برزت "العولمة العسكرية" بعد أحداث 11 ايلول سبتمبر الماضي كما في سيناريو افغانستان، وشهدنا دولة عظمى "تسقط" حكومة بلد آخر وتشكل له حكومة في بلد ثالث ثم "تشحنها" الى البلد المقصود، وتستدعي قوات دولية لدعمها، ويطلب من جيش البلد ترك العاصمة للقوات الدولية بحجة المحافظة على الأمن فيها. وكثر الحديث في الفترة الأخيرة عن "نسخ" التجربة الأفغانية و"سحبها" على العراق، أسلوباً في تغيير النظام، واحتمال توجيه واشنطن ضربة عسكرية لنظام صدام حسين. وتزامن ذلك مع وصف الرئيس جورج بوش ايرانوالعراق وكوريا بأنها تشكل "محور الشر". وبرزت في الوقت نفسه "رغبة" لدى الدول ذات الشأن بالوضع العراقي في تفادي أي ضربة عسكرية لبغداد، واعادة نظام صدام الى الحظيرة العربية والدولية. ومع تضارب التصريحات والتقديرات بشأن "الهدف" الأميركي الحقيقي من "التسريبات" الصحافية، لا بد من التشديد على ان الشعب العراقي يرفض كل المحاولات التي تهدف الى إبقاء صدام وبطانته في السلطة، وإذا كان المقصود انقاذ العراق والعراقيين فلا بد من تغيير أسس النظام، وهم الحلقة التي رهنت وجودها بالسلطة، وتقويض دعائم وأسس البناء القمعي. وفي ظل الأنباء عن توجيه ضربة قاسية لنظام صدام ولا أحسبها قاضية ما هو دور المعارضة العراقية في الداخل والخارج إزاء هذا الاحتمال؟ يجب ان نسجل أولاً وقبل أي شيئ ان الشعب العراقي يريد التخلص من نظام صدام، لكن لا على أساس ان تفرض عليه حكومة لا تمثله تمثيلاً حقيقياً، وهذا الأمر بحاجة الى: أولاً - متطلبات تقوم بها المعارضة العراقية الآن تلافياً لما قد يفرض عليها مستقبلاً، نشير اليها بإيجاز: 1- تآلف قوى المعارضة في الداخل والخارج، ورفع كل الحواجز بينها، لتبدو قادرة على خلق أجواء الوحدة الوطنية إزاء التغيرات المتوقعة. 2- الاتفاق على القواسم المشتركة، حتى وان مثلت الحد الأدنى من الطموح. 3- التخلي عن استخدام "الفيتو" ضد بعضها بعضاً، ففرض الفيتو يرجع القضية الى عهد الاستبداد والديكتاتورية الذي نحاربه منذ عقود. 4- نبذ سياسة العنف واستخدام الوسائل غير المشروعة في تحقيق الأهداف السياسية. 5- تقديم المعارضة خطاباً سياسياً موحداً يؤكد ثوابتها وطموحاتها في ايجاد دولة فاعلة لعراق الغد، يجد صدى مقبولاً لدى الجهات الاقليمية والعالمية. ثانياً - المقتضيات التي لا بد من العمل بها في المرحلة المقبلة: 1- تشكيل حكومة ائتلافية موقتة لفترة لا تزيد على السنة الواحدة، تتشكل من الرعيل العراقي المعارض، مع ضرورة ملاحظة الخبرة والكفاءة لإدارة أمور البلاد في المرحلة الانتقالية. 2- اجراء الحكومة الموقتة استفتاء عاماً للعراقيين في الداخل والخارج عن نوع الحكم المطلوب للبلاد، تحت اشراف هيئة دولية. 3- في ضوء نتائج الاستفتاء يتم وضع مسودة دستور دائم وقانون انتخابات لضمان مجلس تشريعي يعالج المشاكل والتراكمات الموروثة بما يساعد على انعاش الوطن ويؤمن حقوق الانسان بشكل يضمن عدم تكرار الانتهاكات القاسية، ويوفر الأمن والاستقرار للمواطن، مع ضمان الحريات العامة. 4- من أبرز مهمات الحكومة الموقتة وضع خطط لدرس المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية ومعالجتها لتكون بعد ذلك أمام تصرف الحكومة المنتخبة لتنفيذها. ثالثاً - خصائص الحكومة المقبلة لعراق المستقبل: 1- ان تشكل الحكومة المقبلة من رموز المعارضة ممن لهم خبرة كافية في إدارة شؤون الحكم، لا على أساس الموازنات الحزبية أو الشخصية التي تدور في اطار النسب والأولويات النضالية. فالمشاركة يجب ان تستند الى الخبرات التخصصية والكفاءة العلمية والإدارية، إضافة الى الرصيد النضالي. 2- تأسيس مجلس رقابة على أعمال الحكومة ومحاسبتها، ويشكل هذا المجلس صمام أمان لعدم بقاء الحكومة "فترة ثورية" غير محددة ودستور موقت، كما هو حاصل في عهد صدام. 3- الحفاظ على الموارد الاقتصادية للبلاد، مع اعطاء الأولوية للقطاع النفطي، والعمل على استغلالها لمصلحة الوطن بشكل عملي، ومعالجة الديون المتراكمة على الدولة من العهد السابق، وتفعيل حركة التنمية العامة في محاولة لإعادة البلاد الى حالتها الطبيعية عن طريق مشاركة القطاع الخاص. 4- العمل على رسم سياسة متوازنة تنعش العلاقات مع دول الجوار - خصوصاً تلك المتضررة من الأنظمة السابقة في مقدمها نظام صدام - على أساس الحوار البناء والروابط المشتركة، وانهاء كل ألوان النزاع مع دول الجوار على أساس "الندية" واحترام المصالح الوطنية، وايجاد السبل الكفيلة بحفظ حقوق الأطراف بالطرق السلمية أو التحكيم. 5- من أهم وظائف الحكومة التي تعقب نظام صدام الغاء الطائفية السياسية، وان تعيد للشعب العراقي بكل طوائفه ومذاهبه وتكويناته الكرامة التي اسقطتها الأنظمة السابقة نتيجة التعصبات المذهبية أو الايديولوجية أو القومية، ورفض أي قانون يحمل هذه الروح التقسيمية، واعتبار الشعب العراقي وحدة متلاحمة لا يمكن فصل بعضها عن بعض بامتيازات موروثة من العهدين العثماني والبريطاني التي أدت الى تصنيف الشعب الواحد الى درجتين، إضافة الى إعادة حقوق كل المهجرين. فالكل متساوون في المواطنة، لهم حقوقهم والتزاماتهم أمام الدستور العراقي المقنن من جانب مجلس تشريعي منتخب يمثل تكوينات الشعب العراقي. 6- إعادة إعمار البنية التحتية للعراق مع العمل على اشراك الدول الاقليمية والصديقة في تحقيق ذلك بما يمكن من رفع مستوى الحياة التعليمية والصحية للفرد العراقي، خصوصاً في المناطق التي تعرضت للدمار في الحربين الخليجيتين الأولى والثانية. * معارض عراقي، لندن