بدأت في لاهاي امس اعمال الاجتماع الدولي لمناقشة مشروع انشاء "المحكمة الجنائية الدولية" التي أقرت في مؤتمر روما عام 1998 في حضور وزراء العدل وقانونيين في الدول الأعضاء في الأممالمتحدة وبينهم ممثلون من الدول العربية. وتبحث الوفود في الجلسات التي تستمر اربعة ايام الجوانب الإجرائية من المحكمة التي صادقت على انشائها 55 دولة. ومع ان ممثلين عن غالبية الدول العربية حضرت الاجتماع إلا ان اياً منها لم تصادق على اتفاق انشاء المحكمة. وعلمت "الحياة" ان التوجه العربي يمضي لجعل التصديق على الاتفاق جماعياً ومن خلال الجامعة العربية، بدلاً من الدول منفردة. ويثير الاتفاق خلافات كبيرة في الوسط العربي، خصوصاً في شأن اعتبار "العدوان" جريمة رابعة الى جانب الجرائم الكبرى الثلاث الأخرى وهي: الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. وكانت دول الاتفاق ادخلت "العدوان" عنواناً رابعاً. لكن تعريف الجريمة بقي اقل مما يلبي مطالب الدول العربية التي وجدت في المحكمة اداة دولية جنائية ضد جرائم إسرائيل. ووقفت الولاياتالمتحدة بقوة ضد التوسع في تعريف وتفصيل "العدوان"، بما فهم منه تضامناً مع إسرائيل وحماية لها ولكن ايضاً لما قد ينجم عن اعطاء المحكمة صلاحيات اوسع في هذا المجال من مصادرة لحق الفيتو الذي تتمتع به الدول الخمس الدائمة العضوية في الأممالمتحدة. وإلى جانب الدول العربية تقف دولتان كبيرتان هما الصينوالهند خارج المعاهدة، لأسبابهما الخاصة. وتشاطر العواصم العربية الهند اعتراضها عن ادراج الأسلحة الكيماوية وما يماثلها كوسائل محرمة في الحروب فيما لم تتطرق الى الأسلحة النووية وتحريم استخدامها. وكانت مصر أرفقت توقيعها على الاتفاق مع مذكرة اضافية تشير فيها الى رفضها استثناء السلاح النووي. وتعترض الصين من جهتها على ما ورد في تفصيل الجرائم ضد الإنسانية. واعتبرته، الى جانب الدول العربية تفصيلاً زائداً وغير ضروري يصادر سيادة الدول الداخلية ويتعارض مع قوانينها. وبالنسبة الى بكين فإن النص على تحديد النسل كسياسة رسمية في الصين لا يمكن ان يعتبر جريمة ضد الإنسانية كما نصت احكام الاتفاق. وبصدد التفاصيل ذاتها تعتبر الدول العربية ان الكثير من النصوص يتعارض مع الشريعة الإسلامية عندما يتحدث عن عناصر تدخل في صميم العلاقات الزوجية والتقاليد. ومع ان الموقف العربي يعبر عن تضامن متبادل إلا ان دول المغرب العربي وبعض الدول العربية الأخرى تسعى الى تحريك الموقف العربي نحو تسوية تسمح بإدماج المنطقة ضمن المؤسسين لهذه المحكمة التاريخية التي تشكل نقلة اساسية الى "قرن حقوق الإنسان"، القرن الواحد والعشرين.