اجتاحت الفضائيات العربية في الآونة الاخيرة موجة أو موضة "الكوفية الفلسطينية"، التي تمثل رمز الصمود والمقاومة، وما تحمله من دلالات معرفية، وسيكولوجية، وسياسية، وخصوصاً في الوقت الراهن حيث تدمر فلسطين وشعبها المقاوم. هذا الاكتساح للكوفية الفلسطينية، شمل برامج عدة، في تنوعها وتضاربها، باسم التضامن مع الشعب الفلسطيني. ولعله أمر حسن جداً، ان تعبأ الطاقات الاعلامية لنصرة القضية الفلسطينية، ايماناً بكون هذه القضية ليست حكراً على أحد دون سواه. هذا الحضور للكوفية الفلسطينية، أخذ شكلاً مربكاً في حالات، ومضحكاً في حالات اخرى، كونه أتى مصطنعاً ومتكلفاً في جزء منه، بل وغير مشجع مع طبيعة البرامج أو أداء المقدمين لها. وترك تناقضاً لدى المشاهد، وربما غرائبية أو استهجاناً لدى آخرين. هذا الاستغراب نابع من الطبيعة السابقة لبعض هذه البرامج، منذ بداياتها، وحتى حصار رام الله بلحظات، أي أنها بقيت على طبيعتها التسطحية الغنائية الراقصة في المعنى السلبي منذ بدايات الانتفاضة من دون ان تتضامن معها أو تخصص لها حلقات سابقة، وكأنها استيقظت فجأة، والشهداء الفلسطينيون يسقطون للتوّ. من هذه البرامج، برنامج "القمر ع الباب" الذي تقدمه يمنى شري، وبرنامج "يا عمري" وكلاهما في تلفزيون المستقبل. هذان البرنامجان، ولكي ينسجما مع سياسة المحطة الداعمة للقضية الفلسطينية والملتزمة عروبياً وسياسياً تجاه القضية الفلسطينية، راحا يخصصان حلقات استثنائية تضامناً مع الشعب الفلسطيني، وشاهدنا "القمر ع الباب" حزيناً يرتدي الكوفية الفلسطينية، وبدلاً من ان تتراقص يمنى شري وهي الصبية المغناج، يمنة ويسرى، طرباً وفرحاً، شاهدناها تقدم برنامجها من "ساحة الشهداء"، وتستضيف مطربين يغنون لفلسطين. وشاهدنا "يا عمري" يستضيف الفنان الملتزم سامي حواط، والشاعرين: محمد علي شمس الدين، وغسان مطر. هذه المغايرة في طبيعة البرنامجين، تبدو ممجوجة وباردة، لا من باب احتكار الالتزام وفلسطين في برامج دون سواها، أو لمقدمين أو فنانين دون سواهم، بل لأن البرنامجين حتى في محاولتهما هذه لم ينجحا لا فنياً ولا معنوياً ولا معرفياً. ولم تكن حلقاتهما بمستوى حلقاتهما العادية لان المقدمين غير مهيئين لا معرفيا ولا فنياً لاستضافة أو تقديم ضيوف كهؤلاء وموضوعات وقضايا، فما الذي من الممكن ان تتعاطى به من موضوعات واسئلة وافكار مقدمة "يا عمري"، وهي ملكة الجمال السابقة في لبنان، والمعتادة على استضافة المطربين والمطربات والراقصات؟ هل بامكانها ان تتعاطى مع سامي حواط، الرفيق السابق لزياد الرحباني، وصاحب النظرة المغايرة بل والراديكالية تجاه الاغنية في الوقت الحاضر؟ بل وما الذي من الممكن ان تستخلصه من حوار مع الشاعر محمد علي شمس الدين مثلاً؟. ان التضامن مع فلسطين أمر نبيل، ويشكر كل من يقوم به، ولكن من المستهجن، ان يغدو ذلك ضرباً من الموضة، تمارسه البرامج الفضائية مهما كان نوعها. ولعل الاسوأ من عدم التضامن، هو التضامن بهذه الطريقة التي تفرغ التضامن من معانيه الانسانية والنضالية، محولة إياه مجرد شعار أجوف. وهنا لا بد من تذكّر قول محمود درويش: "يحبونني ميتاً، لكي يقولوا: لقد كان منا لقد كان لنا".