هل ذهب العرب بعيداً في محاولتهم منع توجيه ضربة الى نظام العراق فنزلت الكارثة بالسلطة الفلسطينية؟ سؤال يستحق بعض المناقشة، إذ لا بأس امام تطورات خطيرة ومفترقات حاسمة من انعاش الذاكرة، علّ اعادة ترميم الصورة العامة للمشهد، من الفترة السابقة لانعقاد القمة العربية في بيروت حتى وقتنا الحاضر، تسمح في الوقت الداهم المتبقي، بتعديل للمواقف يعيد الى الموقع المناسب، القائد الذي يتوجب التضامن معه ويستحق الإنقاذ، مثلما يضع في موقع مناسب ايضاً الحاكم غير المؤهل لاستقبال حبل النجاة. يصعب التسليم بنظرية المؤامرة القائلة إن ضرب العراق والفلسطينيين على السواء مبرمج ولا رادّ له، وإن موافقة العرب على إطاحة صدام لم تكن لتعفي الشعب الفلسطيني من عدوان شارون الواسع. ويجب التسليم بصعوبة مواجهة هذه النظرية بعدما رأينا الضوء الأخضر الأميركي الممنوح للعدوان وتعامل جورج بوش مع سفاح جنين بصفته "رجل سلام". لكن أضعف الإيمان عدم الاستسلام للواقع الذي أفرزته الأحداث وإعادة تقويم الموقف واستخلاص العبر علّ في ذلك امكاناً لإنقاذ الرئيس الفلسطيني وقضيته من براثن شارون إذا بقي بعض من وقت ومن سبيل. لم يكن خافياً على أحد ان إدارة بوش الابن، بصقورها وحمائمها، متفقة على إسقاط نظام صدام. وهي ليست معنية فقط باستكمال "المهمة غير المنتهية" التي بدأها بوش الأب حين توقف عند تخوم نظام بغداد، بل هي مضطرة ايضاً الى تنفيذ قانون تحرير العراق الذي أقره الكونغرس ويطلب منها ذلك. وكان واضحاً ان تهديدات النظام العراقي للكويت ومنع عودة المفتشين تستدعي الضربة الأميركية ولا تحول دونها. لذلك فإن ما حصل في القمة العربية من تطور في "الحالة" بين العراق والكويت اتى مفاجئاً ومناقضاً لسياق اميركي - بريطاني عام، ولم يكن ليمر من دون اثمان، مع انه، في المبدأ، مطلوب ويستجيب طموح كل من يريد نهاية نزاع دمر التضامن العربي. في الواقع، تحدت الخطوة العربية المفاجئة الولاياتالمتحدة بإفشالها عملياً جولة ديك تشيني التي قادته الى 12 بلداً تحضيراً لضرب العراق. وإذا كان الأميركيون لا يعترفون علناً بهذا الفشل، فإن ديبلوماسيي توني بلير، المتحمس لضرب صدام، يحمّلون العرب مسؤولية نتائج توجيههم لطمة قوية الى الجهود الأميركية - البريطانية ويأخذون عليهم خلط المصطلحات وعدم التمييز بين "ضرب النظام العراقي" و"ضرب العراق". والحقيقة ربما كانت كذلك، إذ تم وصف اي عملية ضد نظام صدام بأنها إهانة للأمة العربية جمعاء أو انتقاص من قدرة العرب مجتمعين على حماية بلد شقيق يتعرض لعدوان، في وقت لا ضرورة لتأكيد الفارق بين شعب يستحق الحرية والحياة الكريمة وبين نظام خاض حربين عدوانيتين وتسبب بتدمير بلاده وإفلاسها وباستنزاف ثروات الآخرين. هل انتقمت الولاياتالمتحدة بتضامنها الأعمى مع شارون من العرب لإفشالهم مهمة تشيني؟ ربما نعم. لكن يبدو ان فشل المهمة لن يفشل الخطة الأميركية. فالأنباء عن تنسيق اميركي مع الأكراد لتنفيذ عملية انطلاقاً من شمال العراق تتزايد. ونية اسقاط نظام صدام لا تزال ثابتة. والمؤلم هو اننا بين القمة العربية واستحقاق الضربة شهدنا مجازر جنين ونابلس وتدمير السلطة الوطنية وحصار رئيسها وتهديد حياته وإهانة كل العرب. ولعل الأميركيين فسروا دعم القمة لنظام بغداد في موازاة اخطاء حصلت فيها مثل منع كلمة ياسر عرفات وعدم الإشارة الى السلطة الفلسطينية ورئيسها في البيان الختامي وإعلان بيروت، بأنه تخلّ عن الرئيس الفلسطيني يسهّل التجرّؤ عليه. فهل لا يزال متاحاً امام العرب اصلاح ما حصل ومعاودة قلب الأدوار، فيتخلوا عن صدام في مقابل انقاذ عرفات، ام فات الأوان وبات عليهم انتظار هزيمة مُرة وغير ضرورية مع ديكتاتور يحاصر شعبه، مثلما هم يتجرعون بمرارة هزيمتهم الواجبة مع قائد ثورة محاصر مع شعبه؟