لطالما اشتهر الزرنيخ بصفته جالب الموت للزعماء والقادة والعشاق. واحتفظ بصورته سماً زعافاً على الرغم من استخدامه في مطلع القرن في علاج السفلس والسل. لكن يبدو ان الاوان قد حان لاحداث تغيير في هذه الصورة. ويعتقد الكثير من العلماء ان كميات صغيرة من الزرنيخ ربما كانت مفيدة لصحة الانسان، وايضاً ربما ساعد في علاج سرطان الدم. والمفارقة، ان الزرنيخ في حد ذاته هو سم خفيف. ولكن مجموعة من المواد المشتقة منه، هي سامة وقاتلة في صورة مريعة. وعلى مدار الفي عام، اقترنت هذه المواد بالموت والقتل. وعلى سبيل المثال، اشتهر مسحوق أوكسيد الزرنيخ الابيض كسم، واستخدم في عدد من الجرائم الشهيرة. ولم يكن من الممكن للاطباء ان يعثروا عليه في جثث من يفتك بهم. ويعتقد كثيرون ان الامبراطور نابليون بونابرت مات مسموماً 1821 ببطء بهذا السم الذي كان يتصاعد من جدران سجنه. وفي فرنسا، اكتسب اسماً طريفاً في الذاكرة العامة "سم الوراثة". وسبب التسمية هو ان ذلك المسحوق الابيض يمكن ان يخلط بسهولة مع أطاييب الطعام ،من دون ان يظهرله اي طعم. وهكذا، فان الطامحون لوراثة اقربائهم الاغنياء، وجدوا فيه اداة مثلى لتحقيق مآربهم الدنيئة. والاطباء استخدموا الزرنيخ دواءً منذ ايام ابوقراط. ووصل استعماله الطبّي الى الذروة في أوائل القرن التاسع عشر، إذ استخدم خصوصاً في علاج السفلس والسل اللذان انتشرا في مدن الثورة الصناعية في اوروبا. وما لبث حضوره ان خف تدريجياً الى حد الاندثار. ولكن، مع ثورة المعلوماتية، استخدمت مادة مشتقة من الزرنينخ في صناعة اشباه الموصلات التي هي في اساس الصناعة الرقمية. وفي السنوات الاخيرة، التفت اطباء الغرب الى استعمال اطباء الصين له كدواء ناجع في علاج السرطان. وعلى وجه الخصوص، فان التجربة الصينية تشير الى نجاعته في علاج نوع خاص من سرطان الدم. وأخيراً، اجاز "مكتب الغذاء والدواء" في الولاياتالمتحدة، استخدام احد مواد الزرنيخ، "تريسينوكس"، كدواء للوكيميا. ويرى كثير من الاطباء ان سمية الزرينخ هي اقل خطراً من الادوية الكيمياوية المستعملة راهناً في علاج سرطان الدم. ومن اغرب ما يبحث فيه الاطباء، الفوائد الغذائية للزرنيخ. ووجد انه يساعد في منع بعض امراض الجلد والشعر والاظافر. ويبقى السؤال: هل تبرر هذه الفائدة فعلياً اللجوء الى هذا السم؟