على رغم أن المخرج سمير سيف لا يتحدر من عائلة فنية، انجذب الى السينما باكراً. وكان دائماً يهتم بالقصة والممثلين، وحلم... الى أن وقع في يديه كتابان عن تاريخ السينما وطريقة صناعة الأفلام، فأدرك أن هناك شخصية خلاقة تحرك هذه الأعمال وقرر أن يصبح مخرجاً. وخطط لذلك بالقراءة ومشاهدة الافلام بعين جديدة. وعقب تخرجه في الثانوية العامة، التحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، لكنه لم يمكث فيها سوى ثلاثة اسابيع، ليتجه الى دراسة الاخراج في معهد السينما. واستطاع لاحقاً أن يثري الساحة الفنية بالكثير من الاعمال السينمائية والتلفزيونية التي لاقت نجاحاً كبيراً، وبلغ إجمالي ما قدمه الى السينما 24 فيلماً منها "دائرة الانتقام" و"غريب في بيتي" و"المشبوه" و"الغول" و"النمر والانثى" و"الهلفوت" و"المولد" و"مسجل خطر" و"شوارع من نار" و"آخر الرجال المحترمين" و"شمس الزناتي" و"الراقصة والسياسي" و"الزمن والكلاب" وغيرها، وقدم الى التلفزيون مسلسلات "سفر الاحلام" و"البشاير" و"الجوارح" واخيراً "أوان الورد"، والى المسرح تجربة وحيدة هي "حب في التخشيبة" الى جانب عدد من الأوبريتات في احتفالات تشرين الاول اكتوبر. "الحياة" التقته في غرفة الاخراج في معهد السينما، وحاورته في نقاط كثيرة: ما تعليقك على ما أثير من حول مسلسل "أوان الورد"؟ - أياً يكن رأينا في ما أثير، يعد مجرد إثارته ظاهرة صحية، وتأثيراته الايجابية أكثر بكثير من بعض الجوانب السلبية الطفيفة. ما ردك على الهجوم الذي تعرض له فيلمك الأخير "سوق المتعة"؟ - ما أثار كل هذا أن الذي اختار اعلان التلفزيون أو من صنع مقدمته هو السبب، إذ اقتطع كل ما هو مثير من المدة الإعلانية التي كانت من حقه، وهي ثلاث دقائق ونصف الدقيقة، فظن الناس ان الفيلم جنسي مثير. ولو عُرض الاعلان كما يجب لما حدث كل هذا. على خطى العالم دخول التلفزيون نظام المنتج المنفذ للأفلام السينمائية، هل هو في مصلحة الصناعة السينمائية؟ - هذا الاتجاه محمود في كل الاحوال، لسببين: انه يحدث في مختلف أنحاء العالم، وكل ما نراه من تطور في الافلام السينمائية العالمية ناتج من دخول التلفزيون شريكاً، ما يرفع بعض الضغط التجاري عن صانعي الأفلام ويتيح انتاج مواضيع قد تتصف بالجرأة أو التجريبية، لا يستطيع المنتج الفرد أن يقدم عليها. هل يمكن نظام الشراكة الذي استحدث أخيراً تفادي الأخطاء، إذ غلبت المصالح الفردية على النظام القديم، ولم تحقق غالبية الافلام ايرادات؟ - عدم تحقيق الايرادات ليس عيباً في النظام، بل في الأفراد، إذ اصبحت أموال الحكومة مستباحة، وهو ما حدث في القطاع العام السينمائي الذي اصيب بالافلاس بسبب هذا التفكير نفسه. ولو أخلص العاملون أو من أفادوا من هذه الفرصة، كما لو كانوا ينتجون بضميرهم، لحدث العكس. والشراكة محاولة جديدة لعلاج هذا النقص، لأنك في هذه الحال تعمل بأموالك فتكون أكثر حرصاً على أموال الدولة. نلاحظ ان غالبية أعمالك السينمائية والتلفزيونية من تأليف وحيد حامد وابراهيم الموجي، هل تميل الى التعاون مع مؤلف دون آخر؟ - قدمت مع وحيد حامد افلام "غريب في بيتي" و"الغول" و"آخر الرجال المحترمين" و"الهلفوت" و"مسجل خطر" و"الراقصة والسياسي" و"ديل السمكة"، ومسلسلات "سفر الاحلام" و"البشاير" و"الجوارح" و"أوان الورد". ومن تأليف ابراهيم الموجي قدمت افلام "دائرة الانتقام" و"المشبوه" و"المتوحشة" و"شوارع من نار" و"النمر والانثى". فالثنائيات الفنية أمر طبيعي ومعروف ليس في السينما فقط، وانما أيضاً في الموسيقى والغناء. وفكرة الفريق الفني او الثنائيات، عادية ولا تستدعي ان تكون موضع تساؤل. "شللية" هل ايمانك بالثنائيات ينطبق على ما يسمى ب"الشللية" في الأعمال الفنية؟ - "الشللية" تعني ان تعمل مجموعة ما بعضها مع بعض، بغض النظر عن الكفاية أوالملاءمة. وهي لم تظهر إلا في ما يتعلق بالممثلين، ويقصد بها الجانب السيئ للفريق الفني. فعندما أقول مثلاً: هذا فيلم تجاري، أقصد أنه عمل لا قيمة فنية له، لكنه صُنع ليدر اموالاً. و"الشللية" مثل الاعتزاز بالذات والغرور. إذا عرض عليك سيناريو فيلمين، ماذا يدفعك الى قبول احدهما ورفض الآخر؟ - انتقاء غريزي بحت، واشبه هذه المسألة بعلاقة الرجل بالمرأة. فهي إما تعجبك وإما لا. السيناريو يجتذبني غريزياً وبعد ذلك ألتفت الى ما في داخله. هل تصنف مشوارك الفني مراحل أو محطات؟ - لست مؤهلاً للحديث عن نفسي في شكل نظري، فلا أقول أنني مررت بالمرحلة الاكاديمية ثم التجريدية ثم... وهكذا. ولا اعتقد انني كنت مهتماً، في مراحل ما، بنوعية معينة أو مواضيع خاصة. فأنا ممن يطلق عليهم لقب "الفنان الانتقائي" الذي يمكن ان يقدم اعمالاً متناقضة في الاتجاه الفني في وقت واحد، أو يقدم نوعاً يليه آخر مضاد له أو في مجال مختلف. واعتقد أن هذا لا ينطبق على كثيرين في سينمانا العربية. كيف بدأت حياتك الفنية عقب تخرجك في المعهد؟ - عقب تخرجي، مارست النقد السينمائي في نشرات قصور الثقافة ونشرة نادي السينما في القاهرة، الى جانب المحاضرات في تلك القصور. وكنت بدأت العمل مساعدَ مخرج وانا في السنة الاخيرة من الدراسة مع شادي عبدالسلام في فيلم "المومياء"، ثم في "الفلاح الفصيح"، ومع يوسف شاهين في "الناس والنيل"، ومع يوسف فرنسيس في "زهور برية"، ومع حلمي حليم في "غرام تلميذة". ثم جاءت مرحلة حسن الامام في سبعة أفلام كان أولها "خللي بالك من زوزو" وآخرها "أميرة حبي أنا". ماذا عن فيلمك الروائي القصير الذي أخرجته قبل فيلمك الطويل "دائرة الانتقام"؟ - اثناء عملي مساعد مخرج، أخرجت أول أفلامي، وكان روائياً قصيراً لحساب التلفزيون المصري عن قصة يوسف ادريس القصيرة "مشوار"، وكان من بطولة حمدي احمد، وبالأبيض والأسود، ومدته 40 دقيقة. ونلت عليه جائزة أحسن اخراج وأحسن سيناريو في مسابقة وزارة الثقافة للأفلام القصيرة والتسجيلية عام 1973. دور نور الشريف كيف سنحت لك فرصة إخراج فيلمك الروائي الأول "دائرة الانتقام"؟ - ارتبطت ونور الشريف بصداقة عميقة عندما كان يقوم ببطولة فيلم "السكرية" وكنت مساعد مخرج. فكر يومها في انتاج افلام يعبر بها عن نوعية أدواره التي اشتهر بها، وكنت أفكر في الانتقال الى اخراج الافلام الطويلة فالتقت رغبتانا. وأنتج الشريف الفيلم وعُرض عام 1976، وهو يعد نقطة تحول ليس بالنسبة إلي وانما للسينما الشابة في مصر، إذ قبل ذلك كانت النظرة الى شباب السينما في اوساط الصناعة أنهم قد يقدمون سينما جديدة فنياً، لكنها غير جماهيرية على الاطلاق، فضلاً عن أن إسناد فيلم الى مخرج شاب آنذاك كان مسألة صعبة. فجاء الفيلم ليؤكد أن في الامكان تقديم فيلم جيد فنياً ويحقق نجاحاً جماهيرياً ساحقاً. وقد استمر عرضه 25 اسبوعاً متواصلاً. وبعده تغيرت نظرة الصناعة، فظهر عدد كبير من المخرجين الشباب، تماماً مثلما يحدث اليوم مع الممثلين الشباب. هل جيلكم أكثر حظاً من الجيل الحالي من المخرجين الشباب، لعدم حصوله على فرصتكم نفسها؟ - ظروف الصناعة نفسها تؤخر ظهور المخرجين، وقلة الانتاج السينمائي تحد من فرص شباب الخريجين في الاخراج للسينما. لكن هذا لا يعني بطالة، إذ تعددت وسائل العمل في الاعلانات والفيديو كليب والمحطات التلفزيونية، الأمر الذي لم يكن متاحاً في أيامنا، وكنا نحارب لاقتحام اسوار عالية، وصناعة شبه مغلقة على ذاتها. ما رأيك في سينما اليوم؟ - عندما تحقق الأفلام احياناً نجاحاً ساحقاً، يجب أن نتوقف عند تحليلها فنياً ونبدأ بتحليلها اجتماعياً، فتصبح ظاهرة اجتماعية لا فنية، لأن للفن قواعد ومعايير للحكم، قد لا تنطبق على الكثير من الاعمال المقنعة. ولكن ما تفسير هذا النجاح الذي أقدره شخصياً ما دام هناك عمل نجاح؟ لأنه بالطبع مسّ وتراً لدى الجمهور، وكثيراً ما يكون هذا الوتر أو الجانب تعبيراً اجتماعياً أكثر منه فنياً. ما قولك في ما يتردد ان على جيل الممثلين القدامى تسليم الراية الى الجيل الجديد؟ - دورة الحياة الفنية متصلة، ولا يمكن أن يقوم جيل لم يتأثر بمن سبقه، والجيل المقبل لا بد من أن يتأثر بالحالي وهكذا. قلة نادرة من الفنانين تستطيع ان تظل مؤثرة وفاعلة، عقوداً عدة، مثل شارلي شابلن وألفرد هيتشكوك ومحمد عبدالوهاب. والاتجاه العام ان الأجيال تسلم بعضها بعضاً، وأن اقصى مدة ازدهار للفنان عموماً، ما لم يكن غير عادي، تتفاوت بين10 أعوام و15. حال خاصة هل تأثرت بمن سبقك من المخرجين؟ - أنا أُعد حالاً خاصة لأنني هاوي سينما وأعشق مشاهدة الأفلام حتى هذه اللحظة، ومحب ودارس السينما المصرية القديمة والعربية والاميركية. وعندما تشاهد أفلامي لن تجد أنها تشبه أفلام الآخرين لكن هذا لا يمنع أن الجميع أثروا فيّ. فأنا بدأت بعشق من سبقوني لا بالهجوم عليهم. من وجهة نظرك ما مقومات المخرج الجيد؟ - قبل حضورك اليّ بخمس دقائق كنت اقول للطلبة ان الاخراج 40 في المئة منه معرفة تقنية، و60 في المئة شخصية، بكل ما تضمه الشخصية من معرفة وذوق وثقافة وقدرة على القيادة والاتصال بالآخرين. فالحرفة أو التقنية متاحة للجميع، أما ما يفرق بين فنان وآخر فهو الشخصية. ما الذي يميزك؟ - لا تطالبني بأن أكون محللاً لذاتي، صعب أن يتجرد الانسان ويصبح شديد الموضوعية. ولكن ما يميزني انني حين اقدم على صنع فيلم، أحرص على أن يكون في مستوى الافلام التي أعجبتني والتي أجد متعة في صنعها، وأتمنى ان يجد الآخرون متعة في مشاهدتها. ومهما بلغ تأثر الانسان او عشقه، يبقى الفن الحقيقي، في النهاية، تعبير فردي خاص عن الشخصية صاحبة العمل بكل مكوناتها الثقافية والحياتية والفكرية. وهو أمر يختلف فيه كل شخص عن الآخر اختلاف البصمة. هل تختلف التقنية في التلفزيون عنها في السينما؟ - في تقديري ان الاختلاف الحقيقي يكمن في التأليف واختيار نوعية المواضيع وطريقة المعالجة. أما من ناحية الاسلوب الفني الاخراجي فالمسألة تضيق تدريجاً في العالم كله، لأن الوسائل واحدة. فأنت في الاثنين تستخدم الكاميرا والتكوين والمونتاج والموسيقى التصويرية والاضاءة والديكور، والفرق انك تستخدم في التلفزيون أكثر من كاميرا، وهو أمر يسهل التكيف معه. في تكوين كادرك السينمائي هل تحرص على شيء ما، أم تترك الأمر لطبيعة المشهد؟ -الإخراج عموماً وتكوين الكادر خصوصاً، كي يكون فاعلاً، يجب أن يعبر عن محتوى المشهد. وتفضيلي الخاص هو البساطة العميقة. هل ترتاح الى التعامل مع ممثلين معينين؟ - أنا من المخرجين الذين يحبون الممثلين ولا يتنافسون معهم وأحرص على أن يظهر كل ممثل أو ممثلة في أفضل صورة ممكنة. وعندما يشعر الممثل أن المخرج يحبه ويحرص على مصلحته تصبح العلاقة بينهما أفضل ما يكون. لذا تتصف علاقتي بالممثلين بالمودة والراحة وعدم التوتر. ما رأيك في ظاهرة بيع "نيغاتيف" الافلام؟ - الموضوع اقتصادي في أساسه، وما دمنا نتجه الى الحرية الاقتصادية فالموضوع نظرياً لا غبار عليه. يبقى الجانب الوحيد الذي يهمنا هو أن الافلام، الى كونها سلعة اقتصادية، هي إنتاج ثقافي يعبر عن مراحل المجتمع المختلفة. من هنا فإن الحفاظ عليها أو على نسخة منها في أيدي المؤسسات الثقافية أمر ضروري. وهذا يمكن التوصل اليه بتشريع بسيط يحفظ للمجتمع حقه الثقافي ولأصحاب الافلام حقهم التجاري الخاص. أين يكمن الاختلاف الحقيقي بين سينمانا وسينما الغرب؟ - أؤمن، منذ زمن بعيد، برأي قرأته للدكتور زكي نجيب محمود هو أن "هناك فرقاً بين الفن والعلم بالنسبة الى العالمية. فالطب هو نفسه في اليابان وافريقيا واميركا، كمثل الذرة والكيمياء، لكن الفن ليس له هذا الوضع لأن ما يطربني ويؤثر في قد لا يطرب المستمع الغربي أو يؤثر فيه والعكس صحيح". السعي الحثيث الى المسألة العالمية، من وجهة نظري، يجب أن يوضع في إطاره الصحيح وهو أن تعمل أولاً لبيئة ومجتمع ثقافي معين تؤثر فيه تحديدات ثقافية معينة، فتبدأ بالتعبير والتأثير في مجتمعك، لا العكس. ولا بد من أن تبدأ من هنا مثلما حدث مع نجيب محفوظ حين ترجمت أعماله الى الغرب فوجد فيها أمراً أشمل من البيئة المحلية، وكان أن نال نوبل للآداب، علماً أنه لم يبدأ الكتابة من أجل هذه الجائزة العالمية. ما الهموم والقضايا الفنية التي تؤرقك وتلح دوماً عليك؟ - لست من أصحاب الكلمات الكبيرة والرؤى المتضخمة وممن يحاولون إلباس اعمالهم ثوباً فكرياً غير متحقق فيها. أفضل ان أعبر عن هواجسي وأفكاري من خلال رسائل صغيرة غير مباشرة متضمنة في ثنايا العمل الذي كثيراً ما يبدو بسيطاً في خارجه. هل يمكن ان نراك مخرجاً لفيلم من بطولة محمد هنيدي أو علاء ولي الدين أو أي من الممثلين الجدد؟ - ممكن... وفيلمي الاخير "ديل السمكة" عقدت بطولته لثلاثة وجوه جديدة: حنان ترك وعمرو واكد وساري النجار وكوكبة أخرى من الممثلين المعروفين، ولكن في أدوار مساعدة. ماذا تمثل الجوائز بالنسبة اليك؟ وهل يمكن المراهنة عليها؟ - حصلت على الجوائز في وقت كنت احتاج إليها. فعن فيلمي القصير الأول نلت جائزتين، وعن "دائرة الانتقام" جائزة أفضل إخراج، ما مكنني من تثبيت قدمي جيداً في الصناعة السينمائية. بعد ذلك اصبحت الجوائز التي تحصل عليها أفلامي، حتى في غير مجال الاخراج، بمثابة جوائز لي. وانا أؤمن بأن الاختيار او المعيارالحقيقي لبقاء الفيلم او كلاسيكيته هو اختيار الزمن. فهناك افلام هوجمت عند ظهورها واصحبت كلاسيكية يقبل عليها الجمهور بعد مدة، واخرى دبجت في مدحها آلاف الصفحات عند ظهورها... اصبحت نسياً منسياً. واختيار الزمن هو ما أراهن عليه.