} أشار البروفسور إدوارد سعيد ل"الحياة" 7/3/2002 إلى الكلمة التي ألقاها دنيس كوشينيتش، النائب الأميركي الديموقراطي عن ولاية أوهايو، بعنوان "دعاء من أجل أميركا"، ووصفها ب"الرائعة". كما أوصى ". . . بقوة بأن ينشر النص الكامل لكلمة النائب كوشينيتش التي استلهمت أفضل المبادئ والقيم الأميركية، باللغة العربية، كي يمكن للناس في منطقتنا من العالم أن يدركوا أن أميركا ليست كتلة صماء واحدة تحت تصرف جورج بوش وديك تشيني، بل تضم في الواقع أصواتاً واتجاهات رأي كثيرة تسعى هذه الحكومة إلى إسكاتها أو تهميشها". واستجابة لهذه التوصية ولما تمثله هذه الكلمة من تصوير لقيم إنسانية عليا يتبناها تيار عريض في المجتمع الأميركي في مقدمه أعلام مثل نعوم تشومسكي وهاورد زن وإدوارد هيرمان وغيرهم كثير، ترجمت هذه الكلمة. وأقترح أن نسعى نحن من جانبنا إلى التضامن مع هذا التيار، من أجل الارتقاء بخطابنا ومواقفنا إلى هذا المستوى الإنساني وإشاعة القيم التي تدعو إلى التسامح والتعايش من أجل الأهداف الإنسانية العليا. أتقدم إليكم بهذه الملحوظات الموجزة بوصفها دعاء من أجل بلادنا، ومع الحب للديموقراطية، بوصفها احتفاء ببلادنا. مع الحب لبلادنا. ومع الأمل لبلادنا. ومع الاعتقاد بأن نور الحرية لا يمكن أن ينطفئ طالما ظل حياً في ضمائرنا. ومع الاعتقاد بأن صوت الديموقراطية يتعالى بقوة كلما عبرنا عن أنفسنا بحرية. ومع الوعي بأن الحرية تبعث الحياة في القلب الإنساني أما الخوف فيميته. ومع الاعتقاد بأن الشعب الحر لا يمكن أن يحيا في ظل الخوف والإيمان في آن معاً. ومع الوعي بوجود حقيقة عميقة يجسِّمها اتحاد الولاياتالمتحدة. إن ما تعنيه وحدة بلادنا ضمنياً أن هذه الوحدة هي وحدة لا تستثني أحداً من مواطنيها. وهي تعني أن المواطنين جميعهم شيء واحد أساساً. وهي تعني أن العالم لا يترابط على المستوى المادي للاقتصاد والتجارة والاتصالات والمواصلات فحسب، بل يترابط في شكل أكثر عمقاً عبر الضمير الإنساني، عبر القلب الإنساني، عبر قلب العالم، عبر النزعة البسيطة المعلنة للسعي من أجل أن نكون أحراراً ومن أجل أن نتنفس بحرية. إنني أرفع هذا الدعاء من أجل أميركا. دعونا ندعو من أجل أن تتذكر بلادنا أن تحقيق الوعد بالديموقراطية في بلادنا يتلازم مع النضال في سبيل الحقوق المدنية. وهذا هو ما يدعونا إلى وجوب معارضة الفلسفة التي تقبع وراء تشريع "قانون الوطني". يجب علينا أن نسائل الأسباب التي توجب على أميركا التخلي عن ضمانات العدالة التي يكفلها الدستور؟ كيف يمكن لنا أن نسوِّغ ما يعد إلغاء فعليا للتعديل الدستوري الأول وإلغاء الحق في حرية التعبير، وإلغاء الحق في التجمع السلمي؟ كيف يمكن أن نسوغ ما يعد إلغاء فعلياً للتعديل الدستوري الرابع، الذي يشترط وجود سبب مقنع، وهو التعديل الذي يمنع تفتيش الناس واحتجازهم من غير سبب وجيه؟ كيف يمكن أن نسوغ ما يعد إلغاء فعلياً للتعديل الدستوري الخامس، والسماح بإبطال العمل بالإجراءات القانونية المعتبرة، والسماح بتوقيف المشتبه بهم لأجل غير مسمى من غير محاكمة؟ كيف يمكن لنا أن نسوغ ما يعد إلغاء فعلياً للتعديل الدستوري السادس الذي يوجب حق المتهم في المحاكمة الفورية والعلنية؟ كيف يمكن لنا أن نسوغ ما يعد إلغاء فعلياً للتعديل الدستوري الثامن الذي يحمي المتهم من العقاب القاسي والعقاب غير المألوف؟ لا يمكن أن نسوغ انتشار تسجيل المكالمات الهاتفية بطريقة سرية والتجسس على الإنترنت بعيداً من الإشراف القضائي، ونحن لا نتكلم هنا عن فعل ذلك تحت مثل هذا الإشراف. لا يمكن أن نسوغ التفتيش السري الذي يتم من غير إذن صادر من المحكمة. لا يمكن أن نسوغ تخويل المدعي العام تصنيف أية مجموعة محلية يشاء بأنها إرهابية. لا يمكن أن نسوغ إعطاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الحق في الوصول إلى أي نوع من المعلومات التي ربما توجد في أي نظام في أي مكان كالسجلات الطبية والسجلات المالية. لا يمكن أن نسوغ تمكين وكالة الاستخبارات المركزية من استهداف الناس في بلادنا من أجل مراقبتهم والتجسس عليهم. لا يمكن أن نجد عذراً لإدارة تسلب الناس حقوقهم في الخصوصية ثم تدعي بعد ذلك لنفسها الحق في أن تقوم بعملياتها هي بطرق سرية كاملة. عمد المدعي العام اخيراً إلى تغطية تمثال "السيدة عدالة" الذي تظهر فيه كاشفة عن صدرها كأنها تؤكد أنه ليس هناك خطر من أن تبرز العدالة عارية أمام الملأ في هذا الوقت، وأمام هذه الإدارة. دعونا ندعو ألا يَهزم الخوفُ قادةَ بلادنا. ذلك أن هناك اليوم خطراً عظيماً يتهدد عاصمتنا العظيمة. كما يجب أن نفهم هذه المسألة قبل أن نثير السؤال عن أوجه القصور في أداء مجلس النواب في سياق هذه الأزمة. لقد نشأ هذا الخوف العظيم حين توجَّب علينا إخلاء مبنى مجلس النواب في الحادي عشر من ايلول سبتمبر. وقد استمر هذا الخوف في صورة اضطرارنا إلى مغادرة مبنى مجلس النواب مرة أخرى حين أُعلن عن تحذير من وجود قنبلة في المبنى أثناء جلسة استجواب حاصر فيها النوابُ وكالةَ الاستخبارات المركزية خلال جلسة سرية. واستمر هذا الخوف في صورة اضطرارنا إلى مغادرة واشنطن حين أُرسل الأنثراكس من طريق البريد إلى مبنى مجلس النواب، وهو الذي ربما كان مصدره أحد المختبرات الحكومية. واستمر الخوف في صورة أعلان المدعي العام عن تحذير عام من أعمال الإرهاب، وفي صورة اقتراح الإدارة بعد ذلك على مجلس النواب إصدار القانون الخطير المسمى ب"قانون الوطني". واستمر الخوف متمثلاً في سماح الحكومة بعرض تسجيلات بن لادن في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس عن انسحابنا من معاهدة الحد من التجارب على الصواريخ البالستية واستخدامها ABM . ولا يزال الخوف ماثلاً في شكل الحصار المضروب على مبنى مجلس النواب. ولا يزال ماثلاً في أفراد الحرس الوطني المدججين بالسلاح بملابسهم المموهة الذين يقابلهم النواب كل صباح حين يدخلون المنطقة التي يقع فيها المجلس. ولا يزال ماثلاً في المتاهات الإسمنتية التي يتوجب علينا نحن أعضاء مجلس النواب أن نجد طريقنا عبرها كلما ذهبنا للتصويت. إن المبالغة في حال الحصار تحبسنا في حال من الخوف، وتحدُّ من قدراتنا على التعامل مع "ألعاب الوطنية" و"ألعاب الدماغ"، و"ألعاب الحرب" لرئيس غير منتخب ولنائب رئيس متوارٍ عن الأنظار. دعونا ندعو من أجل أن تضع بلادنا نهاية لهذه الحرب. ذلك أن مبدأ "الإسهام في الدفاع الوطني العام" واحد من المبادئ المؤسِّسة لأميركا. لقد فوَّض مجلسُ نوابنا إلى الرئيس الردَّ على كارثة الحادي عشر من ايلول. لقد فوضنا إليه الرد على أولئك الذين أسهموا في التسبب في وقوع إرهاب الحادي عشر من ايلول. لكن، يجب علينا، نحن المواطنين وممثلينا المنتخبين، أن نحتفظ بحقنا في مراقبة نوع ذلك الرد، وفي مقدار ذلك الرد، وفي معارضة ذلك الرد، وفي تصحيح ذلك الرد. ذلك أننا لم نفوض إلى الإدارة قرار غزو العراق. لم نفوض إليها قرار غزو إيران. لم نفوض إليها قرار غزو كوريا الشمالية. لم نفوض إليها قرار ضرب المدنيين في أفغانستان. لم نفوض إليها قرار احتجاز المعتقلين في خليج غونتانامو بصورة دائمة. لم نفوض إليها قرار الانسحاب من معاهدة جنيف. لم نفوض إليها قرار إنشاء المحاكم العسكرية التي تلغي الإجراءات القانونية المعهودة للمحاكمة والإجراءات المعهودة لجلب المدعى عليهم. لم نفوض إليها قرار إرسال فرق الاغتيالات. لم نفوض إليها قرار إعادة تأسيس مكتب مكافحة الجاسوسية cointelpro . لم نفوض إليها قرار إبطال العمل بلائحة الحقوقBill of Rights . لم نفوض إليها قرار تعطيل الدستور. لم نفوض إليها قرار إصدار بطاقة الهوية الوطنية. لم نفوض إليها قرار الثأر على طريقة العين بالعين. لم نفوض إليها قرار بث عيون الأخ الأكبر لتتلصص علينا من خلال آلات تصوير مثبتة في كل مكان من مدننا. كما أننا لم نطلب منها الانتقام لدماء الأبرياء الذين قضوا في يوم الحادي عشر من ايلول بسفك دماء القرويين الأبرياء في أفغانستان. لم نفوض إلى الإدارة قرار شن الحرب في أي وقت تشاء وأي مكان تشاء وبأي طريقة تشاء. لم نفوض إليها قرار شن حرب لا نهاية لها. لم نفوض إليها قرار تأسيس اقتصاد حربي دائم. ومع ذلك فنحن على مشارف تأسيس اقتصاد حربي دائم. لقد طلب الرئيس زيادة تبلغ 45,6 بليون دولار للمصروفات العسكرية. وستكلف البرامج العسكرية كلها 400 بليون دولار. ولك أن تلاحظ مع هذا أن وزارة الدفاع لم تتقدم طوال تاريخها بأي بيان حسابي مستقل بمصروفاتها. ولك أن تلاحظ أيضا أن المفتش العام أبلغ مجلس النواب أن وزارة الدفاع لا تستطيع الإفادة عن أوجه صرف ما قيمته 1,2 ترليون دولار من موازنتها. ثم لاحظ أن وزارة الدفاع في السنين الأخيرة لم تستطع أن تأتي ببيان تفصيلي يوائم بين صرف 22 بليون دولار والمشتريات التي اشترتها، كما أنها صنفت ما قيمته بلايين الدولارات من المصروفات الداخلية بأنها مفقودة، يضاف إلى ذلك تخزينها ما قيمته 30 بليوناً من قطع الغيار التي لا حاجة لها. ومع هذا تضاعفت موازنة الدفاع نتيجة لطلبها مزيداً من الأموال من أجل إنشاء أنظمة تسليحية لخوض حرب باردة قد انتهت، ومن أجل أنظمة تسليحية من أجل البحث عن أعداء جدد لغرض شن حروب جديدة عليهم. وليس لشيء من هذا صلة بالحرب على الإرهاب. لكن، لهذا صلة وثيقة جداً بتغذية آلة الصناعة العسكرية من موازنة بلادنا، مع ما يتبع ذلك من إمكان التفريط بمستقبل بلادنا، بل التفريط بالديموقراطية نفسها من طريق عسكرة الفكر الذي يتبع من عسكرة الموازنة. دعونا ندعو من أجل أبنائنا. إن أبناءنا يستحقون العيش في عالم لا تحده حدود. لا حرب من غير نهاية. إن أطفالنا يستحقون العيش في عالم حر من إرهاب الجوع، حر من إرهاب تدني الخدمات الصحية، حر من إرهاب الجهل، حر من إرهاب اليأس، حر من إرهاب السياسات التي تتبنى وجهة نظر عن العالم تتنافى مع بقاء شعب حر، وتتنافى مع بقاء القيم الديموقراطية، وتتنافى مع بقاء بلادنا، وتتنافى مع بقاء العالم. دعونا ندعو أن نتحلى بالشجاعة والعزيمة شعباً ووطناً لكي ننهض من عثرتنا، ونستنقذ تقاليدنا الديموقراطية من دمار الحادي عشر من ايلول. دعونا نعلن حبنا للديموقراطية. دعونا نعلن عن جنوحنا للسلم. دعونا نعمل لكي نجعل عدم العنف مبدأ ضابطاً في مجتمعنا. دعونا نعلن عزيمتنا مجدداً للعمل بمبدأ التأني والمثابرة في العمل السياسي، وهو المبدأ الذي يرى السلام لا الحرب غاية لا محيد عنها. دعونا نعمل من أجل عالم تصبح الحرب فيه عملاً مهجوراً. هذا هو المنظور الذي يتطلع إليه الاقتراح بسن تشريع لتأسيس وزارة للسلام. ويتبنى هذا التشريع الآن ثلاثة وأربعون عضواً في مجلس النواب. دعونا نعمل من أجل عالم يكون فيه القضاء على الأسلحة النووية أمراً لازماً. وهذا هو السبب الذي يُلزمنا بأن نبدأ بالإصرار على التشبث بمعاهدة الحد من التجارب على الصواريخ البالستية واستخدامها ABM . وهذا هو السبب الذي يوجب علينا الصمود في مطالبتنا بحظر انتشار الأسلحة النووية. دعونا نعمل من أجل عالم يمكن لأميركا فيه أن تتقدم العالم في السعي إلى منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ليس في أرضنا وبحارنا وسمائنا بل في الفضاء الخارجي نفسه كذلك. وهذا هو مقصد التشريع المقترح ذي الرقم HR 3616 ، وهو المقصد الذي يعني: عالم حر من الخوف. وهو عالم يمكن فيه لنا أن نشخص بأبصارنا لنتأمل مخلوقات الله في السماوات ونتصور تلك الحكمة اللانهائية، والسلام اللانهائي، والإمكانات التي لا حدود لها، لا أن نتصور حرباً لا نهاية لها، ذلك أننا علِّمنا أن مملكة الله ستتحقق على الأرض بالصورة التي هي عليها في السماء. دعونا ندعو أن نتحلى بالشجاعة من أجل أن نُحِل مكان صور الموت التي تقض مضاجعنا، أي طبقات صور الحادي عشر من ايلول، وهي الصور التي تحولت تدريجاً إلى صور من الوطنية، وانقلبت إلى صور الاستعدادات العسكرية، وأصبحت صوراً لاحتفالاتنا غير الدينية المتمثلة في المباريات النهائية الوطنية لكرة البيسبول واحتفالات رأس السنة والمباراة النهائية الوطنية لكرة القدم superbowl والألعاب الأولمبية، أي تلك الصور التي تأخذ شكل اندفاعات تلامس أكثر مخاوفنا عمقاً. دعونا نحل مكان تلك الصور العمل على تنمية العلاقات الإنسانية، ومد أيدينا إلى الآخرين، والعمل على مساعدة مواطنينا هنا في داخل أميركا، ورفع المعاناة عن الفقراء في العالم أجمع. هذه هي أميركا التي يمكن لها أن تظفر بمساندة العالم. هذه هي أميركا التي تقف لا لملاحقة محور للشر، بل تقف هي نفسها في محور الأمل واليقين والسلام والحرية اميركا، اميركا. ليباركك الله يا أميركا. وليبارك الله أخيارك، يا أميركا. ليس بأسلحة الدمار الشامل. ليس بإطلاق يوصم الآخرين بوصف محور الشر. ليس بمخالفة المواثيق الدولية. ليس بتنصيب أميركا ملكاً على عالم أحادي القطب. ليبارك الله أخيارك يا أميركا. أميركا، أميركا. دعونا ندعو من أجل وطننا. دعونا نحب وطننا. دعونا ندافع عن وطننا ليس فقط ضد التهديدات الخارجية بل ضد ما يتهدده من الداخل. ليبارك الله أخيارك يا أميركا، ليبارك الله أخيارك بالإخاء بين رجالك ونسائك. ثم ليباركك الله بالرحمة وضبط النفس والتحمل والجنوح إلى السلم وإلى الديموقراطية وإلى العدالة الاقتصادية هنا في داخل الوطن وعبر العالم. ليباركك الله، يا أميركا. ليباركك الله يا أميركا، ليباركك الله. * النائب الديموقراطي عن ولاية أوهايو والكلمة ألقاها أمام جمعية "أميركيو جنوب كاليفورنيا من أجل العمل الديموقراطي" في 17/2/2002.