بعد اعتقال عبدالله اوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، وفي 24 آذار مارس 1999 توقفت قناة Med-TV الفضائية عن البث بسبب الضغوط التركية على أوروبا، وتقديم تركيا شكوى للمؤسسة الإعلامية العالمية ITC ضد هذه المحطة متهمة اياها بأنها "غرفة عمليات لحزب العمال الكردستاني". وهو امر اغضب يومها الأكراد في كل مكان، فتحرك الجميع، وفي كل مكان، لرأب ما حدث. وقاموا بجمع الأموال وإرسالها الى المحطة، ظناً منهم ان المشكلة في اساسها مالية. وأمام هذا التضامن الشعبي الواسع مع "ميديا" تحركت منظمة "رجال الأعمال الأكراد" في أوروبا واستطاعت بعد اربعة اشهر الحصول على ترخيص جديد للمحطة تحت اسم Medya-TV". وهكذا بدأت انطلاقة "ميديا" وفور انطلاقتها اكتسبت متفرجين لا يحصون في صفوف الأكراد، وذلك انها ركزت على بث الثقافة والفنون الكردية، اذ قامت بجمع كثير من التراث الشفهي ووثقته عبر برامج يتابعها اغلب الأكراد وفي كل مكان من العالم. وما ميز هذه المحطة وأكسبها هذه الشهرة الواسة انها تبث بعدة لهجات كردية السورانية - الكرمانجية، اضافة الى تخصيص فترات بث بالعربية والسريانية والأرمنية والتركية. كما ان الكادر الذي ينهض بهذه المحطة والذي يبلغ عدده 200 شخص، يقوم بدور متميز في جذب الأوساط الكردية بكافة شرائحها، وخصوصاً النساء. فقد اثرت "ميديا" كثيراً في توجهات الفتيات الكرديات باتجاه التعليم والمنافسة عليه، إذ كان لظهور المذيعات دور كبير في ذلك، وهن يشكلن نسبة 30 في المئة من مجموعة كادر المحطة. كما ان لهذه المحطة دور في خلق الحافز العلمي باتجاه تعلم اللغة الكردية قراءة وكتابة في البيوت، حتى ان الأحزاب الكردية اخذت على عاتقها مهمة تعليم الكردية في كل مكان يتواجد فيه الأكراد. استقر بث ميديا على 13 ساعة في اليوم تبدأ في فترة ما بعد الظهر بالنشيد الكردي "أي رقيب" ثم تتلوه قراءة الصحف العربية والعالمية والكردية. ثم موجز الأخبار ب"السورانية" و"الكرمانجية"، ومن ثم برامج الأطفال التي تساهم كثيراً في تعليم الأجيال الكردية الجديدة. يصل عدد البرامج التي تقدمها ميديا خلال الأسبوع الى 64 برنامجاً تشمل كافة المواضيع المتعلقة بالأكراد. وينتهي البث في ما بعد منتصف الليل ليكون الكرد على موعد صباحي مع الفضائية الكردية "ميزوبوتاميا"، التي تبث على القمر الأوروبي من بلجيكا ايضاً، والتي تقتصر برامجها على اللقاءات الثقافية والفنية، والتحقيقات التي تتابع حياة الأكراد اليومية، وعلى بث الأغاني الكردية المنوعة. وفي هذه المحطة اخذ برنامج "زمبيل فروش" شهرة واسعة ويكاد يكون في موقع الصدارة. إذ يقوم الفنان الكردي "ارمانج" بجولات على العالم يلتقي خلالها الفنانين والأدباء والشعراء الأكراد لينقل احاديثهم على الفضاء يوم السبت من كل اسبوع. وأرمانج هو في الأصل من المغنين الكرد، صاحب صوت متميز، وهو ايضاً إعلامي ناشط. قدم اخيراً الى بيروت ليلتقي الأدباء والفنانين والمثقفين والعائلات الكردية ولقاءاته عبر الفضائية الكردية "ميزوبوتاميا". لم تقف مهمته هنا فقط بل طالت ليلتقي بالمثقفين والمفكرين العرب لصالح الفضائية الكردية "ميديا" وأثناء وجوده في بيروت لتسجيل برنامجه، التقنياه وكان هذا الحوار: عرفناك عبر برنامجك المفضل لدى الأكراد "زمبيل فروش"، هل تود ان تتحدث لنا عن ابعاد ذلك البرنامج؟ - كما تعرف، كثير من نتاجنا الثقافي والفني ضائع. بحكم غياب الدولة او الجهة التي تهتم بأرشفة وتوثيق ذلك النتاج والتراث والأدب الشفهي يأخذ حيزاً كبيراً في اوساط الأكراد، ولا نعرف شيئاً كثيراً عنه، فقط نعرف كلاسيكية "احمد الخاني" صاحب الرواية مم وزين، وشاعر كلاسيكي كردي، لذا أردت ان اعطي وقتاً من حياتي للبحث عن ذلك النتاج وأقوم بتوثيقه وبثه عبر الفضائية "ميزوبوتاميا". فالأكراد يفتقرون الى الكثير، فالأدب الكتابي لا يوجد بين الأكراد، فمن واجبنا ان نبحث عنه وننقله لشعبنا عبر وسيلتنا الإعلامية وهي نعمة للأكراد. لذلك اخذ هذا البرنامج صدى كبيراً لدى شعبنا، الذي اصبح يعرف معنى الأشياء ويميزها ويعطيها قيمتها؟ نود أن تضعنا في صورة ما تطمح إليه فضائية "ميزوبوتاميا"؟ - نعم... "ميزوبوتاميا" بثت برامجها في عام 1999 وهدفها التعبير عن الثورة الإنسانية التي تنبعث من "ميزوبوتاميا" بلاد ما بين النهرين، وكما تعلم اذ في كردستان اكثر من قومية، هناك آشوريون وأرمن وعرب وتركمان وفرس وغيرهم من الأقليات، لذا فالتسمية "ميزوبوتاميا" اتت لتعبر عن كل هذه الثقافات، وهي فضائية ثقافية، لا تتناول المواضيع السياسية والإخبارية، ولا تستغرب ان مقدمي البرامج لتلك الثقافات من كل القوميات، فالآشوري هو الذي يقدم برنامجاً عن الآشوريين وكذلك الأرمن والعرب وغيرهم، ونطمح بأن ننقل صورة المحبة والسلام والإنسانية من "ميزوبوتاميا" الى العالم، نحن نعرف انه ليس من خلافات بين شعوب "ميزوبوتاميا"، وإنما الخلافات هي بين الأحزاب والسلطات، فلا خلافات جوهرية بين ثقافات تلك الشعوب، بل العكس هناك الصداقة والمحبة والأخوة. في الأصل انت "مغني" ومقدم برامج في "ميزوبوتاميا"، ما هو الشيء الذي يشغل بالك؟ - صحيح، منذ ان كنت في الدول الاسكندنافية لم أستطع ان امارس الفن، ولو انه يعذبني كثيراً، لدي 400 اغنية بحاجة للإنجاز ونقلها الى المستوى الجيد، لكن مهمتي في الفضائية اخذت مني كل وقتي وهذا ايضاً مهم، فأنا الذي اخترت هذا البرنامج "زمبيل فروش" وأحبه وأعرف مدى قيمته وأبعاده، صحيح اني اتعذب عندما اتجول في المدن والأرياف الكردية لإنجاز واستكمال برامجي، لكن العمل الذي انجزه مهم جداً بالنسبة للتراث الكردي الذي ضاع منه الكثير. مثلاً ما كان كل الأكراد ليعرفوا باقي خضر مغني كلاسيكي كردي من سورية وغيره لولا هذا البرنامج وكذلك خاجو مغني كلاسيكي ارمني يغني بالكردية وغايتي في الحياة ان اخدم هذا الشعب وأريد له ان يرى المستوى الحقيقي لثقافته وتراثه وفولكلوره وأدبه، لا أقف عند هذا البرنامج بل سأستمر وسأحاول أن أؤلف كتاباً بهذا الصدد. هل هناك مصاعب تواجهك؟ - نعم مصاعب كثيرة، فالبيئة الكردية لا تناسب امكاناتنا وتوجهاتنا على رغم ذلك نحن مستمرون، وكذلك من الجانب الفني، فكل امكنة سكن الأكراد لا تناسب تصوير حلقة او برنامج، وهذا ايضاً يعذبنا، كذلك مجرد رؤيتهم لتصوير ما نقوم به. يتعذبون ويفاجئون بما نقوم به، وكذلك المواصلات وموافقات السلطات، والبحث عن الأشخاص الذين نريد ان نلتقي بهم، كوننا نطمح لأن نقدم برنامجاً جيداً على سوية فنية مناسبة. ماذا عن نوعية البرامج التي تقدمونها وأين حصلتم على الرخص الفضائية؟ - فقط نركز على البرامج الثقافية والفنية والتراث، غير "ميديا" كونها فضائية، فهي تبث برامج سياسية وثقافية وفكرية والأخبار والمنوعات. "ميزوبوتاميا" مرخصة من الدانمارك وميديا مرخصة من بلجيكا ولهما فروع في كثير من الدول الأوروبية. باختصار، هناك نشاط على اطار واسع في اوروبا، وغيرها. ما علاقة القضائية "ميديا" ب"ميزوبوتاميا"؟ - في الحقيقة نحن - ميزوبوتاميا - استفدنا اموراً كثيرة من الفضائية "ميديا"، صحيح ليس لميديا عمر طويل، لكنها ساندتنا وشاركتنا في امور كثيرة وأنجزنا اشياء كثيرة بفضل "ميديا"، ومصدر تمويل واحد وهو الأكراد جميعاً، النساء والشباب الكرد يعملون ليرسلوا لنا المال كي يروا كردستان في الفضاء، كون كردستان على ارض غائبة. كما نعلم ان "ميديا" تعود الى حزب العمال الكردستاني؟ - في الحقيقة، الناس يفهمون ذلك، لكن هي تعبير عن طموح الشعب الكردي، وآفاقها من آفاق ذلك الشعب وكذلك حزب العمال الكردستاني ليس بعيداً عن هذا الشعب فالتداخل والمساعدة والمشاركة هكذا نراها. فضائية ميديا لعبت دوراً كبيراً في ايقاظ الوعي الكردي وكذلك العمالي الكردستاني، فأنا لست من العمالي الكردستاني، لكننا نلتقي عند هدف واحد هو "كردايتي"، فعندما ننقل اخبار الثوار ليس معنى هذا، اننا وحزب العمال واحد، النشاطات والحضور العمالي الكردستاني فرضت نفسها على فضائية "ميديا" بل وكل الفضائيات ووسائل الإعلام.