زلزال هز الحياة السياسية في فرنسا بعد وصول مرشح "الجبهة الوطنية الفرنسية جان ماري لوبن الى الدورة الثانية من انتخابات الرئاسة الفرنسية، للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الخامسة. اذ حصل المرشح الديغولي، الرئيس جاك شيراك على 6،19 في المئة من الأصوات وهي نسبة ضعيفة جداً لرئيس يمارس الحكم منذ سبع سنوات. وحصل لوبن على 58،17 في المئة ليخرج المرشح الاشتراكي رئيس الحكومة ليونيل جوسبان من السباق الرئاسي ويحمله على الإعلان عن انسحابه من الحياة السياسية. وما ساعد على تقدم اليمين المتطرف في انتخابات أول من امس، ارتفاع نسبة الامتناع عن التصويت التي بلغت 28 في المئة، ونجاح لوبن في التقدم على سواه من مرشحين في تسع مناطق فرنسية، ومنها منطقة الزاس وبوش دو رون ومارسيليا وغيرها حيث احرز نسبة من الأصوات بلغت في بعض الأحيان 23 في المئة. فالمقترعون لصالح لوبن في هذه المناطق وفقاً لمدير معهد "ايبسوس" للاستطلاعات ادوار لوسير، هم مؤيدوه الأصليون الذين انضم إليهم عدد كبير من الفرنسيين الذين أرادوا الاحتجاج على انعدام الأمن في فرنسا وفشل السياسيين التقليديين في التعامل مع القضايا التي تهم الفرنسيين. وأشار لوسير ان لوبن نجح في استقطاب اصوات العمال وتعبئة قطاعات فرنسية من اوساط وأعمار مختلفة، وجدت لديه مواقف مطمئنة، حيال مخاوفهم المتعلقة بالهجرة المتزايدة والتردي الأمني. وجاءت نتائج الدورة الأولى على شكل هزيمة كاسحة للحزب الاشتراكي ولليسار عموماً ومن ضمنه الحزب الشيوعي. كما ادت النتائج الى عاصفة قلبت كل المعادلات السياسية وحملت الرموز الاشتراكية الى دعوة قواعد الحزب الاشتراكي ومؤيديه للاقتراع لشيراك في الدورة الثانية منعاً لصعود تيار لوبن. وبين الممتنعين عن التصويت والمحتجين من الوضع القائم وتنامي شعبية اليسار المتطرف الذي احرز نحو عشرة في المئة من الأصوات، تبدد التمحور الذي كان الفرنسيون يتوزعون بموجبه مناصفة بين اليمين واليسار التقليديين. ويتوقع ان تؤدي الدورة الثانية من الانتخابات الى فوز شيراك بغالبية 77 في المئة من الأصوات في مقابل 22 في المئة للوبن، الا ان هذا لا يلغي صعوبة المهمة التي سيواجهها الرئيس المقبل. ففرنسا التي تعتبر بمثابة بلد ديموقراطي منفتح على العالم، تبدو اليوم بلداً ضيق الأفق، يرفض الأجانب واوروبا، ويشكك بالمستقبل ويخاف من كل ما يحيط به. والتحدي الأول الذي يواجهه شيراك هو السعي الى اعادة الديموقراطية الى نصابها وتجنيبها الانحرافات التي قد تترتب على تنامي شعبية لوبن. وولّدت نتائج الدورة الأولى إجماعاً تلقائياً في أوساط مجمل القوى السياسية اليمينية منها واليسارية، على "إقامة عائق" أمام فوز لوبن في الدورة الانتخابية الثانية في 5 أيار مايو المقبل. وحملت الهزّة الناجمة عن بروز لوبن في موقع الرجل الثاني في فرنسا بعد الرئيس جاك شيراك، مختلف القوى السياسية للدعوة كل من جانبه لمحاصرته ومنعه من التقدّم. ونتيجة لهذا الالتفاف، تشير التقديرات الى ان شيراك سيفوز في الدورة الثانية بغالبية ساحقة تصل الى 77 في المئة من الأصوات، لكن فوزه المتوقع يثير المرارة أكثر مما يثير من زهو الانتصار، نظراً لطبيعة خصمه. وهذا ما بدا بوضوح في الكلمة التي وجهها شيراك للفرنسيين والتي خلت من أي نغمة انتصارية، حين قال "ان المستهدف عبر النتائج الانتخابية هو "تماسكنا الاجتماعي وقيمنا وفكرتنا عن الانسان وحقوقه وكرامته" وايضاً فكرة فرنسا "عن نفسها وعن دورها في العالم". وكان سبق شيراك الى الكلام رئيس الحكومة ليونيل جوسبان، الذي وصف ما حصل "بالصاعقة"، وبالظاهرة "المقلقة لفرنسا وللديموقراطية". وقال انه على رغم النتيجة المخزية التي حققها في الدورة الأولى من الانتخابات "فانني فخور بما قمنا به"، خلال 5 سنوات من عمله على رأس الحكومة. ودعا الحزب الاشتراكي مؤيديه الى تغليب المعركة مع لوبن، على المعركة مع شيراك والإدلاء بأصواتهم في الدورة الثانية لمصلحة الأخير. وفيما أطبق الوجوم على غالبية أفراد الطبقة السياسية، نظراً لما يعنيه نجاح اليمين المتطرّف في اختراق الحياة السياسية من مخاطر، فان لوبن تذوّق بفرح واضح نجاح رهانه، ودعا الفرنسيين الى "عدم التخوّف والدخول الى مرحلة الأمل"، واصفاً نفسه بأنه يجسد آمال الفئات الدنيا والمهمّشة، التي اقترعت له انتقاماً من السياسيين الذين تجاهلوا مصالحها للاعتبارات الاوروبية والعولمة.