صدر اخيراً عن دار الجمل كولونيا، ألمانيا كتاب "المرأة والعولمة" لكريستا فيشتريش في ترجمة سالمة صالح. والكتاب في مجمله ليس فقط مقاربة لوضعية المرأة في زمن العولمة، ولكن للمجتمع الإنساني ككل. وهو لا يحاول دفن الواقع الراهن بنظرية حديدية، بل ينقل واقع المرأة بأمانة، ومن خلالها الواقع الإنساني ككل، سواء في الدول المسماة بالديموقراطية ام في دول العالم الثالث. إنه كتاب يرصد حركة الرأسمال العمياء التي اكتسحت في طريقها حقول السياسة والمجتمع، وبدأت تهدد ليس فقط المكتسبات الاجتماعية لدولة الرفاه بالغرب او للدول الاشتراكية سابقاً بشرق اوروبا والعالم الثالث، ولكن ايضاً الديموقراطية والحرية الإنسانية. وإذا كانت "الرأسمالية التوربينية" قد اكتسحت كل القيود الأخلاقية التي كانت تقف ضد عمل المرأة الخارجي، فإن ذلك لا يمثل بالضرورة فعل تحرير للمرأة، لأن ذلك جرى دائماً ضمن علاقات عمل منخفضة الأجور وغير مضمونة. فإذا كانت الأممالمتحدة تتحدث عن تأنيث التشغيل، فإنها تشير ايضاً الى الثمن الذي تدفعه النساء والذي يتمثل في ظروف عمل سيئة اشبه بمعسكرات الاعتقال، كما هو الشأن في شركة نايك الأميركية في فيتنام إذ هناك حقوق مهضومة، وتحرش جنسي، وتهديد للصحة. و"كلما زاد ضغط تأمين العيش وعدم وجود بديل بالنسبة الى النساء، كلما اصبحن اكثر طواعية في قبول اكثر ظروف العمل بؤساً وأكثر قابلية للابتزاز وأكثر طاعة في موقع العمل. لقد خرجت المرأة من نظام أبوي تقليدي، ذي بنية ثقافية ودينية، الى نظام ابوي جديد اشد شراسة، هو الرأسمال. إذ كما تقول الكاتبة: "تصطاد اتحادات الشركات كما يحلو لها على طريقة رعاة البقر القوى العاملة الأنثوية الرخيصة" ص36 ذلك ان النساء بنظر ارباب العمل اكثر مرونة من الرجال، والمرونة هنا تعني القبول بأجر اقل والطاعة العمياء، وهذا ما يمنح السؤال الذي طرحته الكاتبة مشروعيته: عمل المرأة، اهو ضربة تحرير ام عمل قسري؟ وإضافة الى ذلك، فإن العمل المأجور خارج المنزل لا يؤدي الى تغيير في تقسيم العمل داخل العائلة، بل ان النساء تتحمل اضافة الى عملهن في الخارج عمل البيت ايضاً. وتشير الكاتبة ايضاً الى الاستغلال الرأسمالي للجسد الأنثوي الذي تحول الى صناعة عالمية، فعصابات تجارة النساء هي شركات عالمية تحقق ارباحاً تبلغ المليارات، وترى الكاتبة ان "تجارة النساء هي جزء متكامل للجريمة المنظمة عالمياً، والمرتبطة غالباً بتجارة المخدرات والسيارات. كثيراً ما يدفع ثمن السيارات في اوروبا الشرقية بالنساء" ص 88 كما ان اغلب عاهرات شارع القيصر في فرانكفورت هن من العالم الثالث وخصوصاً من جمهورية الدومينيكان، ولا ينظر الى هؤلاء النساء كبشر ولكن كعبيد او بالأحرى كبضاعة. انها ضريبة الخروج من رحمة السماء الى رحمة السوق.