حسم الثنائي الحاكم في روسيا أمس، موقفه من المستقبل السياسي للرئيس ديمتري مدفيديف ورئيس الوزراء فلاديمير بوتين، قاطعاً الطريق على تكهنات أُثيرت أخيراً، في شأن احتمال خوضهما منافسة على مقعد الرئاسة في الانتخابات المقررة في 4 آذار (مارس) المقبل. وشهد مؤتمر حزب «روسيا الموحدة» الحاكم الذي انعقد في موسكو أمس، مفاجأة كبرى ستدفع أوساطاً حزبية وسياسية الى إعادة حساباتها قبل الانتخابات الاشتراعية المرتقبة في 4 كانون الأول (ديسمبر) المقبل. وكان متوقعاً أن يخرج المؤتمر بإعلان لائحة مرشحيه للانتخابات الاشتراعية، ما يعني إطلاق الحملات الانتخابية رسمياً. وعشية انعقاده، أُثيرت تساؤلات عن احتمال أن يكون بوتين على رأس اللائحة، بوصفه زعيماً للحزب، لكن الناطق باسمه، ديمتري بيسكوف، أعلن أول من أمس أن «من المبكر الحديث عن ترشيح بوتين على اللائحة». ومع افتتاح الجلسة العامة للمؤتمر، توالت المفاجآت، إذ بدأ بوتين خطابه بترشيح مدفيديف لترؤس لائحة مرشحي الحزب، ما أثار عاصفة من التصفيق في القاعة التي جمعت أكثر من 11 ألف شخص، في أضخم حضور لمؤتمر حزبي في تاريخ روسيا والاتحاد السوفياتي. لكن الحضور كان على موعد مع المفاجأة الأضخم، بإعلان مدفيديف في كلمة جوابية، استعداده لخوض الانتخابات الاشتراعية على رأس اللائحة الحزبية، مبلغاً الحاضرين ترشيحه بوتين لخوض انتخابات الرئاسة. واستخدم الرئيس الروسي العبارات ذاتها تقريباً التي استخدمها بوتين، عندما رشحه للرئاسة العام 2008، وقال إن ما يعرضه على المؤتمر «قرار دُرس بعناية، وناقشنا ذلك ثنائياً منذ فترة طويلة». وأعرب عن اقتناعه بأن «فلاديمير بوتين هو الشخص المناسب لتولي هذا المنصب». وفي حين أن فكرة عودة بوتين إلى الكرملين، بعد انتهاء ولاية مدفيديف، ليست جديدة، إذ تحدث كثيرون عنها، فإن المفاجأة أتت مع توقيت الإعلان مبكراً عن هذا الترشيح، ما اعتبره مراقبون مؤشراً إلى أن ثنائي الحكم قرر قطع الطريق على احتمالات استخدام التباينات التي ظهرت خلال الشهور الأخيرة بين فريقي الرجلين، خصوصاً مع إقبال البلاد على استحقاقين انتخابيين مهمين. واللافت أن بوتين الذي أعرب عن «تقديره الشرف الممنوح» له، تصرّف فوراً بوصفه رئيساً للبلاد، إذ أشار إلى أن مدفيديف سيكون قادراً على «تشكيل فريق شاب وحيوي، والعمل في الحكومة لمواصلة برامج التحديث والبناء»، ما عكس نيته تكليف الأخير رئاسة الوزراء، بعد انتخابات الرئاسة. كما تضمن خطاب بوتين بعد الترشيحات المتبادلة، بنوداً عن خطط للتطوير خلال السنين العشر المقبلة. واتخذ الحاضرون قراراً بضم خطابي بوتين (58 سنة) ومدفيديف (46 سنة)، وتحويلهما برنامجاً لخوض الانتخابات الاشتراعية. ويُرجح بعد التطورات التي شهدها مؤتمر «روسيا الموحدة»، أن يكون الهدف الأساس للحزب، السيطرة على أكثر من ثلثي مقاعد البرلمان، لضمان غالبية دستورية تتيح له سنّ القوانين وتعديلها، من دون الحاجة الى أصوات نواب الأحزاب الأخرى، علماً أن الحزب الحاكم أعلن لائحة بالمرشحين تضم 600 اسم، سيدخلون السباق على المقاعد ال450 في البرلمان. وتولى بوتين الرئاسة بين عامي 2000 و2008، لولايتين متتاليتين مدة كل منهما أربع سنوات، ورفض في نهايتهما دعوات الى إجراء تعديل دستوري يتيح له الترشح لولاية ثالثة، مستخدماً شعبيته الهائلة لدعم ترشيح مدفيديف الذي شغل منصب رئيس ديوان الرئاسة، ثم عُيِن نائباً أول لرئيس الوزراء، قبل توليه الرئاسة وتكليفه بوتين رئاسة الوزراء. وعلى رغم أن مراقبين اعتبروا أن الإعلان المفاجئ عن ترشيح بوتين للرئاسة، سيضعف الحماسة للانتخابات الاشتراعية التي توقّع كثيرون أن تكون حاسمة، لجهة تعزيز فرص ظهور منافس لبوتين، لكن هذا التطور دفع محللين إلى ترجيح أن تكون عودة الأخير إلى الكرملين «طويلة هذه المرة». إذ سيكون قادراً على ترشيح نفسه مجدداً لولايتين رئاسيتين، مدة كل منهما ست سنوات، استناداً الى تعديل دستوري أقره مجلس الدوما قبل نحو سنتين. في المقابل، اعتبر بوريس نيمتسوف، رئيس الوزراء خلال عهد الرئيس الراحل بوريس يلتسن، عودة بوتين الى الكرملين «سيناريو كارثياً». في واشنطن، أعلن الناطق باسم البيت الأبيض تومي فيتور أن الولاياتالمتحدة «ستواصل البناء على التقدم الذي تحقّق» في إعادة إطلاق العلاقات مع روسيا، بمعزل عن هوية الرئيس المقبل في موسكو. وقال: «السؤال عمن سيكون الرئيس المقبل لروسيا، أمر يحدده الشعب الروسي. فيما كانت لنا علاقات عمل قوية مع الرئيس مدفيديف، من المهم ملاحظة أن فلاديمير بوتين كان رئيساً للوزراء، خلال إعادة إطلاق العلاقات» بين البلدين.