على أصوات أجراس كاتدرائية مدينة اوبسالا الجامعية، وعلى موسيقى المغني اريك كلابتون، مشى ظهر امس نحو 1500 شخص، بينهم ولية عهد السويد فيكتوريا ممثلة القصر الملكي ورئيسة البرلمان السويدي بيرغيتا دال ووزيرة الاندماج منى سالين وعدد من النواب والوزراء، مشاركين في جنازة الشابة الكردية فاطمة ساهيندال التي قتلها والدها قبل اسبوعين بسبب خلاف عائلي حصل سنة 1998 أدى الى تمردها على عادات العائلة وتقاليدها، وبالتالي الى خروجها من كنف أهلها لتعيش مع صديق لها مثل زميلاتها السويديات. أثارت الجريمة مشاعر غضب واسعة في السويد، ونددت بها جميع الأوساط، مستنكرة ما يسمى "جرائم الشرف". واختارت الكنيسة السويدية بالاتفاق مع عائلة فاطمة المسلمة، ان تقيم لها الجنازة في كاتدرائية اوبسالا، وهي أقدم كنيسة في شمال أوروبا، اذ بنيت قبل 700 سنة، كما أنها المكان الذي نصب فيه معظم ملوك السويد عندما اعتلوا العرش وأهمهم مؤسس السويد الملك غوستاف فاسا. جلست الوفود الرسمية بالقرب من النعش الذي تقدمته صورة كبيرة للشابة فاطمة محاطة بورد القرنفل الأبيض كما تدلت من المذبح عشرة آلاف قرنفلة بيضاء. خيم على الجنازة، التي نقلتها القناة الرابعة في التلفزيون السويدي مباشرة، جو من الحزن الكبير ورموز انثوية كثيرة. فالخورية تولو كي بيلوند هي التي أشرفت على التأبين وركزت في كلمتها على المحبة بين البشر وعلى التسامح، وقالت: "بنيت كنيسة اوبسالا باتجاه الشرق حيث من هناك يأتي النور، وهذه الكنيسة أطلق عليها لقب "بيت السلاح" لأنه عندما كان يتصارع المتحاربون في ما بينهم، كانوا يأتون الى كنيسة اوبسالا للمصالحة، وقبل ان يغادروها يتركون كل أسلحتهم داخلها. فأنا اطلب منكم اليوم ان تتركوا كل مشاعر الكره والحقد في "بيت السلام" واخرجوا مفعمين بالسلاح". وابدت الخورية بيلوند احتراماً كبيراً للخلفية الدينية لعائلة فاطمة، اذ انها تجنبت في خطبتها ان تذكر كلاماً يفرق بين الاديان، بل ركزت على القول ان "الله واحد". ولوحظ ان ولية العهد فيكتوريا ارتدت قبعة كبيرة لتخفي عينيها وعلى رغم ذلك كان واضحاً مدى تأثير الحزن عليها، اذ انها اجهشت بالبكاء عندما تقدم عدد من رفيقات فاطمة الى النعش لإهدائها أغنية "حب واحد" للفرقة الارلندية "يو تو". جلست والدة فاطمة على يسار النعش محاطة ببعض أولادها وكانت تحدق في الفراغ ولم تظهر أي تجاوب مع الخطابات العديدة خصوصاً انها لا تتقن اللغة السويدية، ولكنها بكت عندما عزف شاب كردي مقطوعة كردية حزينة بعنوان "فاطمة". وطلبت الخورية من الجميع ان يحترم ما وصفته ب"قرار العائلة اجراء مراسم دفن تليق بالشهيدة فاطمة. واخترت ان اطلق عليها لقب شهيدة عصرنا لأنها علمتنا الكثير عن معنى الحرية". ثم تقدمت أربع فتيات وحملن النعش الذي مررن به من أمام الآلاف المتجمعين داخل الكنيسة وخارجها، ثم نقل الى "المقبرة القديمة" حيث دفنت بالقرب من صديقها الذي مات في حادث سير غامض قبل فترة. وكان والد فاطمة قتل ابنته بسبب علاقتها مع صديقها. أراد المجتمع السويدي ان يجعل مراسم دفن فاطمة شبيهة بمراسم دفن الأميرة ديانا، ولكن على مستوى محلي. فالضحية اعربت لصديقاتها منذ فترة انها ترغب في ان تدفن في كنيسة أوبسالا، وانها تريد ورداً أبيض وموسيقى. ولكن تلبية رغبات الضحية لم تنجح في اسدال الستار نهائياً على القضية التي أثارها قتلها. فالنقاش حول دوافع القتل لا يزال في بدايته، خصوصاً بعدما خرجت أخت فاطمة عن صمتها ووضعت اللوم في قتل أختها على الاعلام السويدي الذي استضاف فاطمة مرات كثيرة وحاول ابرازها كسياسية وهاجم من خلالها عائلتها والمجتمع الكردي. وقالت اختها: "والدي ليس بقاتل فهو انسان مريض، ما دفعه الى ذلك، هو الحملة الاعلامية التي سهلت لفاطمة ان تهاجمه وتهاجم عائلته". يذكر ان الوالد يقبع في السجن بعدما قتل فاطمة وسلم نفسه الى الشرطة.