تواجه آلة القانون شبح الاندثار في إطار تراجع الأغنية الشرقية الأصيلة وسيطرة الآلات ذات الإيقاع الغربي. فقد أصبحت صناعتها محدودة، مع أنها كانت تحتل مكان الصدارة في التخت الشرقي الذي قال عنه أمير الشعراء أحمد شوقي: "غنى على القانون حتى غدا/ من طرب يهز عطف الجليس/ فصاحت الجلاس عجباً به/ يا صاحب القانون أنت الرئيس". لمعرفة خلفيات المسألة، قصدنا حلمي الشيشنجي الذي يعتبر أشهر مَن تخصص في صناعة القانون في مصر والوطن العربي وهو عازف القانون في الإذاعة المصرية وأكاديمية الفنون. يقول الشيشنجي ان صناعة آلة القانون هي علم في المقام الأول، فلا بد من أن تكون لدى الصانع معرفة بعلوم الميكانيكا وحساب المثلثات. فالقانون هو شكل هندسي على هيئة شبه المنحرف، يخضع لقانون المتواليات العددية. والقانون الذي يصنع ويباع في شارع محمد علي في وسط العاصمة القاهرة، المعروف بأنه شارع الموسيقى وصناعة الآلات الموسيقية في مصر، ليس على المستوى المطلوب إذ يتم تصنيعه حالياً بنوعيات رديئة من الأخشاب. ظهرت آلة القانون في تركيا، وانتقلت الى الاندلس ثم الى مصر حيث اضاف إليها المصريون زيادة المساحة الصوتية وعدد المقامات الى 26 مقاماً. وعرف المصريون القدماء احد أشكال القانون وهو الهارب، وقد نقشت صورته على جدران المعابد الفرعونية. وظل القانون الآلة الأولى في التخت الشرقي. وتتكون آلة القانون من الصندوق المصوت، وله وجه وظهر ويصنع من خشب الزان المارتيكا الذي يستورد من رومانيا. ويوجد في داخله "الدوامتيس" التي تقوم بتوصيل النغمة ونقلها من وجه الآلة الى ظهرها وتصنع من خشب السويد. وتقوم بتكبير صوت الأوتار عند العزف عليها ما تسمى "الرقمة" التي تصنع إما من جلد السمك "الدُّقماق"، أما من جلد حيوان اللاما الباكستاني. وهناك "الرقمة" البيضاء وتنفرد بها شركة الشيشنجي. ويخرج الصوت من فتحات في وجه آلة القانون وتسمى "الشماسي". وتوجد على وجه الآلة "العُرب"، وهي قطع من النحاس تمكن العازف من تغيير النغمات، أما "الملاوي" فتصنع من خشب الشوم السويدي، ويتم شد الأوتار عليها بقوة، بحسب النغمة المطلوبة. وتوجد الأوتار على منطقة الفرس، ولكل منطقة صوتية اوتار خاصة بها، فهناك منطقة الجوابات ذات الأصوات الحادة ومنطقة القرارات ذات الأصوات الغليظة ثم منطقة "قرار القرار" وهي أيضاً ذات أصوات غليظة. ويختلف محدد الأوتار من آلة لأخرى. فبعضها يحتوي على 66 وتراً والبعض الآخر يحتوي على 72 أو 78 وتراً وأحياناً أخرى تحتوي آلة القانون على 84 وتراً وهي التي قام الشيشنجي بإضافتها، والأوتار لا تصنع في مصر وكانت المانيا هي البلد الوحيد الذي يصنع أوتار الآلات الشرقية إبان حكم هتلر، ولكن هذه المصانع دكت واندثرت في الحرب العالمية الثانية، وكانت تستخدم فيها أمعاء القطط والأغنام والماعز وهي فكرة مأخوذة عن عملية التحنيط لدى قدماء المصريين. ويبقى السؤال: ألم يحن الوقت كي نسهر على هذه الآلة الفريدة التي تختزل وحدها جزءاً أساسياً من تراثنا الحضاري والموسيقي؟