كم من تدخل حاسم لحارس مرمى أنقذ فريقه من هزيمة محققة... كم مرة نجح حارس فى تصحيح خطأ فاضح وقع فيه زميله المدافع... وكم مرة "طار" حارس وأنقذ شباكه من هزة كان يمكن لها أن تطيح أحلام فريق بأكمله ومن خلفه مئات الآلاف من الجماهير... وكم منهم تصدى لركلة جزاء، واهدى فريقه فوزاً ربما لم يكن يستحقه فأصبح بطلاً للحظات، ثم ماذا بعد؟ عودتنا كرة القدم منذ مهدها أن لا شهرة تفوق شهرة المهاجمين مهما فعل المدافعون وحراس المرمى، فهذه هي سنة اللعبة الشعبية الأولى ووحدها الاهداف هي التي تحرك المشاعر وتبقى خالدة في الذكرى! وعلى رغم اعتراف الكثر بأن الحارس الجيد يمثل نصف الفريق ويبعث الطمأنينة في نفوس زملائه، يبقى المهاجمون أصحاب الفضل في تحقيق الانتصارات... وتبقى اسعارهم في زمن الاحتراف هي الأعلى. عرف التاريخ الحديث عددًا من الحراس الذين لعبوا دوراً مهما في مسيرة منتخباتهم وفرقهم بدءاً من كارباخال الى فرانشيسكو تولدو مروراً بليف ياشين وبانكس وبيتر شيلتون ودينو زوف وداساييف وباتس وآخرين كثر، لكن الاسباني اندوني زوبيزاريتا والارجنتيني سرجيو غويكوتشيا، والكولومبي رينيه هيغيتا، والباراغواياني خوسيه لويس تشيلافيرت لهم حكايات اخرى. فمن هم هؤلاء... وماذا قدموا لأنديتهم ومنتخباتهم، وأين هم الأن؟ حل زوبيزاريتا محل مواطنه لويس اركونادا في اعقاب النتائج المخيبة لأسبانيا في كأس الأمم الأوروبية عام 1984 وشارك في 126 مباراة دولية واربع دورات لكأس العالم، وقدم عروضاً اكثر من رائعة في غالبيتها. بيد ان خطأ واحدًا ارتكبه خلال مباراة اسبانيا مع نيجيريا في مونديال عام 1998 في فرنسا ونجم عنه الهدف الذي كلف منتخبه الخروج من الدور الأول، كان سبباً في ان تصب الجماهير الاسبانية لعناتها عليه ناكرة تاريخة الكروي الحافل بالكامل. وغويكوتشيا، خير مثال للحارس الذي سقط من السطح الى السفح بسبب غلطة واحدة، وهو تسلم الراية فجأة في مونديال 1990 بعد اصابة الحارس الأساسي نيري بومبيدو. لكنه عرف كيف يستفيد من الفرصة، واظهر براعة اوصلت منتخب بلاده الى الدور النهائي قبل ان تخسر امام المانيا بهدف من ركلة جزاء. اطلق عليه لقب "هيروتشيا"... وجزئية "هيرو" جاءت من الكلمة الانكليزية التي تعني البطل. زاد عن مرماه بتألق فوق العادة امام روسيا ورومانيا والبرازيل، لكنه صار حديث المجتمع الكروي كله حين حققت الارجنتين انتصارين مهمين بفضل براعته في صد الركلات الترجيحية. استمرت الأوضاع ولا أحلى مع هذا الحارس الهمام حتى عام 1993 حين انقلبت الاوضاع وصار المتسبب الأوحد في الهزيمة المذلة التي لقيتها الارجنتين امام كولومبيا بخمسة اهداف في بوينس ايرس ضمن تصفيات قارة اميركا الجنوبية المؤهلة لمونديال الولاياتالمتحدة عام 1994. ومن يومها لم يعرف غويكوتشيا الطريق الى مرمى منتخب بلاده... لا وبل ولم يمر طويلاً حتى فقد مركزه في فريق ناديه ريفر بلايت. ولا ينسى احد المشهد المثير الذي وقع في مباراة الكاميرون مع كولومبيا في مدينة باري في الدور الثاني من مونديال ايطاليا عام 1990 : وصلت الكرة الى الحارس الكولومبي هيغيتا فتلقاها بقدمه وخرج بها من منطقة جزائه ليمارس هوايته المفضلة في مراوغة منافسيه، لكن الأسد الكاميروني روجيه ميلا كان له بالمرصاد... انتظر حتى اقترب منه ثم انقض عليه و"خطف" الكرة منها واودعها مرماه ثم توجه الى راية ركن الملعب ورقص رقصته التي لا تزال حتى الان رمزاً من رموز كرة القدم. وقد كان هذا المشهد كافياً لينهي قصة نجاح طويلة لحارس، طالما انتزع آهات معجبيه بمراوغاته المثيرة لمنافسيه. اما حكاية تشيلافيرت، فهي تختلف بعض الشيء لأنه عرف كيف يعود الى الأضواء بعد ان حجبت عنه بسبب ايقافه فترة طويلة بعدما اصاب بنفسه رأسه بجرح وادعى انه اصيب بحجر آت من المدرجات خلال تصفيات مونديال 1998. ومع هذا فإن اللعنات الجماهيرية صُبت عليه اخيراً، لأن منتخب بلاده سيضطر الى خوض مباراتيه الأوليين في المونديال المقبل من دونه بسبب البطاقة الحمراء التي حصل عليها بعد ان بصق على المدافع البرازيلي روبرتو كارلوس في آخر مباراة في التصفيات المؤهلة للنهائيات. على أي حال لا تزال الفرصة سانحة امام هذا الحارس الذي اشتهر بتسجيل عدد كبير من الاهداف من الركلات الحرة المباشرة وركلات الجزاء لاستعادة موقعه، وذلك من خلال التألق في المناسبة العالمية المقبلة وقيادة منتخبه الى ابعد ما يمكن في كوريا الجنوبية واليابان. عموماً، هذا هو حال حراس المرمى: يتألقون ويزودون عن مرماهم بكل قوة واخلاص سنوات وسنوات، ثم تكفي غلطة واحدة لمحو هذا التاريخ... فمن منكم يريد أن يشغل مركز حارس المرمى؟