حين يتألم شيوخ أميركا، لا بد من فعل لإعادة البهجة إلى قلوبهم وراحة البال إلى عقولهم المتوحدة على كل شيء في العالم، كل صغيرة وكبيرة منذ 11 أيلول سبتمبر. ولأنه لا بد من فعل كانت رسالة 99 من أعضاء مجلس الشيوخ إلى الرئيس جورج بوش مؤثرة في "بلاغتها" وواقعيتها أيضاً: حين يتألم اليهود نتألم. ولما كان بوش يتعهد "عدم السماح بسحق إسرائيل"، كان الشيوخ ال99 يوقعون الرسالة التي لا تشي إلا بعبارة واحدة: لن نسمح بسحق اليهود... ومشاعرهم! أما الألم فمصدره عرب وأوروبيون، وإن كان لا بد من بعض التمييز: أفعال "مناهضة للسامية" في شوارع أوروبا، ورسوم "مناهضة للسامية" في وسائل إعلام العرب. وفحوى الرسالة أن لا بد من تدخل بوش لدى القادة ليعترض بشدة. تألم الشيوخ ازاء اعتداءات على بعض الكنس اليهودية في فرنسا وبلجيكا وغيرهما، تلت سحق الجيش الإسرائيلي إنسانية الفلسطيني في الضفة الغربية، وكرامته واستباحة دمه من دون أي رادع أخلاقي... وقتل المسلح في جنين ورام الله ونابلس بقذائف الدبابات وصواريخ الطائرات، وذبح الآباء أمام أبنائهم، واقتياد الأسرى باذلال وضيع، ذكّر حتى أصدقاء إسرائيل بمعسكرات النازية. كل تلك المشاهد "ازعجت" ضمير العالم المتحضر في الغرب، فيما كان شيوخ أميركا يصفقون لما ارتكبه شارون، ليس بحق الفلسطينيين وحدهم بل بحق البشرية، ويطلبون المزيد. أما الدليل فهو طلب مساعدات استثنائية لجيش شارون ليطوّر حربه على "الإرهاب"، ويوسعها ربما إلى غزة. ولما كان الجيش يمعن في امتهان كرامة الرئيس ياسر عرفات، ويقطع الكهرباء والمياه عنه، كان شيوخ أميركا وحكماؤها يطلبون المزيد لمعاقبته. كل ما حصل من مآسٍ منذ بدء الاجتياح - النكبة للضفة الغربية لم يكفِ لدفعهم حتى إلى مجرد التفكير بمصائر آلاف من البشر، والتلويح بمجرد الضغط على إسرائيل، لوقف الحرب المجنونة. فجأة تحرك وخز الضمائر، بعد اعتداءات على كنس. ليست تلك أفعالاً جيدة، ولكن بماذا يُصنف ألم الشيوخ حين يرفعون سيف "معاداة السامية"، بعد صمت وقح على أسر شعب في الضفة، ومجازر مخيم جنين، وتدمير مدن ونهبها؟ يقولون في الرسالة التي حرّض رئيس لجنة القوات المسلحة كارل ليفين على تدبيجها، لتذكير القادة الأوروبيين والعرب بأن لليهود وحاخاماتهم شيوخاً يحمونهم: الاعتداءات على الكنس ورسوم الكاريكاتور "تشعل الكراهية" وتجعل مشاريع السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين صعبة... وما لم يكتب في عريضة "حكماء" أميركا ال99 ان ابادة مئات من أبناء فلسطين ستقرّب قلوب الأحياء منهم إلى جلادهم البربري! زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ السيناتور جون وارنر يتألم أيضاً لما حلّ باليهود، وحاله كالديموقراطيين الذين لم يسمعوا أن في بيت لحم كنيسة اسمها المهد، ما زالت ورهبانها محاصرة بحرب شارون، ونار القناصة الذين يصطادون مَن في داخلها ثم يفاوضون رجال الدين على نقل الجثث. لم ينبس الشيوخ بكلمة، وبمجرد افتراض أن الكنيسة كنيس، لربما كفى الحصار لتحريك مشاعرهم المرهفبة والتصويت على قانون أميركي لإعلان حرب. "حكماء" أميركا ضلوا طريق الحكمة، يتألمون لقلق بعض اليهود، أما الفخ من حولهم فهو روح عنصرية بغيضة، استمرأت الاستهانة بسيادات الدول العربية، والآن حان وقت الأوروبيين... وشارون يكسب.