يبدو ان التطور التكنولوجي شرع في استدخال تقاليد اجتماعية لم يفترض تشكلها وجود تقنيات حديثة. القصة تبدأ من مصر دائماً، فالمصريون اكثر قدرة على الدمج الخفيف بين اوضاعهم الاجتماعية والتقنيات الرقمية... انها الخاطبة الالكترونية. عادت "الخاطبة" من جديد، ولكن في ثوب عصري يتماشى مع التطور التكنولوجي، من خلال موقع على الانترنت يدعى "الخاطبة أون لاين"، يتيح للشباب من الجنسين، الراغبين في الزواج، فرصة التعارف والدردشة عبر الانترنت، ولكن الأمر يحتاج إلى الجرأة، خصوصاً من الفتيات في المجتمع الشرقي. هل تثمر هذه الفكرة عن زواج ناجح في الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الشباب حالياًَ؟ أم ان سبب انتشار مثل هذه المواقع هو تأخر سن الزواج في مصر، ما يجعل الكثيرين غير قادرين على التقدم للزواج ويعانون ضعف الامكانات؟ استطلعت "الحياة" آراء عدد من الشباب وخبراء علم الاجتماع للتعرف الى آرائهم في هذا الموضوع. عماد محمد حسين محاسب قال: "الخاطبة الالكترونية تغيب عنها سمة الجدية اذ يُقبل زائرو تلك المواقع على الدردشة واللهو فقط، وأظن أنها تعبر عن حال جديدة، فضلاً عن أن دور الخاطبة في شكل عام حتى لو لم تكن الكترونية غير مستحب إلا عندما تضيق الظروف تماماً". ويضيف: "اللجوء إلى الخاطبة الالكترونية تعبير عن قلة الحيلة أكثر منه تعبيراً عن فهم صحيح لمسألة الزواج، التي يجب أن تتم عبر ظروف تسمح بمعرفة طبيعية وأكثر جدية، لا سيما انه عندما تتم المحاولة من طريق الخاطبة يظل الطرفان يتذكران دائماً السبب عند نشوب الخلافات، ويشتد تذكرهم لها كلما ساءت العلاقات". أما ممدوح ماجد طالب في السنة النهائية في المعهد الصناعي في جامعة حلوان فقال: "إن دور الخاطبة نشأ لصعوبة العلاقات بين الشباب، وكان مفترضاً أن ينحسر هذا الدور تماماً إلا في حالات استثنائية، لكن، في غياب حواجز لإقامة علاقات بين الشبان والشابات، ظهرت حواجز أكثر قسوة، أي تلك المتعلقة بالظروف الاقتصادية الصعبة، ومن هنا وجدت الخاطبة لنفسها دوراً مستجداً لأسباب أخرى". ورفضت هدى محمد طالبة الهندسة فكرة عودة الخاطبة بكل أشكالها واعتبرتها اسلوباً غير حضاري، وقالت: "إن الزواج شراكة قائمة على الاقتناع والقبول والحب، وليس من طريق الخاطبة التي تعمل تحت شعار "يا بخت من وفّق راسين في الحلال" من خلال عرض مؤهلات العروس والعريس وكأنها تدير مزاداً". أما فوزي محمود طالب الإعلام فيوافق على فكرة الخاطبة حالياً شرط أن يقوم بدورها أحد الأقارب. ورفض فكرة انتشار مراكز الزواج وإعلانات الصحف والمجلات، لأنها تدفع الشباب الى أن يعرضوا أنفسهم في شكل قد يكون مبالغاً فيه. وقال وليد ألبير دبلوم تجارة إن الخاطبة من علامات التخلف وتوجد حالياً في بعض الأحياء الشعبية فقط، لكن تأخر سن الزواج لدى الشباب في مصر حالياً وضعف الإمكانات وعدم توافر وظيفة مستقرة تؤمن حياة زوجية سعيدة جعلها تزدهر من جديد. الآباء والامهات اختلفوا حول هذه الظاهرة. اذ أكدوا أن الزيجات الناجحة تتم من طريق الخاطبة بموافقة الطرفين، وفضلوا أن تكون الخاطبة من داخل العائلة للتعرف الى كل النواحي الاجتماعية والاقتصادية من دون أي مبالغات. وقالت استاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس الدكتورة سامية خضر صالح إن هناك اسباباً أدت إلى ظهور "الخاطبة" من جديد. فهناك فتيات لا تتيح لهن ظروف العمل التعرف الى الزملاء، والاحتكاك بهم، كما أن هناك بعض العائلات المتشددة ليس لديها فرصة التعرف الى عائلات أو اصدقاء، ما يقلل فرص الارتباط والزواج. من ثم أصبحت المشكلات بين المتزوجين حديثاً سبباً قوياً في تراجع كثيرات ممن يلعبن دور الخاطبة في العائلات، فيحجمن عن التدخل في أي مشروع زواج، ويقول البعض "امشي في جنازة... ولا تمشي في جوازة"، كما أن دور الخاطبة لا يمكن أن ينتهي لأنه إحدى الوسائل المهمة لدى بعض عناصر المجتمع الشرقي، لا سيما أن الزواج المرتب من قبل لا يزال موجوداً حتى الآن ومعترفاً به. أما الدردشة عبر الانترنت، فالسمة الواضحة لها عدم الجدية المطلوبة في الزواج، وقد تحدث في بعض الاحيان مفارقات وطرائف، وذلك لأنها تفتقد عنصر المقابلة الشخصية المباشرة.