ما هي الاستراتيجية الأفضل للرئيس الفرنسي جاك شيراك، الاستمرار في التريث ام الدخول في الحملة الانتخابية واعلان ترشيحه لولاية رئاسية ثانية قبل مطلع آذار مارس المقبل؟ السؤال مطروح بإلحاح وعصبية في أوساط حزب "التجمع من أجل الجمهورية" الديغولي واليمين الفرنسي عموماً، نظراً الى التطورات الداخلية الأخيرة وما تنطوي عليه من تهديد بالنسبة الى شيراك. فبعدما كان الرئيس الفرنسي يعد الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات المقبلة، جاءت استطلاعات الرأي الأخيرة لتكشف تآكلاً في شعبيته وانحساراً للفارق بالأصوات بينه وبين منافسه المحتمل على الرئاسة، رئيس الحكومة ليونيل جوسبان بما يراوح بين نقطتين وأربع نقاط. وتشكل هذه الاستطلاعات تحذيراً ينبغي ان يأخذه معسكر شيراك على محمل الجد، خصوصاً انها تعقب شهر كانون الثاني يناير الذي حفل بالاضطرابات بالنسبة الى الرئيس، مما ساهم بالتأكيد في زعزعة صورته لدى الناخبين. فاستقالة القاضي اريك هالفين التي أرفقها بحملة انتخابية عن ازدواجية القضاء الفرنسي في تعامله مع المواطنين العاديين ومع المسؤولين، استهدفت شيراك تحديداً واظهرته كمتستر وراء حصانته الرئاسية هرباً من أسئلة القضاء عن الأساليب غير المشروعة في تمويل حزبه، عندما كان يتولى رئاسة بلدية باريس. وما ان هدأت العاصفة التي اثارها هالفين حتى تبعتها قضية اخرى تسبب بها تصريح وزير الداخلية السابق شارل باسكوا المنشق عن الديغوليين، ومفاده ان شيراك كذب عندما نفى ان يكون قابل زعيم "الجبهة الوطنية الفرنسية" اليمين المتطرف جان ماري لوبن خلال الفترة الواقعة بين دورتي الانتخابات الرئاسية سنة 1988. وجاءت أخيراً قضية النائب الديغولي السابق ديديه شولر، المتهم باختلاس أموال عامة لتمويل حملته الانتخابية، الذي اختار توقيتاً قد لا يكون بريئاً، لمغادرة سان دومينغو حيث اقام على مدى السنوات السبع الماضية والعودة الى باريس حيث أودع السجن. وهو يعرف الكثير عن اسرار التمويل السياسي لحزب شيراك. وترافقت عودة شولر بصخب اعلامي بالغ امتد ليلحق الأذى ايضاً بصورة شيراك، باعتباره المسؤول عن الفساد الذي شاع في أوساط حزبه في فترات سابقة. وتابع الحزب الاشتراكي الفرنسي هذه القضايا المختلفة، في اطار حملة اتسمت بمقدار من الابتذال والتهجم الشخصي على رئيس الجمهورية. فوصفه وزير الاقتصاد السابق دومينيك شتروس كان، الذي تمت أخيراً تبرئته من قضية فساد ارغمته على التخلي عن منصبه، ان "لديه من المزايا ما يمكنه من الوصول الى الحكم" لكنه يفتقر للمزايا المطلوبة لممارسة هذا الحكم. واعتبر الأمين العام للحزب الاشتراكي ان أقسى هجوم قد يتعرض له شخص ما في حياته هو ان يشبّه بشيراك، أما الناطق باسم الحزب فنسان بييون فصنف شيراك بأنه شخص متقلب وان هذا الأمر "مسلّ احياناً لكنه خطير دائماً". وفيما تستمر الحملة ينظر القريبون من شيراك بنوع من التخوف الى التقدم الثابت لشعبية وزير الداخلية السابق جان بيار شوفنمان، المنشق عن الحزب الاشتراكي، والذي يعد المستفيد الأكبر من تراجع شعبية الرئيس. والواقع ان شوفنمان الذي تفيد الاستطلاعات انه يحظى بنسبة تأييد تقدر بنحو 14 في المئة، يشكل خطراً اكبر على شيراك منه على جوسبان كونه نجح حتى الآن في اغراء جزء كبير من الناخبين الذين خاب أملهم من اليمين، خصوصاً انه يحرص على التمايز بشكل كامل عن الاشتراكيين. ودخول شوفنمان في الحملة الانتخابية بهذا الثقل، وهذا التوجه يجبر شيراك على تصميم حملته بشكل يأخذ في الاعتبار ان عليه مواجهة خصمين في آن هما جوسبان وشوفنمان. وفيما يلتزم شيراك الصمت حيال تطورات الحملة الانتخابية، مكتفياً بمزاولة مهماته الرئاسية، تتوزع ردود الفعل في أوساطه بين القلقين الذين يعتبرون على غرار وزير الخارجية السابق هيرفي دوشاريت ان خروجه من السباق الرئاسي في الدورة الأولى 21 نيسان/ ابريل المقبل وحصر الدورة الثانية بجوسبان وشوفنمان "احتمال ممكن". وهناك في المقابل من يعتبر على غرار الوزير السابق نيكولا ساركوزي ان على شيراك عدم التمادي في التريث والانخراط في الحملة، بالتوجه الى الفرنسيين رغم عدم اعلانه عن ترشيحه. وهناك أخيراً أولئك الذين يبدون ثقة مطلقة بقدرة شيراك على جذب الفرنسيين، فيعتبرون انه يفهم الشعب الفرنسي الى حد يسمح له بتقدير الظرف المناسب للاعلان عن ترشيحه وخوض حملته. والمؤكد ان شيراك حريص على عدم اعطاء الانطباع بأنه متأثر من جراء القضايا المختلفة والحملة التي تستهدفه أو انها تشكل عناصر ضاغطة عليه، لكن هذا الحرص لم يحل دون تكهنات بأنه قد يعلن ترشيحه الاثنين المقبل خلال زيارته لمدينة افينيون.