لجاناً لدراسة الأوضاع والتشاور مع الحكام العرب، وأصدرت بعد ذلك كتاباً أبيض يضع حلولاً للاقتتال الفلسطيني اليهودي. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أصدرت الأممالمتحدة قراراً في 29 تشرين الثاني نوفمبر 1947 يقسّم فلسطين الى دولتين: عربية وصهيونية، كما أعلنت بريطانيا عزمها الانسحاب من فلسطين في 15 أيار مايو 1948، وقررت جامعة الدول العربية ادخال الجيوش العربية لانقاذ فلسطين من أيدي الصهاينة غداة انتهاء الاحتلال البريطاني، وشكلت لهذا الغرض قيادة موحدة للجيوش العربية ممثلة بقيادة الجيش الأردني، وبالفعل دخلت يوم 15 أيار 1948 الجيوش الأردنيةوالعراقية والسورية واللبنانية والمصرية والسعودية ساحة المعركة، وكانت النتيجة احتلال القوات الصهيونية معظم أراضي فلسطين وهجرة آلاف الفلسطينيين الى الدول العربية المحيطة، ثم وقعت الدول العربية اتفاقات هدنة مع العدو الصهيوني. وظهر البعد العربي في المرحلة الأولى من الصراع الفلسطيني - الصهيوني واضحاً جلياً في كل مراحل هذا الصراع، فقد كانت سورية هي الملاذ الذي يستريح فيها المجاهدون ويتزودون منها حاجاتهم القتالية أثناء ثورة عام 1936، كما شارك كثير من السوريين واللبنانيين في هذه الثورة وأبرزهم فوزي القوقجي الذي كان له دور آخر في حرب عام 1948 عندما شكّل جيش الانقاذ من المتطوعين العرب، وقد ظهر البعد العربي بصورة أبرز في حرب عام 1948 عندما ساهمت جيوش الدول العربية المستقلة في قتال الصهاينة من جهة، كما ساهمت الجماهير العربية في القتال من خلال الأحزاب والمنظمات الشعبية من جهة ثانية. بدأت المرحلة الثانية مع زلزال الاحتلال الصهيوني لفلسطين فوقع انقلاب حسني الزعيم عام 1949 في سورية، ثم تلته انقلابات سامي الحناوي وأديب الشيشكلي، واغتيل الملك عبدالله ورياض الصلح رئيس وزراء لبنان بعد ذلك، ثم وقع انقلاب جمال عبدالناصر عام 1952 في مصر، ثم تبلورت المرحلة الثانية في معطيات فكرية وثقافية أبرزها الفكر القومي العربي والنهج الاشتراكي، لكن هذه المرحلة انتهت عندما خاضت مصر حرب عام 1967، وانتهت بهزيمة الجيوش العربية في مصر والأردن وسورية، واحتلال اسرائيل لكامل الضفة الغربية والجولان وسيناء. بدأت المرحلة الثالثة في رحم المرحلة الثانية عندما دعا جمال عبدالناصر في مؤتمري القمة اللذين عقدا في عام 1964 الى انشاء منظمة التحرير الفلسطينية وعهد الى أحمد الشقيري تشكيل ميثاقها ومؤسساتها وجيشها الخ...، ثم عهد عبدالناصر الى ياسر عرفات زعيم حركة "فتح" رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية إثر معركة الكرامة في آذار مارس 1968 لامتصاص جانب من النقمة الشعبية على هزيمة الجيوش العربية وتقصيرها عام 1967، ثم اعترفت الدول العربية بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني في عام 1974، وانتقلت مسؤولية الضفة الغربية الى منظمة التحرير بعد تخلي الأردن عن المسؤولية في نهاية تموز 1988 اثر الانتفاضة الأولى التي بدأت في كانون الأول ديسمبر 1987، وأُُعلنت الدولة الفلسطينية في الجزائر في منتصف تشرين الثاني من عام 1988، ثم وقّعت منظمة التحرير اتفاقات أوسلو في أيلول سبتمبر 1993 في البيت الأبيض، ثم دخلت منظمة التحرير الى غزةوالضفة الغربية وأقامت سلطة وطنية، ثم بدأت المفاوضات. جاء آرييل شارون اثر انتخابات ربيع 2001 ليقود حرباً ضد الفلسطينيين مستخدماً الجيش الاسرائيلي الذي يعتبر من أقوى جيوش العالم، وكان آخر فصول هذه الحرب دخول المدن الفلسطينية بدءاً من رام الله في 29 آذار مارس 2002 مروراً بنابلس وبيت لحم والخليل، وكانت نهايتها ملحمة مخيم جنين البطولية، وقد أدى غياب العنصر العربي في الصراع الحالي الى حسم المعركة بالتأكيد لمصلحة مخططات شارون، وستنحسم المعركة أيضاً في المستقبل، لعدم وجود أي تكافؤ في ميزان القوى بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني، ولذلك لا بد من أجل ايجاد أمل في الانتصار في المواجهات المقبلة مع العدو الصهيوني من تفعيل البعد العربي في الصراع، والأمر يحتاج الى تعديل منهاج التعامل مع القضية الفلسطينية من الطرفين العربي والفلسطيني. * كاتب فلسطيني.