منذ بداية الحصار المفروض على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وانحياز الديبلوماسية الاميركية المتزايد لمواقف رئيس الحكومة الاسرائيلي ارييل شارون، ومنها تحديداً تلك الداعية الى عزل عرفات، تميزت سياسة فرنسا الخارجية التي يقودها الوزير هوبير فيدرين بمواقف عبرت بوضوح عن عدم رضاها عن سياسة اميركية انزوائية تغفل الإصغاء الى رأي حلفائها. ومردّ هذا التمايز هو ان فرنسا تدرك خطورة النهج الاميركي في ما يخص الشرق الأوسط وايضاً خطورة النهج الأمني الذي يعتمده شارون، وتعتبر انه لن يؤدي إلا الى المزيد من الدمار والقتل والابتعاد عن السلام. وعبر فيدرين امس في حديث أدلى به الى اذاعة "فرانس انتير"، بوضوح عن هذا الموقف، فأكد انه "كان معروفاً منذ البداية ان الادارة الاميركية الحالية تعتمد سياسة احادية إزاء شؤون العالم من دون استشارة الآخرين". وقال ان هذا النهج الاميركي الذي تعزز وتأكد اثر احداث 11 ايلول سبتمبر بات يشكل مشكلة جدية لدول حليفة للولايات المتحدة مثل فرنسا، نظراً لتمايزها عن الرؤية الاميركية للعلاقات الدولية والعولمة وغير ذلك من الشؤون العالمية. وتصاعد الاستياء الفرنسي عقب خطاب الرئيس الاميركي جورج بوش امام الكونغرس عن حال الاتحاد، الذي وصف فيه ايران والعراق وكوريا الشمالية بأنها "محور الشر". ومن هذا المنطلق رفض فيدرين في تصريحه ما وصفه بالتبسيط الاميركي الذي يقضي بحصر كل المشكلات القائمة في العالم بمكافحة الارهاب. ومع ان فرنسا متضامنة مع الولاياتالمتحدة نتيجة الاعتداءات التي استهدفتها، كما انها ملتزمة بمكافحة الارهاب لاقتناعها بضرورة إزالة هذه الآفة، لكنها ترى انه ينبغي في الوقت نفسه التعامل مع المشكلات الاخرى والسعي لمعالجتها وليس صب الزيت على النار ودفعها الى التفاقم. لذا فإن الدىبلوماسية الفرنسية تعتبر ان الادارة الاميركية ترتكب خطأ كبيراً على صعيد تعاملها مع الأوضاع الفلسطينية - الاسرائيلية، وهو ما برز عبر قول فيدرين "ان نهجنا يختلف عن النهج الاميركي في عدد من المجالات" وان فرنسا لن "تتبع الولاياتالمتحدة في نهجها الخاطئ تجاه الشرق الأوسط". وفي مسعى لتدارك المزيد من التدهور وضعت فرنسا مجموعة أفكار مستوحاة من المحادثات بين وزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز ورئيس المجلس التشريعي الفلسطيني أحمد قريع أبو علاء تنص على الاعتراف بالدولة الفلسطينية كبداية لاستئناف المفاو ضات واجراء انتخابات فلسطينية لتكريس شرعية عرفات التي يعمل شارون على زعزعتها. وعرض فيدرين هذه الافكار على وزير الخارجية الاميركي كولن باول فلمس عدم اهتمامه بها، من دون ان يعبر عن رفضه لها، علماً ان باول كان يعتبر بمثابة عنصر معتدل في الادارة الاميركية، لكنه بدأ يميل نحو مواقف الغالبية في هذه الادارة تخوفاً من زوال تأثيره على صعيد السياسة الاميركية. ولكن في مواجهة هذا الواقع، ترفض الديبلوماسية الفرنسية الاستسلام والوقوف مكتوفة الأيدي وتسعى الى التحرك باتجاه الشرق الأوسط، وتنشط لاقناع شركائها الأوروبيين بضرورة مثل هذا التحرك. وفي هذا الاطار صرح فيدرين بأن مجموعة من الوزراء الأوروبيين سيقومون الاسبوع المقبل بجولة على الشرق الأوسط وسيتوجهون جميعاً للقاء عرفات، لأن "من غير الوارد ان نقطع الجسور معه" ولأن من غير الممكن للفلسطينيين "ان يختاروا حكام الاسرائيليين ولا يمكن للاسرائيليين ان يقرروا من يحكم الفلسطينيين". والى جانب حرص فرنسا على علاقاتها ومصالحها في المنطقة، فإنها تتخوف من خطورة السياسة الاميركية الحالية على صعيد استقرارها الداخلي، نتيجة الحساسيات المستنفرة، لخمسة ملايين مسلم وسبعمئة ألف يهودي من مواطنيها حول موضوع الشرق الأوسط.