أنا وزميلي في العمل، وهو عربي مثلي، يخدم في محل خضار صغير في وسط باريس. صاحب العمل اشترط علينا ان نرفع هامش الربح بنسبة 10 في المئة، وإلا... السيد لوكير، صاحب العمل ومعنى اسمه "القلب" يختصر الربح الى "هامش". ربما لأن لغة المال تميل الى الرمز. وهو يأتي كل يوم ليذكرنا بالهامش "لامارج"، بالفرنسية. ومسؤول المبيعات يأتي كل يوم ويذكرنا بالهامش. والمحاسب لا ينسى واجب التذكير. ولم يكن أمامنا - أنا وزميلي العربي - إلا السمع والرضوخ ثم الكدح. كنا نعمل 14 ساعة في اليوم، تتخللها ساعة للأكل. كنا نعمل يومي السبت والاحد. وحين يكون القوم نياماً كنا نعمل، وحين يكونون قعوداً كنّا نعمل. سبعون ساعة في الاسبوع، في ذروة البرد، نعمل من أجل المحافظة على سُمو ورصانة الهامش. ولكن شهر كانون الأول نوفمبر برده قارص. والناس يفضلون شراء هدايا بدلاً من شراء البصل والجزر. فما ذنبنا إذ انخفضت المبيعات، وانخفض الهامش؟ وهُم، أصحاب العمل، يعرفون هذا. ولكن ينبغي دائماً التذكير بهذه الكلمة السحرية الساحرة، للحفاظ على وتيرة العمل. عمل ستاخونوفي مقابل أجر سبارتاكوسي. وكلمة هامش وحدها كفيلة بتلطيف توتر هذين الحدّين. شعرت بدوار عابر وسط الفوضى والخضار المبعثرة، وتناوب عليّ أسى وغبطة. تأسيت لأني تخاصمت مع عامل يائس مثلي، وعربي مثلي. لكن الغريب في الأمر ان صادق، زميلي الذي ضربته، حين هاتف المسؤول، قال له: "حميد كسّر الميزان". ونسي ان يقول إنني كسرت رأسه. وأعفوني من العمل. استدعاني السيد لوكير الى مكتبه مستفسراً عن سبب تحطيمي ميزاناً، ثمنه 30 ألف فرنك. لم يكن عندي حجة دامغة. فحكيت له حكاية الفيل الهندي يسيّره منبوذ يمشي خلف جندي بريطاني في قافلة طويلة يقودها ضابط يأتمر بأمر نائب الملكة على الهند، وهذا بدوره تأْمره صاحبة الجلالة، فيكتوريا. هكذا يسير العالم في قافلة. وأنا لم أكسر الميزان. أنا رميت عليه صادو، الذي رماه مومو عليّ، وأنت يا سيّد رميت مومو وصادو عليّ وعلى الميزان. من أجل الهامش. باريس - عبدالحميد عبود