سيتقاعد رئيس جمعية رجال الاعمال المصريين سعيد الطويل في أيار مايو المقبل من منصبه برغبته، بعد 25 عاماً قاد خلالها معارك مع خمس حكومات حتى باتت للجمعية آراء في الوضع الاقتصادي وتعمم توصياتها على المؤسسات الحكومية والخاصة. وكان الطويل من ابرز رجال الاعمال المصريين الذين زاروا اسرائيل عام 1995 وابرم اتفاقاً تمهيدياً للتعاون مع جمعية الصناع هناك، وحمل لواء التطبيع الاقتصادي حتى حل بنيامين نتانياهو رئيساً للوزراء وتبعه ايهود باراك ثم آريل شارون الذي ساهم بصورة كبيرة في تغيير استراتيجية رجال الاعمال المصريين في التعاطي مع نظرائهم في اسرائيل. "الحياة" التقت الطويل وأجرت معه الحوار الآتي: ما هو تقويمك للوضع الاقتصادي في مصر حالياً وهل حدث تطور عن العام الماضي؟ - للأسف الوضع غير مريح وهناك إحباط داخل المجتمع، وما زالت الحركة التجارية أضعف من سابقتها، وظهر جديد تمثل في فقدان الثقة بين المواطن ورجل الأعمال من جهة والحكومة من جهة أخرى، ما أثر في معنويات الشعب عموماً، ومن ثم لا بد من البحث في الأسباب ووضع الحلول سريعاً. هل معنى كلامك هو توجيه اللوم كلياً إلى الحكومة؟ - لا، ليست الحكومة فقط السبب فيما يجري، لكن في المقابل عليها درس الأمور مع المعنيين للقضاء على حال الإحباط. هل تطالب ب"لجنة حكماء" مصرية لوضع الحلول؟ - نعم، لجنة تضم الجميع، فمصر ليست حكومة فقط، أو بلد الحكوميين، إنما وطن للشعب بأكمله الذي بات يشعر بلا مبالاة منها خطورتها، ولا يوجد مترجم لأفكاره وتنفيذها في الواقع. الا تعتقد أن البرلمان يقوم بترجمة الافكار للواقع؟ - هذا مجلس فض مجالس ودائماً تكون القضايا الاقتصادية محل النقاش بتعليمات وبعيدة عن طموح الافراد. أنا تابعت أخيراً مناقشات "شركة الحديد والصلب" وحالها السيئة وانتهت المناقشة إلى بيانات وتطمينات من الوزير المسؤول من دون تشخيص العلاج الصحيح، وهذه كارثة. العلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص، هل هي متكاملة أم متناقضة؟ - للأسف لا توجد شفافية كاملة وعندما نجلس سوياً يتقمص المسؤولون الوطنية وكأننا لسنا وطنيين، هم دائماً يدافعون عن مصلحة الوطن ونحن ضده، وهذا تفكير خاطئ. نحن في قالب واحد ومصالحنا مشتركة ولا داع لأحد أن يزايد على الآخر. هل أنت قلق من المستقبل الاقتصادي للبلاد؟ - نعم، نحن مررنا كرجال أعمال بلحظات عصيبة جداً خلال الأعوام الماضية، لكن ما نمر به حالياً يزيد المخاوف من أن البلاد قد يمتد علاج وضعها الاقتصادي إلى سنوات، ما يؤدي إلى حال احتقان اقتصادي نادر الحدوث. كيف يرى رجال الأعمال الخروج من الأزمة الاقتصادية؟ - لا بد من تعديل شامل في الفكر الاقتصادي المصري. عندنا عشوائية أدت إلى الفشل في ادارة الاقتصاد، لا بد من إعادة النظر في كيفية خلق سوق وحمايتها وتطويرها. بخصوص القطاع الخاص، ما رأيك في الذين حصلوا على قروض وهربوا خارج البلاد؟ - العيب ليس فيهم، بل في البنوك التي تركت قوانينها عبثاً لكل من هب ودب، رجل الاعمال المقترض لا يلوي ذراع البنك للحصول على قرض، بل يحصل عليه برضا إدارته، وكلما زادت البنوك في تعاملاتها مع المقترضين زادت مشاكلها. لكن البنك يعطي قروضاً بناء على دراسة جدوى متكاملة؟ - أنا لا أثق في أي دراسة جدوى يتم تقديمها، وهناك كثيرون لعبتهم الاساسية "فبركة" دراسة الجدوى والضحك بها على البنوك للحصول على قروض. وبماذا تنصح العاملين في القطاع المصرفي؟ - اقول لهم إن قروض البنك للعميل تكميلية وليست اساسية. هل انت راض عن مجتمع رجال الاعمال؟ - مجتمع رجال الاعمال يسيطر عليه اللغط دائماً، فالمناخ العام بين رجال الاعمال الحقيقيين لا بأس به، لكن المحترفين قليلون، ومع الاسف كل شخص يمتلك اموالاً حالياً يسمي نفسه رجل اعمال، ما يسيء بالفعل الى الوسط كله، والغريب في الامر أن رجال الاعمال يجمعون حالياً بين الادارة والملكية واتساءل هل كل من يملك يدير؟ هذه نظرية خاطئة ينبغي تغييرها. هل تعتبر زيادة أعداد رجال الاعمال ظاهرة؟ - انا مندهش جداً وأهاجم كل الدخلاء الذين لا اعتبرهم رجال اعمال حقيقيين، فمهنة رجل الأعمال شريفة يجب الا يلوثها دخلاء، والسوق تشهد حال فوضى نتيجة اقتحام بعضهم لها من دون دراية، او اتباع لقواعد المنافسة الشريفة، لذلك فالنهب منتشر، وهناك شيكات لا تسدد وعقود لا تحترم، ولم تعد اخلاقيات العمل الحر موجودة، الامر الذي خلق فوضى اقتصادية في البلاد. ولماذا لا تحاسب الجمعية هؤلاء؟ - الجمعية تضم حوالى 600 رجل اعمال كأعضاء، ولها نظام واهداف ولا نملك القدرة على معاقبة التنظيمات الاخرى. وماذا عن اتهام كثيرين بعدم التنسيق بين منظمات الاعمال وان كل جهة تعمل بمفردها؟ - التنسيق لا يُصلح الاخلاق، ولا يصحح الضمائر، ما نعيشه أزمة عامة تمر بها كل المهن، بداية من الموظف الحكومي، ووصولاً الى الاطباء والمهندسين وغيرهم. اعلنت انك ستعتزل الحياة الاقتصادية، وتترك رئاسة جمعية رجال الاعمال، هل ما زلت عند رأيك؟ - نعم، سأترك رئاسة الجمعية في أيار المقبل، سعياً لتغيير الدماء والافكار، أنا سعيد بما حققته ويكفيني البناء الذي شيدته. وهل كنت تتوقع النجاح القائم حالياً للجمعية؟ - وقت تأسيس الجمعية كانت مصر غارقة في الاقتصاد الموجه وبقايا التجربة الاشتراكية، والمهمة كانت صعبة جداً، وواجهنا كثيراً من الشكوك، وقليلاً من التشجيع، حتى إن بعض الوزراء كان يتحاشى لقاء اعضاء الجمعية، ومن يوافق على الاجتماع بنا يحرص على حضور مساعديه معه درءاً للشبهات. هل هناك شخصية معينة ترشحها لتولي رئاسة الجمعية؟ - ليس هذا قراري، وإن كنت بالفعل ارغب في شخصية اقتصادية ثرية، لكن ينبغي ألا أفرض رأيي على اعضاء الجمعية. تردد ان سبب تركك رئاسة الجمعية هو انتقادات وجهت اليك قالت "أنه كفاية على سعيد الطويل 25 عاماً من الرئاسة"... ما هو تعليقك على ذلك؟ - لا. لا. أنا أتولى الرئاسة بالانتخاب مند عام 1976، وليس بقرار، ولا يمكن لرجل اعمال اختيار شخص في مؤسسة مثل الجمعية، وهو يعلم انه غير مسؤول، عموماً علاقتي بالجميع طيبة جداً، وأكن تقديراً واحتراماً للصغير والكبير. قبل ترك الشأن المحلي، ما رأيك في انتقادات رجال الاعمال للحكومة السابقة برئاسة الدكتور كمال الجنزوري بعد تولي الدكتور عاطف عبيد رئاسة الوزارة؟ - انا مع الانتقادات البناءة، وقد يكون الدكتور الجنزوري مخطئاً في بعض سياساته، خصوصاً ما يتعلق بالمشاريع الكبرى، والبذخ في تمويلها، لكنني اؤكد ان الجنزوري هو من أشرف من تولوا الحكومة المصرية، على رغم خلافاتنا التي وصلت ذروتها عندما اصدر الوزير السابق للتجارة احمد جويلي القرار رقم 619 والخاص بشهادات المنشأ، فالقرار خاطئ جداً، وأضر بالكثيرين، وهناك خسارة بالملايين لحقت برجال الاعمال نتيجة القرار. كانت للجمعية معارك عدة مع الدولة مطلع التسعينات في ظل ولاية الدكتور عاطف صدقي، ماذا كان مبررها؟ - حكومة صدقي كانت مفيدة بقرارات وكان امامها طريق صعب بسبب متطلبات صندوق النقد الدولي واجتياز الاوضاع الاقتصادية المؤلمة، حتى إن الدكتور محمد الرزاز وزير المال، آنذاك، اعتبره نجماً لانه حقق نجاحاً في سياساته، انعكس على ما نحن فيه من مستوى معيشة معقول، ويا ليت الدكتور الرزاز يتقبل اعتذاري بسبب هجومنا عليه سابقاً. هل أنت راض عن سوق النقد الاجنبي في البلاد؟ - لست راضياً. وكما قلت هناك عشوائية في القرارات. ماذا يجب ان تقوم الحكومة به، في رأيك؟ - التنسيق فقط مع رجال الاعمال والمنظمات القائمة قبل اتخاذ اي قرار. هناك "نغمة" في السوق تنوه بان جمعية رجال الاعمال تتقاضى تمويلاً خارجياً، ما هو تعليقك على ذلك؟ - إننا الجهة الوحيدة التي لم تتلق اي دعم مادي خارجي ورفضنا عروضاً سابقة من دول اوروبية واميركية، وقد يكون هذا سر قوتنا، هذه النغمة نشاز ينبغي تغييرها. ما رؤيتك لمجمل الاوضاع مستقبلاً؟ - على رغم التشاؤم ارى ان المستقبل سيكون مختلفاً، وستكون الحكومة على قدر المسؤولية. ما هو تصورك للتعاون الاقتصادي مع اسرائيل؟ - أنا ارفض اي تعاون مع اسرائيل حالياً وهو أمر غير مطروح في ظل مجازر وتدمير البنى التحتية في فلسطين ومن ثم لا بد من مقاطعتها. أنت زرت اسرائيل عام 1995 وابرمت اتفاقاً للتعاون مع جمعية الصناع هناك. هل ما زال الاتفاق سارياً؟ - نحن وقعنا اتفاقاً تمهيدياً للتعاون لكنه لم يحقق المرجو منه بسبب تعاطي تل ابيب السلبي مع عملية السلام، وأكشف للمرة الاولى ان وفوداً عدة من اسرائيل حاولت غير مرة الاجتماع باعضاء الجمعية خلال الشهر الماضي من دون جدوى، أنا مع علاقات اقتصادية مع اسرائيل لكن في التوقيت الملائم وحسب رغبتي لا رغبتهم. معنى ذلك أنك قد تلتقي رجال اعمال اسرائيليين في حال هدوء الاوضاع؟ - لا، هذا الامر كان في السابق، أما الآن فلن يكفينا هدوء الاوضاع بل يبقى تعاوننا رهناً بالانسحاب الكامل من الاراضي المحتلة في ظل مراحل تحددها المفاوضات السياسية، أنا كرئيس لجمعية رجال الاعمال ضد التعاون حالياً. برزت اصوات الاسبوع الماضي تطالب بمقاطعة الولاياتالمتحدة الاميركية وعدم استقبال وفود اقتصادية من هناك، ما هو تعليقك على ذلك؟ - أعتقد أن تنفيذ هذا الامر فجأة قد يضر العرب أكثر مما ينفعهم، وفي حال ضرورة التنفيذ ينبغي درس الامور جيداً وبمشاركة الجميع، الاقتصاد ليس في حاجة الى انفعال، هو في حاجة الى تعقل وحكمة. على ذكر كلمة العرب، ماذا سيناقش مجلس رجال الاعمال العرب الذي سيعقد في دمشق نهاية الشهر الجاري؟ - المجلس دعا كل المعنيين بالاقتصاد العربي سعياً للوصول الى وضع قوي يمكننا من مواجهة الاوضاع القائمة. ومن هنا اؤكد ان ما يحدث في الاراضي الفلسطينية وغيرها هو امر صنعناه بأنفسنا لاننا ضعفاء اقتصادياً. أننا ننادي منذ أعوام باعتماد هوية موحدة لرجال الاعمال، لكن اختلاف الانظمة يحول دون ذلك.