في حال تمخضت القمة العربية عن "اعلان" يطور المبادرة السعودية لتصبح مشروع سلام شامل تدعمه واشنطن، في مقابل انسحاب اسرائيلي كامل من الاراضي العربية المحتلة، تكون الانتفاضة الفلسطينية وتداعياتها حققت أربعة أهداف استراتيجية: 1- اقنعت الرئاسة الأميركية بضرورة وضع ثقلها في التسوية السلمية في الشرق الأوسط، على رغم محاولاتها السابقة البقاء على مسافة منها، وعدم التورط كثيراً كما فعلت الادارة السابقة. 2- اعادت الشرعية الى القيادة الفلسطينية تحت مظلة عربية ودولية، ووضعت شارون في مأزق امني وآخر سياسي، بتأكيدها على ارض الواقع عدم جدوى الحلول الأمنية. 3- وسعت نطاق التدخل العربي المباشر في التسوية السلمية الى جانب الفلسطينيين والأردن ومصر، من خلال دخول العالم العربي برمته طرفاً في معادلة "الانسحاب الكامل مقابل السلام الشامل"، وهو ما لم يكن مطروحاً في السابق. 4- فتحت الباب على دور عربي ودولي اوسع في اتجاه تحقيق مقدار اكبر من التوازن الاستراتيجي مع اسرائيل، ومهدت لتسوية تاريخية في المنطقة نواتها إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة عاصمتها القدسالشرقية، في مقابل دولة إسرائيلية ضمن حدود آمنة معترف بها، كجزء لا يتجزأ من المنظومة الاقليمية. صحيح ان ما سبق يبدو كأنه من قبيل التمنيات او الاحلام في ضوء مشاعر العداء المستحكم بين العرب والاسرائيليين، ورفض كثير من الدول العربية فكرة إقامة علاقات سلام طبيعية مع الدولة العبرية، لكن موافقة اسرائيل على انسحاب كامل لا بد ان تغير المعادلة، علماً أن الدول العربية اجمعت في قمة فاس عام 1982 على قراري مجلس الأمن الرقم 242 و338 كأساس للتسوية. في حال اتفق العرب في بيروت على صيغة تعلن من حيث المبدأ استعداد دولهم لإقامة علاقات سلام طبيعية، تقود الى معاهدات سلام وتبادل للديبلوماسيين وفتح متبادل للحدود أمام الأفراد والبضائع، في مقابل انسحاب اسرائيل الكامل من الاراضي العربية والسماح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتسوية لمشكلة اللاجئين وفق أسس منطقية وعادلة، فإن العالم العربي يكون قدم كل ما هو ممكن أو متوقع منه على الصعيد السياسي، ورمى الكرة الى الملعب الاسرائيلي في شكل لن يتمكن شارون أو من يعقبه من ان يرفضه. فالرأي العام الاسرائيلي بات مقتنعاً بفشل الحل الأمني، ويسعى الى الخلاص من الكارثة التي تسببت فيها حكومته اليمينية. والأهم هو مدى استعداد واشنطن لدعم مثل هذا المشروع الافتراضي، وفق اسس عادلة تستند الى قرارات الشرعية الدولية، من خلال ايجاد آليات لتنفيذه على ارض الواقع. أي ان السؤال المطروح هو هل ادارة الرئيس بوش الإبن مستعدة للدعوة الى "مؤتمر مدريد - 2" لإنهاء ما بدأه الرئيس بوش الأب في "مدريد - 1"؟ يترتب على ذلك السؤال سؤال آخر: بما ان مؤتمر "مدريد -1" اعقب حرب الخليج الثانية، فهل يسبق "مدريد - 2" شن "حرب خليج ثالثة"، أيضاً لإكمال ما بدأه بوش الأب؟