بعد ساعات قليلة على الشهادة التي قدمها الموفد الخاص للامم المتحدة تيري رود لارسن عن الدمار الذي خلفه الجيش الاسرائيلي في مخيم جنين وفيها تحدث عن "فظاعة تفوق التصور"، دعت المفوضية الاوروبية الى "فتح تحقيق فوري" في ما جرى في المخيم، ووجه الصليب الاحمر نداء الى المنظمات الانسانية الدولية لتقديم المساعدة في المخيم حيث تواجه عملية البحث عن احياء تحت الانقاض او انتشال الجثث مصاعب جمة في ظل غياب المعدات اللازمة، وفي ضوء عدم وجود فرق اغاثة تستطيع ازالة الالغام من منازل يعتقد أنها مفخخة. مخيم جنين، اوسلو، بروكسيل - أ ف ب، رويترز - جاءت أقوى شهادة على ما ارتكبه الجيش الاسرائيلي في مخيم جنين على لسان الموفد الخاص للامم المتحدة تيري رود لارسن الذي قال لدى زيارته المخيم مع مندوبي الاممالمتحدة والصليب الاحمر امس ان الدمار يشهد على "فظاعة تفوق التصور"، مضيفا: "انه دمر كليا، وكأن زلزالا حل به". واعتبر ان ما جرى "أمر غير مقبول اطلاقا، انها فظاعة تفوق التصور... لدينا خبراء اعتادوا الحروب والهزات الارضية ويؤكدون انهم لم يشاهدوا حتى الآن شيئا مماثلا". واضاف: "غير مقبول اطلاقا الا تكون الحكومة الاسرائيلية سمحت منذ 11 يوما لفرق الانقاذ والبحث عن الناجين بدخول المخيم. الامر مقزز على الصعيد الاخلاقي". وكان شهود في المخيم افادوا امس ان السكان انتشلوا خمسة ناجين من تحت الانقاض وانهم سمعوا آخرين يطلبون النجدة. وقال نعيم عويس وهو من سكان مخيم جنين بعد ساعات من انسحاب الدبابات والقوات الاسرائيلية من المخيم مخلفة وراءها القناصة عند مشارفه: "عثرنا على خمسة... نقلوا الى مستشفى جنين في حال سيئة للغاية"، وهم صبيّان وامرأة ورجلان مصابون بحروق واصابات اخرى. واضاف، بينما اخذ السكان يفتشون بأيديهم بين الانقاض، "سمعت كثيرين يطلبون العون لكننا لا نستطيع ان نفعل شيئا من اجلهم. تعوزنا المعدات". وعلى رغم ان مدير مستشفى جنين نادر الرشيد نفى انتشال خمسة احياء من تحت الانقاض، وقال انه لم يتم احضار احد من مخيم جنين اليوم لا حيا ولا ميتا، الا ان الجيش الاسرائيلي يرفض السماح لفرق الاغاثة بدخول المخيم معللا ذلك بوجود عبوات وقنابل تجعل دخوله مستحيلا. لكن لارسن رفض هذه الحجة، مشيرا الى انه كان في وسع اسرائيل السماح لخبراء دوليين بالقدوم للمساعدة على البحث عن ناجين محتملين بين الانقاض. وقال: "ليس هذا عذراً... أرى شقيقين يخرجان والدهما من تحت الانقاض. الموت يبعث نتانة فظيعة. كما ينتشلون جثة ولد في الثانية عشرة متفحما تماما". واعتبر ان الاولوية هي لارسال فرق انقاذ والبحث عن الناجين، علما ان فرق الاغاثة الوحيدة العاملة حاليا شكلها السكان الذين ينقبون بين انقاض بيوتهم ويواجهون خطر انهيار الكتل الاسمنتية والاحجار. واشار لارسن الى ان منظمته ستحاول معرفة ما حصل بالضبط خلال المعارك عندما كان الجيش يطارد الناشطين. ورداً على شهادة لارسن، نفى الناطق باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية جدعون مئير امس ان يكون الجيش ارتكب مجازر في المخيم، وان كان اقر بحصول تدمير واسع فيه، وقال ان الفلسطينيين يؤكدون حدوث مجازر و"الاسرة الدولية والصحافة تصدق الاكاذيب ولا يطلبون اثباتات من الفلسطينيين. اين هي الادلة. هناك تدمير واسع، لكن ليست هناك مجازر". واضاف: "على العكس من معظم ناشطي حقوق الانسان، يعرف لارسن الوقائع وزار المواقع التي نفذ فيها الارهابيون اعتداءات انتحارية. انه يعرف لماذا اسرائيل في جنين". وزاد: "جنين ليس مكانا للنزهة او الترفيه. انها عاصمة الارهاب الفلسطيني والاعتداءات الانتحارية". وفي ضوء شهادة لارسن، أعلن ناطق باسم المفوضية الاوروبية انه يفترض فتح تحقيق "فوري" في شأن مخيم جنين. وسئل الناطق هل من المناسب اطلاق تحقيق دولي بهذا الشكل السريع، فقال: "نعم، بالتأكيد، ينبغي ان يبدأ التحقيق فوراً". واكد من جهة اخرى ان اوروبا ينبغي ان تشارك في مؤتمر حول الشرق الاوسط في حال عقده، وقال: "لا يمكن احلال السلام في الشرق الاوسط من دون اوروبا"، مذكراً بأن الاتحاد الاوروبي عضو مع الولاياتالمتحدة وروسيا والاممالمتحدة في اللجنة الرباعية التي تحاول تهدئة الوضع في الشرق الاوسط. وتابع: "في الوقت الحاضر، فان الالتزام السياسي للاتحاد الاوروبي" يقضي بالعمل مع الاميركيين والروس والامين العام للامم المتحدة كوفي انان "من اجل التوصل الى وقف اطلاق نار وانسحاب القوات الاسرائيلية ووقف" الهجمات الاستشهادية. وتجاوبت منظمة الصليب الاحمر النروجي مع نداءات الاغاثة الصادرة من مخيم جنين، اذ اعلنت ان النروج سترسل فريقا "لتثبيت الامن في مخيم جنين يضم خبراء في ازالة الالغام ومهندسين تمهيدا لارسال بعثة طبية دولية الى الموقع. وقالت ناطقة باسم المنظمة ان "خبيرين في المتفجرات من المنظمة الانسانية نورسك فولكيهيلب واثنين من مهندسينا وطبيبا واحدا سيتوجهون الى جنين ... مهمتهم ستكون التعرف على المباني المعرضة للانهيار والمواقع الخطيرة وابطال مفعول عبوات ناسفة ليصبح نقل المساعدة الانسانية ممكنا في ظروف امنية جيدة بعد ذلك". واوضحت ان وزارة الخارجية النروجية ستتولى تمويل البعثة التي خصصت لها مليوني كورون نروجي 26.0 مليون يورو. وكانت اللجنة الدولية للصليب الاحمر اعربت عن املها في الحصول على مساعدة فرق الانقاذ الدولية المتخصصة في انقاذ الاحياء المدفونين تحت الانقاض، واجرت اتصالات مع النروج وسويسرا والمانيا. وقال الناطق فنسنت لوسير ان هناك حاجة لفرق لنقل جثث القتلى الذين يعرف انهم قابعون اسفل مبان هدمتها الجرافات الاسرائيلية والبحث عن ناجين محتملين بعدما ابلغ بعض سكان المخيم عن سماع صرخات. واضاف: "ادركنا ان عمل الانقاذ لا يمكن ان يمضي قدما بسرعة كافية من دون مساعدة"، مضيفا ان النروج وسويسرا من بين الدول التي لديها استعداد للمساعدة، وان "هذه الفرق عادة يمكن نقلها بسرعة ويمكنها ان تصل خلال يوم واحد أو نحو ذلك". شهادة بروفيسور بريطاني مختص في التشريح وتعززت الادلة على وقوع فظاعات في مخيم جنين بعدما اجرى البروفيسور البريطاني ديريك باوندر المختص بعلم التشريح في جامعة دندي تشريحا على احد الضحايا ولاحظ وجود جروح "تثير الشبهة بشكل كبير". وقال باوندر الذي يعمل مع منظمة العفو الدولية بعد زيارته المخيم لصحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية: "ان القول ان عدداً كبيراً من المدنيين قتلوا وما زالوا تحت الانقاض، امر له مصداقية كبيرة. لا يمكن تصديق ان عدداً قليلاً من الاشخاص قتل، علما ان الانباء افادت بوجود عدد كبير من الاشخاص داخل المباني المكونة من ثلاث او اربع طبقات لدى هدمها". واضاف ان تشريح جثة فلسطيني يبلغ 38 عاما تكشف انه "اما تعرض لاطلاق نار في قدمه ثم في ظهره، او انه تعرض للرصاص في ظهره اولا حيث اصيب اصابة قاتلة، ثم اطلق الرصاص، لسبب ما، على قدمه بعد وفاته... مهما كان ترتيب اطلاق النار، فان الظروف مثيرة للشبهة". ولم تصدر تقارير رسمية عن حجم الخسائر في الارواح بين الفلسطينيين لكن مدير مستشفى جنين محمد ابو غالي قال انه يعرف بمقتل 35 وتوقع ارتفاع حجم الخسائر في الارواح. واضاف: "بوسعي ان اؤكد لك وفاة 35. دفن منهم 23 في ارض المستشفى"، مشيراً الى ان الباقين دفنوا قرب منازل في اماكن اخرى من جنين. واستطرد قائلا ان العدد النهائي للقتلى لن يتضح قبل شهرين او ثلاثة بعد الانتهاء من عمليات التفتيش تحت الانقاض وتوقع ان يترواح عدد القتلى بين 200 و400 قتيل. واضاف: "الناس يعثرون على جثث كل يوم"، مضيفا انهم يفتشون في الانقاض بايديهم و"نحتاج مساعدة دولية". وذكرت مصادر امن فلسطينية ان القوات الاسرائيلية احتجزت 42 فلسطينيا منهم ناشطون اسلاميون خلال عمليات دهم ليلية على ثلاث قرى قرب طولكرم وجنين. إعادة انتشار في جنين في غضون ذلك، افاد شهود ان القوات والمدرعات الاسرائيلية انسحبت من المخيم في ساعة مبكرة امس، فيما افاد الجيش ان الدبابات انسحبت الى ضواحي المدينة والمخيم لكنها لا تزال داخل منطقة الحكم الذاتي الفلسطيني. واعلن رفع حظر التجول لمدة اربع ساعات في جنين ومخيمها، مشيرا الى ان بامكان السكان التجول من الساعة العاشرة الى الساعة الثانية بعد الظهر بالتوقيت المحلي ليتسنى لهم شراء حاجاتهم. وقال مساعد محافظ المدينة حيدر رشيد ان المصفحات التي دخلت المدينة انسحبت الاربعاء الى ضاحية جنين لكنها بقيت داخل المخيم. وفي السياق نفسه، صرح ناطق عسكري اسرائيلي ان الجيش رفع بعد ظهر امس ولمدة ساعات منع التجول المفروض على نابلس ليسمح لسكان المدينة بشراء حاجاتهم. وقال ان رفع منع التجول سيستمر من الساعة الواحدة بعد الظهر الى السادسة بالتوقيت المحلي 00،11 الى 00،16 بتوقيت غرينتش. واضافة الى نابلس، لا يزال الجيش يحتل ثلاث مدن كبرى هي جنين وبيت لحم ورام الله منذ بدء عمليته العسكرية في الضفة الغربية في 29 آذار مارس الماضي. وفي الخليل، افاد مصدر امني فلسطيني انه تم العثور امس على جثة الشرطي الفلسطيني ابراهيم محمد وشاح 42 عاما مقتولا بالرصاص منذ اكثر من اسبوع في مجرى نهر قرب قرية دورا غرب المدينة. وكانت مصادر طبية اعلنت منذ نحو اسبوع ان ثلاثة رجال قتلوا في دورا خلال عمليات بحث للجيش عن ناشطين.