تنفست بريطانيا الصعداء - موقتاً - عندما أعلنت مختبرات وزارة المواشي خلو الخراف التي اشتبه باصابتها بالحمى القلاعية من هذا المرض، في انتظار النتائج النهائية في غضون اليومين المقبلين. وكان عثر على الخراف "المشبوهة" في مزرعة في "هاونبي" شمال يوركشاير. وضربت السلطات حظراً عليها مانعة الاقتراب منها في دائرة قطرها ثمانية كيلومترات ما ذكّر باجراءات مماثلة اثناء موجة الحمى القلاعية في الوقت نفسه من العام الماضي. فهل تكون هذه "خاتمة الاحزان" أم انها "أول الغيث" الذي تليه عودة الهلع العام من الاوبئة التي تنتقل من الحيوان الى الانسان؟ وما يحرض على هذا الخوف انه في اسبوع واحد تواترت انباء متشابهة عن هذه الامراض، كأنها سيل متجمع بين هونغ كونغ في أقصى آسيا والولاياتالمتحدة مروراً بأوروبا. وفي وقت واحد، ظهرت اصابات بفيروس انفلونزا الدجاج في هونغ كونغ، أظهر خبراء فشل اجراءات منع دخول جنون البقر الى الولاياتالمتحدة، ورصدت منظمة الصحة العالمية تزايداً في اصابات السالمونيلا في اوروبا، إضافة الى جمع من الاوبئة المنقولة عبر المأكولات! وهكذا عاد هاجس اضطراب العلاقة بين الانسان والمواشي الى الاذهان ليضرب بقوة، ولم يكن مضى سوى اسابيع على ظهور اصابة بشرية بجنون البقر للمرة الاولى في ايطاليا. وكشفت تلك الاصابة عن تراخ في اجراءات الوقاية، بل اعترفت ايطاليا بوجود 57 اصابة بين الابقار، لم تكن معروفة قبلاً. وأرغم ظهور اصابات جديدة بفيروس انفلونزا الدجاج السلطات الصحية في هونغ كونغ على الاعلان عن عزمها التخلص من المزيد من الدجاج، وبمئات الآلاف. والحال ان الشهر الفائت شهد ذبح 860 ألف دجاجة في هونغ كونغ بعد ظهور اصابات بذلك الفيروس فيها. واقامت السلطات فوراً منطقة عزل للمزارع المصابة، لكن الحالات الجديدة ظهرت خارج منطقة العزل. ولم يعد من مفر من الاقدام على مزيد من عمليات الذبح الجماعي للدجاج. ويرجع الخوف من انفلونزا الدجاج الى احتمال اندلاع موجة عالمية من الانفلونزا، تشبه تلك التي حصلت قبيل الحرب العالمية الثانية، وحصدت ملايين البشر في الارض. وفي بيان واضح، أعلنت منظمة الصحة العالمية ان اوروبا تشهد موجة من الاوبئة المنقولة عبر الاطعمة، ما يوجب ايجاد نظام تنبيه ملائم. ومن هذه الامراض، تبرز بكتيريا السالمونيلا التي تسبب تسمم الطعام وجنون البقر والحمى القلاعية واللحوم المسممة بالديوكسين. واذا كانت اوروبا "تعودت" على أجواء الاوبئة في الآونة الاخيرة، فإن الولاياتالمتحدة لم تعد بمنأى عنها. والحال ان ثمة وباءين "بعيدين" عنها، هما الحمى القلاعية، التي تخلصت منها في العشرينات، وجنون البقر. ولكن، يبدو ان "دوام الحال من المحال"، وعلى الولاياتالمتحدة ان تقلق كثيراً، وكثيراً. ففي وقت قريب على وزارة الزراعة الأميركية ان تعلن عن رفع اليابان الحظر الذي كانت تفرضه على معظم واردات المنتجات الداجنة من الولاياتالمتحدة بعد ظهور فيروس لا يضرّ بالانسان بين الطيور في وقت سابق هذا العام. وكانت اليابان والفيليبين اوقفتا الشهر الماضي وارداتهما من الطيور الأميركية بعد ظهور سلالة ضعيفة من فيروس انفلونزا الطيور في مزارع في ولايتي بنسلفانيا وماين. ولكن هذه السلامة لم تطل كثيراً، وسرعان ما اشار تقرير خبراء فيدراليين الى ضعف الاجراءات التي اطمأن اليها "مكتب الغذاء والدواء" الفيدرالي، لمنع دخول مرض جنون البقر الى الولاياتالمتحدة. وشدد على ان الاعلاف البيولوجية، اي التي تخلط مع بقايا المواشي النافقة وهياكلها العظمية، وجدت طريقها الى اميركا. والحال ان هذه الاعلاف هي الطريق الرئيس لانتقال مرض جنون البقر! اذاً، الاستثناء الاميركي وأمنه الكامل، مرشح للاهتزاز... مجدداً.