حاول الاميركيون كثيراً، لكن اللعبة الاكثر شعبية في العالم لا تزال غريبة في بلد يعتبر كرة القدم لعبة شيقة اذا مورست بكرة بيضوية الشكل وارتدى لاعبوها خوذة لحماية الرأس ودشموا اجسادهم بمستلزمات تعينهم على تحمل الارتطامات والاصطدامات، واكثر من ذلك ان على اللاعبين حمل الكرة بأيديهم والجري بها. هذه هي كرة "القدم" الاكثر شعبية في الولاياتالمتحدة، لكن كرة القدم التي يعرفها العالم والتي سيتسمّر الملايين لمشاهدتها بعد أسابيع قليلة في كوريا الجنوبية واليابان، هي ما يسميها الاميركيون "سوكر". لكن، ما هو سبب فشل البلد الذي تسيطر سياسته واقتصاده على العالم في ان يكون له منتخب كروي يحسب له ألف حساب في المحافل العالمية... وعلى رغم ان الولاياتالمتحدة من اوائل المنتخبات العالمية التي شاركت في نهائيات كأس العالم حين بدأت عام 1930، ولعبت في 5 مونديالات أخرى فضلاً عن المونديال المقبل وهذا سجل يفتخر به اعتى المنتخبات العالمية؟ الماضي موجود والنية متوافرة، وتزيد الحيرة إذا علمنا أن 18 مليون اميركي يمارسون اللعبة التي يسمونها "سوكر"، وهو العدد الاعلى في العالم في بلد واحد، بحسب الارقام المعتمدة من الاتحاد الدولي للعبة فيفا. يجيب المدافع اليكسي لالاس احد ابرز اللاعبين الاميركيين خلال العقد الماضي عن ذلك السؤال المعقد: "من الصعب تقبل الاميركي محترفاً لكرة القدم حول العالم لان الجميع ينظر الينا بعين النقد والشك، وكل اميركي خاض تجربة الاحتراف في اوروبا لديه قصص شخصية محرجة ومرعبة عن زملاء له في الفريق رفضوا التعاون معه وتمرير الكرات له اثناء المباريات لانه اميركي... والحال ستستمر هكذا الى ان نحقق انجازاً يبدل هذه النظرة". حاول مسؤولو الكرة في الولاياتالمتحدة بكل جهدهم غرس بذور اللعبة بين ابناء شعبهم فروجوا لها بكثرة واضفوا اهمية خاصة لها في المحافل الدولية واستضافوا اكبر عرس عالمي للعبة مونديال 1994 واسسوا دورياً احترافياً محلياً قبل 6 سنوات ميجر ليغ سوكر، الا ان النتائج حتى الان قد تكون مقبولة لكنها ليست رائعة. وبما ان فرص انعاش اللعبة في الولاياتالمتحدة تتأثر بنتائج المنتخب على الساحة العالمية، فان المدافع الدولي جف اغوس يتذكر ايامه الاولى مع المنتخب في أواخر الثمانينات "كنا ننزل الى ارض الملعب، ونأمل بأن لا يستهزئ بنا احد من الفرق المقابلة. حينها كنا نلعب ضد فرق محلية متواضعة، اما الان فاعتقد ان الامر تحسن لكننا محلياً لم نتقدم الى مستوى عالم الاحتراف المطلوب". ويعتقد اغوس ان سببين يعيقان ازدهار اللعبة في الولاياتالمتحدة احدهما ظاهر وواضح، وهو شعبية العاب اخرى مثل كرة السلة والبيسبول وهوكي الجليد وكرة القدم الاميركية التي طغت على محبي الرياضة وقلصت فرص بروز اي لعبة اخرى غيرها. اما السبب الاخر فأعمق واكثر تأثيراً، وهو الاختلاف الثقافي والحضاري بين الشعب الاميركي والشعوب الاخرى. وحاول عالما نفس اميركيان تفسير سبب عدم اقبال الاميركيين على اللعبة الاكثر شعبية في العالم في كتاب صدر لهما بعنوان "تسلل: كرة القدم والاستثناء الاميركي" الذي تطرق الى امكان ان تجد كرة القدم مكاناً لها في الولاياتالمتحدة. وبعد اكثر من 300 صفحة من التحليل كانت خلاصة العالمين: "لا". ولم تكن هذه الخلاصة مفاجئة لمدرب المنتخب بروس ارينا، الذي يكافح من أجل جعل قوة منتخب بلاده مساوية لما تمثله السياسة والاقتصاد من قوة عالمية، ويتطلع لبناء اسس صحيحة يبني عليها صغار السن آمالهم، لكن احلام ارينا اصطدمت دائماً بجدار من الجهل وابواب مقفلة "حضرت اجتماعات كثيرة في السنوات الثلاث الماضية لنشجع صغار السن على ممارسة اللعبة بالطريقة الصحيحة ولم نحقق اي تقدم... لو كان مايكل اوين بدأ مسيرته هنا اشك في انه كان سيحقق ما حققه، لدينا ناشؤون دون سن ال13 اعتقد انهم من بين الافضل في العالم لكن مواهبهم تتضاءل مع تقدمهم في السن لان رعايتهم شبه معدومة". وعلى رغم استحداث دوري المحترفين الذي يضم 12 نادياً لكن كلاً منها لا يملك فرقاً للشباب او نظاماً لتطوير الناشئين، فيستعان بالخبرات الاجنبية لان المستوى المحلي لا يتعدى مستوى الهواة في اوروبا. وينقسم المجتمع الاميركي في ميوله للعبة، فالاكثر اقبالاً عليها هم من ذوي الاصول اللاتينية والايطالية اما البقية فلا تعنيهم، حتى على صعيد متابعة مباريات المنتخب فان الحضور والتشجيع يظلان متواضعين. فخلال رحلة التصفيات الاخيرة المؤهلة لكأس العالم لعبت الولاياتالمتحدة مع هندوراس في واشنطن، وحضر المباراة نحو 55 الف متفرج، كان 70 في المئة منهم من انصار الفريق الضيف! وبرر النقاد ذلك بان اقامة المباريات في واشنطن خطأ لان المدينة متعددة الحضارات وليست اميركية خالصة. واضاف ارينا: "حتى المدن الاميركية الاخرى التي تساند المنتخب قليلة مثل كولومبس وبورتلاند، واصبح افضل لنا ان نلعب ضد المكسيك في مكسيكو من ان نلتقيهم في لوس انجليس المكتظة بالمكسيكيين". وقال مازحاً: "مع تعدد الثقافات والحضارات عندنا باتت افضل فكرة لجذب الجماهير هي ان استدعي لاعبين من خلفيات مختلفة بغض النظر عن قدراتهم". وعن الامل في انتعاش اللعبة في الولاياتالمتحدة، قال: "ربما يوماً ما... لقد توقع الخبراء ان تأخذ اللعبة شعبيتها بعد 20 عاماً... وكان ذلك قبل 20 عاماً".