رفعوا الشكر للقيادة على الدعم السخي.. أمراء: «جود المناطق» تعزز قيم العطاء والتكافل    بعد انتهاء المرحلة الأولى وتعثر مفاوضات "الثانية" .. صيغة جديدة لتمديد التهدئة في غزة    أكدت موقفها الثابت تجاه دعم أمنه واستقراره ووحدة أراضيه.. السعودية ترفض تشكيل حكومة موازية في السودان    بعد الملاسنة الحادة بينه وترامب في البيت الأبيض.. زيلينسكي يتراجع: مستعد لتوقيع اتفاق المعادن    التعادل السلبي يخيم على لقاء الفيحاء والوحدة    سبقه بوقاش والسومة.. إيفان توني يدخل التاريخ ب"هاتريك" الهلال    في انطلاق الجولة 24 من دوري يلو.. ديربي ساخن في عنيزة.. والفيصلي في ضيافة الطائي    1365 حالة ضبط لممنوعات بالمنافذ خلال أسبوع    ضمن مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية.. إعادة بناء مسجد القبلي بالمواد الطبيعية على الطراز النجدي    برعاية خادم الحرمين الشريفين.. تكريم الفائزات بجائزة الملك سلمان لحفظ القرآن الكريم للبنات    كوادر بشرية تتمتع بالخبرة والكفاءة لتنفيذ خطة الأيام المباركة .. المسجد الحرام.. كثافة عالية من الزوّار والمعتمرين في أول أيام رمضان    ممتاز الطائرة .. الهلال يعزّز صدارته للدوري    الأخضر الشاب يخسر نهائي القارة    الاتحاد يطمع في نقاط الأخدود    إزالة العقبة الكبرى أمام سلام تركيا واستقرارها    تتزامن لأول مرة مع بداية رمضان آخر الفصول الدراسية اليوم    مشروع لتعديل اللائحة المالية للنشاطات الثقافية    محمد بن فهد.. أمير التنمية والأعمال الإنسانية    «أبرق الرغامة».. صفحة من تاريخ طويل    الملك: خدمة الحرمين نهج دأب عليه ملوك المملكة منذ توحيدها    سلام: الحكومة اللبنانية ملتزمة بإعادة إعمار القرى الجنوبية المدمرة    رمضان في التاريخ الإسلامي: كيف كان يُحتفل في العصور الوسطى    الأرز الأبيض.. خطر غير متوقع على صحة أسنانك    صدق أو لا تصدق.. «الفشار» يقلل خطر الإصابة بالسرطان    موسم الإنفلونزا الحالي الأسوأ منذ عقد.. ما السبب ؟    صناعة الخدمة والمسؤولية    التسول.. من الاستغلال إلى التمكين    الدفاع المدني بالحرمين الشريفين يكثف أعمال الإشراف الوقائي لسلامة ضيوف الرحمن    الفوانيس تزين شوارع وميادين مكة    53 دولة إسلامية في «الإيسيسكو» توافق بالإجماع على ميثاق الرياض للذكاء الاصطناعي    مجد متجذر ونهضة مستمرة    "الثقافة" تنظم فعاليات ثقافية في موسم رمضان    "المتاحف" تناقش دور المتاحف في التوعية والتنمية    20 مشروعا تغلق بعد تخفيضات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية    رسالة للعالم الإسلامي    التعاون يحبط صحوة الفتح ويهزمه بثنائية    فلسفة الصوم    النرجسية وأهمية الذات    تاريخ مجيد    72 مليار دولار للوظائف السيئة    العمل 60 ساعة    لصيام آمن.. إرشادات لمرضى الربو    "جيل الطيبين " ما الذي يغذي المصطلح؟    حماية الكرامة بالتعويض عن الضرر المعنوي    مأسسة السلة الرمضانية    السعودية.. ريادة دبلوماسية وصناعة مستقبل    السعودية تتهيأ لصناعة وتصدير «التاكسي الطائر»    عملاء المديونيات ضحايا الوعود الزائفة    كاميرات المراقبة شرط لإصدار رخصة عربة متنقلة غير غذائية    الجيش الأمريكي ينشر 3000 جندي على الحدود مع المكسيك    السعودية.. المملكة التي تنبض بالعالمية    ثلاثية توني    66 % انفراد السعوديات بقرارات الرعاية الصحية    نائب أمير الشرقية يرفع الشكر للقيادة على دعمهم لحملة جود المناطق    أمير منطقة مكة يهنئ القيادة الرشيدة بمناسبة شهر رمضان المبارك.    «عكاظ» ترصد توافد المصلين لأداء صلاة العشاء والتراويح بالمسجد النبوي الشريف، في الليلة الأولى من شهر رمضان المبارك.    "البريك":رفع التهنئة للقيادة بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك    نائب أمير منطقة جازان يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة حلول شهر رمضان    









رداً على حسين عبدالرازق . التمايز داخل معسكر رفض "التطبيع" سينقلب الى مواجهة
نشر في الحياة يوم 21 - 08 - 2000

يبدو أن التمايز المطرد داخل معسكر رفض "التطبيع" دفع في مصر حسين عبدالرازق الى التأسي، والاستهجان من مشهد "بالغ الغرابة والشذوذ" على حد تعبيره، ما دفعه الى كتابة ثلاث حلقات ضافية، أثراها بالمعلومات الحياة 7،8، 9/8/2000. بيد ان هذه الحلقات تستحق وقفة، وجملة من الملاحظات.
صحيح أن معسكر رفض "التطبيع" بدأ سنة 1978، قوياً موحداً وأخذ يصعد في اطراد، لكن محطتين مهمتين زرعتا التمايز داخله، هما غياب الرئيس انور السادات، خريف 1981، مع ما عرف عنه من جرأة على الحق، وعلى الموقف من اعداء الامة، فيما تمثلت المحطة المهمة الثانية في سقوط المعسكر الاشتراكي 1989، وانفراط عقد الاتحاد السوفياتي 1991، واندلاع حرب الخليج الثانية 1990- 1991، وتداعياتها الكارثية، التي اسهمت بقسط وافر ضمن محادثات "اتفاق اوسلو" ما فجّر الخلاف داخل معسكر رفض "التطبيع"، حول التسوية السياسية، والاتصال بإسرائيليين يزعمون انهم يعملون من اجل السلام، وزيارة مناطق السلطة الفلسطينية عبر السفارة الاسرائيلية. وهي امور التقطها عبدالرازق.
غني عن القول إن كل العرب - شعوباً وحكومات - وقفوا ضد "مبادرة السادات" وما تلاها من "اتفاقيتي كامب ديفيد" 1978، و"معاهدة الصلح مع اسرائيل" 1979، وذيول هذا كله. في الوقت الذي اخذت وعود السادات للشعب المصري في التبخر سريعاً، اذ لم يجلب الصلح مع العدو الاسرائيلي السمن والعسل لشعب مصر، ما جعل البعض يسارع الى القفز من سفينة السادات المشرفة على الغرق، والانضمام الى "المعارضة".
بيد أن دماء غزيرة سالت في السنوات الاثنتين والعشرين المنصرمة على تأسيس تيار رفض "التطبيع" في مصر فتنقّل كثيرون في مواقعهم، وبدّلوا مواقفهم، ولم يبق القديم على حاله. ذلك ان المعارضة المصرية لم تكن كلها لوجه الله، مع انكشاف امر "مقاولين" استداروا مئة وثمانين درجة، فانقلبوا من مقاومة الصلح مع اسرائيل، الى الانخراط في هذا الصلح، وإن بمسميات مختلفة، وبدرجات متفاوتة في الاعلان!.
صحيح ان أول صوت ارتفع في مصر ضد "التطبيع" كان صوت "حزب التجمع" لكننا لا ننسى - أيضاً - وقوف قيادة "التجمع" الى جانب "اتفاق عمان" 1985 الذي سقط بفعل المعارضة المتزايدة له بين صفوف قادة وكوادر "فتح" نفسها. ثم من يستطيع أن ينسى تأييد قيادة "التجمع" الحماسية لاتفاق اوسلو 13/9/1993؟! الى حد يشبه كثيراً القفزة التي قام بها لطفي الخولي الراحل من معسكر رفض "التطبيع" الى تصدر المعسكر المطبّع، واعتبر بعض قادة "التجمع" الخولي متسرعاً في خطوته تلك!.
ان جذر الخلافات داخل معسر مقاومة "التطبيع" يكمن - كما سبق لصلاح عيسى أن أوضح - في تباين مواقف القوى المنضوية في هذا المعسكر. فدعاة تحرير فلسطين لن يوافقوا على "التطبيع"، ما دام الكيان الصهيوني قائماً، فيما يوافق على هذا "التطبيع" من يكتفون بقيام دولة فلسطينية على بعض الضفة الغربية وقطاع غزة، ويرى هؤلاء في الداعين الى تحرير فلسطين "متطرفين". ناهيك عن "المقاولين"، الذين انحرفوا مع مصادر تمويلهم!.
ادى التمايز داخل رفض "التطبيع" الى إلحاح "تيار الدولة" - إن جاز التعبير - على ضرورة إعادة النظر في مفاهيم "التطبيع"، و"ضبط" هذه المفاهيم. والسؤال المشروع هنا: لماذا لم يتقدم هؤلاء بطلبهم هذا مع تقدم السادات بمبادرته 1977، وعلى مدى الثمانينات.؟
في اعتقادي ان ما حال دون تقديم هذا السؤال في وقت مبكر، يكمن في وضوح المعركة، والعدو، والهدف آنذاك. واليوم غابت هذه الامور عند البعض، فخفت صوته الذي كان مجلجلاً ضد "التطبيع، لذا ستنفجر الخلافات داخل معسكر رفض "التطبيع" حول المفاهيم، بما يوفر سانحة للاختلاف في التفاصيل، ويسوغ للمطبعين المستورين الخروج الى العلن!.
مع ذلك ان أي تجاوز او خرق لمقاطعة العدو الاسرائيلي يقع في خانة "التطبيع" باختصار شديد.
في هذا الصدد كثيراً ما صادفنا سياسياً مصرياً ينسحب في مكان، لمجرد ان خصماً له دخله، او يشترط سياسي عدم وجود خصم بعينه في اي عمل او تحرك عام، يدعى اليه هذا السياسي. فيما لا يتزحزح السياسي نفسه من مقعده، حين يدلف اسرائيليون الى المكان، بل يشاركهم العمل. من دون ان يرف له جفن!.
مع ذلك أوافق عبدالرازق في رفض تخوين كل المطبعين، اذ انهم موزعون ما بين يائس من قدرة الامة على المقاومة والتحرير، واقليمي يتوهم بأن اظهار حسن النية للعدو الصهيوني سيجنب مصر ويلات الحروب، وأناني يتطلع الى تحقيق مآرب واطماع ذاتية ضيقة، مستثمراً الانكسار العربي الكبير، والصعود الملحوظ في الخط الاميركي - الاسرائيلي. ناهيك عن باحث عن دور لافت، بعد ان انحسرت عنه الأضواء.
واذا ما أتينا الى ترسانة "المطبعين" الذرائعية، نراهم يزيفون وعي الامة حول "حبكة السلام الآن"، التي تضم مجرمي حرب حقيقيين، متمترسين خلف مفاهيم صهيونية، لذا يديرون ظهورهم لدعاة السلام الحقيقيين في اسرائيل راكح. ويلاحظ ان الكتلة الاكبر في "السلام الآن" اتت من "حزب العمل" لذا نراهم ينشطون ضد "الليكود" كلما اتى الى الحكم ويشاغبون عليه لمصلحة "العمل". فيما يدخل نشطاء "السلام الآن" بياتهم، في فترة وجود "العمل" في الحكم. لذا فأي اتصال عربي بهم يصب في طاحونة الاعداء. ولعل اهم ما يمكن الاستشهاد به في هذا الصدد، تلك الثمرة المسمومة، المتمثلة في البيان المشترك بين "جمعية القاهرة للسلام" وبين "حركة السلام الآن" الاسرائيلية 8/6/1998. وفيه سلّمت الاولى بالمنطق الاسرائيلي، تماماً، على النحو الذي اوضحه عبدالرازق، في حلقته الثالثة.
اما شكوى عبدالرازق من امتداد سلاح المقاطعة "ليشمل اليهود الذين يتضامنون مع العرب" فمردود عليه بجملة في الأحاجي.
- لمن نعطي حق تصنيف اليهود المتضامنين معنا؟!.
- اذا اعطيت نفسك حق الالتقاء بمثل هؤلاء، فمن حق عرب آخرين ان يلتقوا بيهود متنفذين، ويأخذ عليك اولئك العرب التقاءك بيهود لا وزن لهم!.
- ربما كان احسن دعم نقدمه الى كل مستوطن يهودي بدعم موقفنا، تصعيدنا المقاومة، لأن اسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة، ولعل هذا أهم دروس المقاومة اللبنانية، الوطنية منها والاسلامية. فقد كتب في هذا الصدد يهود غير صهاينة، يلحون علينا حتى نفعلها!.
في هذا الصدد تحضرني قصة ميخائيل وارشوفسكي، اليهودي غير الصهيوني، الذي انتمى الى معسكر اليسار، فالتحق بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وعوقب على هذا الالتحاق بثماني سنوات في زهرة شبابه، قضاها خلف قضبان سجن اسرائيلي. وارشوفسكي هذا دعاه اصدقاء لي، من اجل زيارة القاهرة، لكنه كان يصر على الرفض، في كل مرة. اخيراً اوضح لاصدقائي بأن زيارته لمصر ستفتح الباب لدعوة اسرائيليين آخرين، بزعم انهم من "أصدقاء العرب"، وتضيع الطاسة.
في السياق نفسه، من يستقرىء مواقف القيادة الفلسطينية المتنفذة، سيلاحظ انها دعت - ربيع 1977 - الى الالتقاء باليسار في فلسطين المحتلة، الامر الذي تحقق في العاصمة التشيخية، براغ، صيف العام نفسه، وهلل يساريون فلسطينيون وعرب "لهذه الخطوة التقدمية الجسور من قبل القيادة الفلسطينية"، لكنهم لم يكونوا يدرون بأن هذه القيادة أرادت امراً مختلفاً تماماً من اللقاء مع "راكح". إذ أن القيادة نفسها استدارت عن "راكح" بعد حين، بدعوى انها تريد توسيع الدائرة، لتشمل من يؤيدون الحقوق الفلسطينية، فجاءت اللقاءات مع يوري افنيري، ومتتياهو بيليد، قبل أن تستدير تلك القيادة عن "راكح" وافنيري وبيليد، وتتوجه مباشرة الى حكام اسرائيل "المؤثرين في الشارع والقرار الاسرائيليين"، وبقية القصة معروفة!.
وقد استمرأت القيادة الفلسطينية المتنفذة اطلاق صفة "عرب اسرائيل" على اشقائنا "فلسطينيي 1948" وشتان بين المصطلحَيْن، اذ يعني الاول اننا بعثنا اشقاءنا الى عدونا، وتنازلنا عنهم.
هؤلاء الفلسطينيينون القابضون على الجمر، منذ اثنين وخمسين عاما ولا يزالون، هم اشد تمسكاً بهويتهم العربية الفلسطينية، من اي تجمع فلسطيني آخر، ولا يستثنى من بينهم الا من انتسب الى اي من الاحزاب الصهيونية في اسرائيل. هنا لا مفر من التعامل مع هؤلاء بالطريقة نفسها التي نتعامل بها مع الصهاينة أنفسهم.
الى ذلك ثمة من يربط بين التمويل الاجنبي "والتطبيع"، ويضربون لذلك مثلين، اولهما استدعاء رؤساء المراكز المصرية الممولة من الاجانب الى نيقوسيا، غداة توقيع "اتفاق اوسلو" حيث طلب اليهم حث الخطى في اتجاه "التطبيع". اما المثل الثاني فكان وقوف ممول الماني شهير، في وسط عمان، متباهياً بانه يشرِّفه بأن يسهّل امر كل من يرغب في زيارة اسرائيل!.
وبعد، فلعل من حقي ان اعتب على حسين عبدالرازق، الذي انزلق الى حد السخرية من شعار "التحرير من البحر الى النهر". ترى، هل أصبح تحرير ترابنا المدنس بالاحتلال مثار استهزاء ، الى هذا الحد؟! على النحو الذي اصبحت فيه المقاومة ارهاباً، في عرف البعض!.
في السياق نفسه، ومن منطلق اقليمي بغيض، هل كان عبدالرازق يتقبل مني دعوته الى اقتسام سيناء - حين كانت محتلة - مع العدو المحتل!.
اما العتاب الثاني فيتمثل في تورط عبدالرازق - عن غير قصد او وعي، ربما - في ترديد المزاعم الاسرائيلية بأن حكومات عربية طلبت الى الشعب الفلسطيني سنة 1948 ترك مدنه وقراه. بينما اثبت "المؤرخون الجدد" في اسرائيل مدى كذب هذا الادعاء.
* كاتب فلسطيني مقيم في مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.