كنت أجمع مادة عن الجهاد في شريعة الإسلام عندما انتشر خبر قتل الصحافي الأميركي داني بيرل فرددت القول: "اللهم قِني شر أصدقائي، أما أعدائي فأنا أتكفل بهم"، فالذين قتلوا رجلاً امرأته حامل في شهرها السابع بعيدون عن الإسلام السمح، والمسلمون المسالمون منهم براء. سمعت بعد قتل بيرل من سأل عن سر الاهتمام الكبير بقضيته وهو رجل واحد، وآرييل شارون يقتل الأبرياء، من الفلسطينيين كل يوم، وهذا صحيح وشارون مجرم حرب معروف، إلا ان جرائم شارون كلها لا تبرر قتل انسان بريء بل تجعل قتلته شارونيين مهما حاولوا ايجاد الأعذار لأنفسهم، أو حاول مناصروهم تبرير فعلتهم. وفي حين لا أعرف قضية الذين قتلوا بيرل، فهي قضية خاسرة بقتله، ولو كانت عادلة قبل ذلك. كنت بعد خطف بيرل توقعت الأسوأ، فاحتفظت بقصاصات كثيرة من الصحف ومصادر الأخبار، وبينها صفحة من "صنداي تايمز" عنوانها "جهاد المتعصبين" ضمت صورتين، احداهما باتت مشهورة للصحافي مكبل اليدين ومسدس مصوب الى رأسه، والأخرى لزوجته الحامل قتل 68 صحافياً سنة 2001، بينهم ثمانية قتلوا في افغانستان. ونحن نقول الجهاد، إلا انهم بالإنكليزية يقولون "جهاد" غير مُعرَّفة، وأقرأ "أخوة جهاد عالمية" أو "تفاصيل تدريب جهاد..." و"جهاد: ازدياد الإسلام المتطرف في آسيا الوسطى". وهذا الأخير عنوان كتاب. الجهاد ليس قتل صحافي بريء، وليس جماعات ضالة مضللة، تعلم القتل، وليس تطرفاً. فضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر كتب في الزميلة "الأهرام" عن "الفرق بين الجهاد والإرهاب" فقال: لقد قسم العلماء الجهاد في شريعة الإسلام الى ثلاثة اقسام: جهاد النفس ومعناه منعها وصيانتها عن الوقوع في ما نهى الله تعالى عنه، وإلزامها بالوقوف عند حدوده عزّ وجل، وبأدائها للتكاليف التي كلفنا بها سبحانه. جهاد الشيطان ومعناه مخالفته مخالفة تامة في ما يزينه للإنسان من شهوات، وما يحسنه له من شبهات، وما يدعو إليه من رذائل وقبائح وسيئات. جهاد الأعداء ومعناه دفع أذى الظالمين والباغين الذين لا يتركون وسيلة من الوسائل التي تضر وتؤذي المسلمين إلا اقترفوها ونفذوها، وانضموا الى كل ظالم وغادر لكي يساعدوه على هدم كلمة الإسلام والمسلمين. وقال الشيخ الطنطاوي ان من الآيات التي جمعت هذه الأقسام الثلاثة لمعنى الجهاد قوله تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين" العنكبوت 69، أي والذين بذلوا اقصى جهدهم في طاعتنا، وفي صيانة انفسهم عن كل ما لا يرضينا، وفي مخالفتهم الشيطان، وفي محاربة الظالمين المفسدين، لنهدينهم الى الصراط المستقيم ولنجعلن النصر والظفر لهم. إذا كان هناك من يريد ان يجاهد، فهو سيزيد الى الشجاعة الحكمة إذا اتبع شيخ الأزهر، لا متطرفين جهلة من انصاف المتعلمين والمجرمين بالكامل. وربما زدت الى ما سبق حديثاً معروفاً اخرجه البيهقي وغيره عن جابر رضي الله عنه، قال "قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم غزاة فقال: "قدمتم خير مقدم. قدمتم من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر. قيل: وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟ قال: مجاهدة العبد هواه". وفي "دائرة المعارف الإسلامية" ان الجهاد فرض ديني وقد امر به القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، وجاء في احاديث مختلفة ان الجهاد عمل من اعمال العبادة الخالصة، وأنه باب من ابواب الجنة... والجهاد "فرض كفاية" لا "فرض عين"، أي انه يفرض على الجماعة باعتبارها كلاً، وإنما يصبح واجباً على كل فرد بعينه من حيث ان مشاركته في الجهاد تكون لازمة لتحقيق الفرض الذي تصوره الشرع. ومن ثم فإن ما تقوم جماعة من المسلمين يكون عددها كافياً لسد حاجات قتال بعينه حتى لا يعود واجب الجهاد يقع على الآخرين. وتقول التعاليم العامة ان واجب الجهاد يقع في المحل الأول وبصفة شخصية من حيث هو فرض عين على اولئك الذين يعيشون في الأرض التي هي اقرب ما تكون للعدو... والكلمات الأخيرة تعني ان الدفاع عن المسجد الأقصى فرض عين على الفلسطينيين وكل المسلمين في جواره، وفرض كفاية على المسلمين في بلاد بعيدة، مثل بنغلادش وأندونيسيا. هذا هو الجهاد الحقيقي في القرآن الكريم وأحاديث الرسول، وكما يشرحه كبار العلماء مثل شيخ الأزهر، اما قتل الأبرياء، من برجي مركز التجارة العالمي الى صحافي في باكستان، فجريمة لا يقبلها شرع أو دين، والذين ارتكبوها يستحقون العقاب الرادع. وكنت وقعت على رسالة تطالب بالإفراج عن داني بيرل، من دون ان انتظر الرحمة به وبزوجته الحامل من ناس لا عقل لهم او دين او إنسانية، وأوقع اليوم على زاويتي هذه، وأدين القتلة الذين لا يعرفون معنى الجهاد كعمل من اعمال العبادة، وباب من ابواب الجنة.