تعقد القمة العربية في ظروف بالغة التعقيد على المستويات الدولية والاقليمية والقطرية، ما يثير في ذهن المواطن العربي اسئلة جارحة عن القرارات المطلوب اتخاذها والاستراتيجية العربية التي يمكن ان تضعها هذه القمة لتتحمل من خلالها مسؤوليتها التاريخية تجاه تحديات المرحلة. وتبرز في هذا الصدد ثلاث مجموعات من الاسئلة على الاقل يصعب على قادة القمة تجاهل سماعها وان حاروا في ايجاد اجوبة لها. المجموعة الأولى من اسئلة المواطن العربي هي تلك الخاصة بموقف القمة من الهجمة الاميركية على المنطقة وهويتها الحضارية باسم "محاربة الارهاب". والمجموعة الثانية تتمحور حول مدى قدرة القمة على التوصل الى معادلة اكثر عدالة وأقل مهانة بين المقاومة العظيمة للشعب الفلسطيني والمشاريع الهزيلة للتسوية. أما المجموعة الثالثة من الاسئلة فتتعلق بموقع المواطن العربي على جدول اعمال القمة والدور الذي يمكن ان يضطلع به هذا المواطن في مواجهة المحنة التي يمر بها الوطن العربي شعوباً وانظمة. اذا بدأنا بقراءة المجموعة الاولى من الاسئلة التي تدور في خلد المواطن العربي في هذه اللحظة الحرجة يمكن طرحها بالصيغة التالية: هل ستنشغل القمة العربية عن شعوبها بمحاولة اثبات الولاءات والنوايا الطيبة تجاه حرب اميركا والموقف من تحالفاتها، ام انها ستكون قمة تدرك بأنها تتميز عن غيرها من القمم العربية السابقة بكونها تعقد في ظروف لم تعد فيها الولاياتالمتحدة تميز بين انظمة معتدلة او صديقة واخرى، ما يوسع في رقعة القاسم المشترك بين الانظمة المجتمعة باعتبار انها كلها تواجه مصيراً مشتركاً قد يقتلعها واحداً واحداً اذا لم تتخذ موقفاً محدداً من هذه الحرب يحد من استهدافها للمنطقة. هل يمكن لهذه القمة ان تقف في وجه حملة العولمة الاميركية للمكارثية الموجهة ضد المنطقة التي تحاول ان تجعل من العداء للاسلام بديلاً مناسباً للعداء السابق للشيوعية الذي اندثرت مبرراته مع سقوط الاتحاد السوفياتي خصوصاً ان النظام الرأسمالي يتغذى على مثل هذه العداءات للآخر المغاير؟ ام هل يوجد على الاقل على اجندة هذه القمة موقف بضرورة ايجاد خطة عمل مشتركة لمواجهة هذه المكارثية الجديدة؟ هل ستبحث هذه القمة في الكيفية التي تمكنها من مواجهة "الخوف من الاسلام" اسلاموفوبيا والخوف من الاتهام بالارهاب، ام انها ستكتفي بتأكيد الكيفيات التي تثبت بها الدول العربية حسن السيرة والسلوك للادارة الاميركية؟ هل سيكون هناك اجماع عربي على المطالبة بعقد مؤتمر دولي لتعريف الارهاب، واجماع عربي على التمييز بين المقاومة المشروعة دفاعاً عن الارض والنفس وبين الارهاب بما فيه ارهاب الدولة الصهيونية، ام سيتمحور اللقاء على محاولة كل نظام عربي اثبات انه شريك للولايات المتحدة في الاكتواء بنار الارهاب كما سيكون التعريف الاميركي للارهاب ملزماً للدول المجتمعة؟ هل لدى الدول المجتمعة في اول مؤتمر قمة بعد 11 أيلول سبتمبر 2001 تصور ولو مبدئي يسمح بتبادل الآراء في كيفية معالجة الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تنتج السخط الداخلي؟ وهل سيكون هناك بحث جماعي للاعتراف بحق المعارضة السلمية مع الاقرار بتعددية النسيج الاجتماعي في اطار المحافظة على الوحدة الوطنية وضمن اطار الشرعية القائمة؟ ام ان هذه القيادات ستكتفي بتجديد الادانة لاحداث أيلول بشكل جماعي باعتبار ان من قاموا بالهجوم، في ما لو ثبت انتماؤهم الى المنطقة، هم مجرد حفنة من الشباب المضلل ليس لطبيعة الواقع السياسي في بلدانهم علاقة في ما ذهبوا اليه كما ليس للسياسة الاميركية غير العادلة في المنطقة علاقة في تفريخهم وتغذية سخطهم؟ واخيراً في ما يتعلق بهذه المجموعة الاولى من الاسئلة هل سيكون لهذه القمة وقفة حازمة ضد التواطؤ على تجويع اطفال العراق وضد تكرار مأساة تسميم اجنة اطفال المنطقة والحاق التشوهات السرطانية بهم قبل ان يولدوا؟ اي هل سيكون بامكان هذه القمة، كما تتوقع قاعدتها، ان تصرخ بصوت عال: لا لجعل اي دولة من دول المنطقة حقل تجارب للسلاح الاميركي ولمخاطره الكيماوية ان لم يكن النووية باسم الحرب على الارهاب؟ والمجموعة الثانية من الاسئلة التي يطرحها المواطن العربي على قمة بيروت تتعلق بالحرب الضارية التي تشنها دولة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني بغير رحمة على الشعب الفلسطيني، إضافة الى أسئلة ملحة تطالب بعدم اهدار تضحيات الشعب الفلسطيني وعدم كسر عنفوان نعوش الشهداء بمشاريع تسوية غير عادلة ومهينة. في هذه القضية المصيرية التي تشكل المحور الرئيسي من محاور برنامج عمل القمة، يسأل المواطن العربي قياداته بقلق بالغ، ويلح في السؤال: هل سيصار الى الاصرار على توضيح الخط الحاد الفاصل بين المقاومة والارهاب والتمسك بالحق العربي الفلسطيني في المقاومة طالما استمر ارهاب الدولة الاسرائيلية بآلة الحرب الاميركية؟ هل ستصر القمة على الوقوف مع المقاومة الفلسطينية في استبسال ابطالها اليومي لانتزاع حقهم للعيش بكرامة وسلام على ارضهم في دولة مستقلة عاصمتها القدس، بشد ازر هذه المقاومة على الاقل عن طريق الوفاء بالالتزامات المالية التي قطعتها الدول العربية على نفسها في قمم سابقة وبدعمها سياسياً وشعبياً طالما ان ليس في النية او ليس بالمستطاع مؤازرتها عسكرياً؟ ام سيصار الى الاكتفاء بالشد على يد المقاومة في العلن حتى تصفية آخر طفل فلسطيني والشد على يد سلطتها الوطنية في الكواليس لمزيد من قمع الانتفاضة وتحجيمها باسم ضبط النفس والركض خلف سراب العودة بالسلطة الفلسطينية الى طاولة المفاوضات بعدما لا يكون قد بقي لديها ما تفاوض عليه؟ وفي هذا السياق، هل يدرك قادة قمتنا ان ليس من حقهم ولا من حق السلطة الفلسطينية نفسها الوقوف امام مد الانتفاضة لخدمة حلول سلمية ناقصة؟ هل سيكون بامكان المؤتمرين، على هذا المستوى القيادي الرفيع، التشاور والحوار بشكل حضاري لتطوير شروط المبادرة السعودية، التي يبدو ان هناك شبه اجماع "قيادي" عليها، يجعلها لا تأتي بأي حال من الاحوال دون السقف الذي ارتضته القوى الفلسطينية، فتشمل حق استرداد القدس وحق العودة، وبما لا يجعل القمة او المبادرة حصان طروادة لتقديم مزيد من التنازلات لمن لن يرضيهم الا المزيد من التنازلات؟ ام ان المبادرة ستضيع في مزايدات سياسية تجعل حتى أفدح التنازلات تذهب من دون ثمن؟ وفي تفاصيل ما يتعلق بهذا الموضوع فان المواطن العربي يسأل باصرار: هل سيكون بالامكان افهام اميركا من دون ارتباك انه من المستحيل استمرار حمام الدم في الشارع الفلسطيني لريثما يتم العثور على من يقدم مبادرة بشروط واشنطن وشارون، اذ ان المبادرة السعودية كما يرى المواطن العربي اعطت ما لن تستطيع ان تعطيه اي مبادرة سلمية اخرى؟ والسؤال الذي يشغل المواطن العربي في هذا الصدد هو: هل سيكون بالامكان، في ما لو اتفقت آراء القادة على تبني المبادرة السعودية، افهام العالم والعدو قبل الصديق ان مثل هذه المبادرة لا تعني تطبيعاً ثنائياً بأي حال من الاحوال، لأن موقع السعودية قبلة للعالم الاسلامي ومسؤوليتها السياسية والاخلاقية تجاه هذا الموقع لا يخولانها الدخول تحت اي ظرف في اي اتفاقات ثنائية مهما بلغت درجة الضغوط الاميركية؟ ومن حق المواطن العربي وواجبه ان يطرح على القمة العربية، هل بإمكانها التوضيح بأن حديث قادة القمة عن مشاريع التسوية والتطبيع إنما يعبر فقط عن الموقف الرسمي للأنظمة؟ وهل سيكون بامكان القادة العرب أيضاً الإقرار بحق الشعوب في أن يكون لها موقفها من مسألة التسوية والتطبيع، إذ انه ليس من حق الأجيال الحاضرة وحدها اتخاذ قرار بشأن هذه المسألة، في بعدها التاريخي والشعبي؟ والسؤال الاخير الذي يوجهه المواطن العربي الى قيادات القمة في القضية الفلسطينية هو: هل يمكن للقيادات العربية عدم التخلي تماماً عن التلويح بما تملكه من اوراق اقتصادية وديبلوماسية بالاضافة الى ورقة استعداد الشارع العربي للمقاومة الشعبية، وان يتم اللجوء اليها حقيقة في ما لو استمرت محاولة مقايضة التضحيات الفلسطينية الغالية بتسويات رخيصة لا تحقق سلاماً عادلاً لا لشعوب المنطقة ولا لأنظمتها؟ المجموعة الثالثة من الاسئلة التي يطرحها المواطن العربي تتعلق بموقعه ووظيفته ودوره على جدول أعمال القمة وإمكان تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني في مواجهة ما يجري من احداث جسيمة. وفي هذا الاطار يسأل المواطن العربي هل سيكون لرأيه وموقفه اي وزن عند اتخاذ القرارات التاريخية في هذه القمة؟ وهل ستظهر هذه القمة التاريخية في هذه الحقبة الحرجة من التاريخ الاجتماعي والسياسي للمنطقة ان القيادات العربية تحسب حساباً لرأي المواطن وموقفه من القرارات التي سيتم التوصل اليها، ام سيظهر ان هذه القيادات تضرب بعرض الحائط المشاعر الوطنية للمواطن العربي الذي يجب، برأيها، ان لا يكون له رأي آخر غير ما تراه القمة ويقرره الكبار فيها؟ هل تدرك قيادات القمة العربية انه في ظل الهجمة الشرسة التي تواجهها الانظمة، العدوة والصديقة، لاميركا على حد سواء ان ليس لهم إلا شعوبهم ، من الرجال والنساء، يحمون بسواعدهم بلادهم وأنظمتهم باعتبار ان الولاياتالمتحدة لا تحمي الا مصالحها. فهل تجرؤ القمة على اتخاذ قرار باتفاق جماعي يسمح للشارع العربي وللرأي العام فيه بالتعبير عن موقفه الحقيقي من حرب اميركا على الارهاب التي تستهدف المنطقة وهويتها الحضارية، وباظهار تأييده الحقيقي للحق الفلسطيني وانتفاضته المباركة المتواصلة، ام ستواصل قيادات القمة تجاهل المواطن العربي في قراراتها وبيانها الختامي؟ إلا ان المواطن العربي، الذي يتمنى ان يلهم الله قادة القمة الاجماع على ما يعيد الاعتبار لاوطانهم وشعوبهم بحياة حرة ابية، يسأل: هل يغير الله ما بقوم اذا لم يغيروا ما بأنفسهم؟ * كاتبة واكاديمية سعودية.