ألقى تدهور الأوضاع الأمنية في أفغانستان عموماً وكابول خصوصاً بعد اغتيال وزير الطيران المدني عبد الرحمن بظلاله على موعد استحقاق نقل السلطة المرتقب في نيسان أبريل المقبل من الحكومة الانتقالية الحالية برئاسة حامد كارزاي الى رئيس جديد ينتخبه مجلس "اللويا جيركا" الذي تجمد الاستعداد له منذ فترة. فالأحداث الأخيرة خلطت الأوراق بدءاً من اغتيال الوزير ومهاجمة مركز قوات السلام الدولية إيساف في كابول والهجوم على قاعدة قندهار وشكوى كارزاي من احتمال اغتياله الى مسائل محلية واقليمية اخرى عصفت بكل الجهود الاميركية لاستتباب الأمن في أفغانستان. واذ استمر التشويش فإن البلاد ستغرق في أزمة دستورية جديدة وهي الأزمة التي طالما غرقت فيها أفغانستان وعانت منها منذ عقود. حادث قتل وزير الطيران المدني الأفغاني أعاد الى الذاكرة الصراع الخفي بين الجناح الملكي وجناح "شورى نظار" الذي كان يرأسه القائد الراحل أحمد شاه مسعود ويمثله الآن الثلاثي وزير الخارجية عبدالله عبدالله، ووزير الدفاع محمد قاسم فهيم، ووزير الداخلية يونس قانوني. وكلهم في المناسبة من بنجشير قرية أحمد شاه مسعود. في المقابل لا يزال الجناح الملكي مهلهل وفي حال سيولة لا تجمعه سوى عباءة الملك الأفغاني السابق المقيم في روما وكان متوقعاً أن يصل الى كابول في 21 آذار مارس المقبل. وهي مناسبة مهمة للأفغان إذ صادف عيد النوروز وبداية السنة الأفغانية الجديدة. وبحسب المقربين منه دفعه حادث الاغتيال الى التريث وربما عدل عن فكرة العودة خصوصاً بعد ان تحدث بعض المصادر عن إمكان انسحاب أتباعه من كابول ومناصب الحكومة تحديداً خوفاً على حياتهم بعد الإشارات التي صدرت عن رئيس الحكومة كارزاي وأنه لم يعد بعيداً عن دائرة الاستهداف. السؤال لماذا العودة الى لعبة النار والاغتيالات في أفغانستان وتورط الحكومة الأفغانية وتحديداً جماعة أحمد شاه مسعود في عملية الإغتيال؟ وما هي الأهداف المرجوة من ذلك؟ بحسب مصادر الملك والمقربين منه تهدف الحملة الى نقطتين رئيسيتين هما: أولاً: يدرك معسكر "شورى نظار" أن نقل السلطة الى الملك الأفغاني السابق يعني تهميش دوره إذ أن قواته تصلح لوقت الحرب وليست لديها تلك الكوادر المدنية المتدربة على العمل السلطوي في وقت السلم. وبالتالي فإن مثل هذا الحادث سيرعب جماعة الملك ويغادرون البلاد وحينها ستخلو الساحة لجماعة "شوري نظار" وتيار تحالف الشمال. وفي ظل فقدان جماعة الملك السابق لأي قوة حماية عسكرية في مواجهة "شورى نظار" يغدو وجودهم في كابول تحت رحمة قوات "شورى نظار" متعذراً فيظهرون أمام شعبهم وكأنهم عملاء لهم وهي نقطة حساسة في أفغانستان. ثانياً، بعد تشكيل حكومة كارزاي بدأ معسكر المعارضة الأفغانية سابقاً الذي يضم عدة فصائل بالتصدع. وحتى ان رئيس الجمعية الإسلامية والرئيس السابق برهان الدين رباني، وهو الحزب الذي يتحدر منه اصحاب الوزارات السيادية، بدأ يتململ من تهميش دوره. تضاف اليها إشارات انزعاج من الحليف البشتوني عبد رب الرسول سياف. واحتمال عودة الاقتتال والاصطفاف ستعزز هذه الجبهة في ظل متربصين كثر في أفغانستان، ربما اتحدوا في أية لحظة ضدهم. ويشكك أنصار الملك الأفغاني السابق بنزاهة القوى الدولية وحياديتها وتحديداً الاميركية ويلمحون الى إنحيازها الى جانب قوات "شورى نظار" ضاربين بعرض الحائط مصالح الغالبية البشتونية وتطلعاتها التي حرمت من التمثيل المتوازن في الحكومة الحالية حتى غدا أي طاجيكي منتم الى معسكر "شورى نظار" بإمكانه توريط بشتوني وتسليمه الى القوات الاميركية بتهمة أنه من حركة "طالبان" أو تنظيم "القاعدة". ولا تستبعد مصادر أفغانية ان تكون المصلحة الاميركية حتى الآن هي بقاء قوات "أقلياتية" في الحكم توافق على كل ما تطلبه منها بينما في حال ظاهر شاه وجماعته فهم يمثلون غالبية البشتون ويحظون بدعم جماهيري الامر الذي يخفف من الضغط الاميركي والتدخل في الشؤون الداخلية الأفغانية. وفي محاولة لتخفيف وطأة هيمنة "شورى نظار" على مقاليد السلطة هدد رئيس الحكومة الانتقالية كارزاي، بعد اغتيال الوزير الأفغاني، باستدعاء مزيد من قوات السلام الدولية الى كابول وتوسيع صلاحياتها متهماً 20 شخصية كبيرة بالتورط في عملية اغتيال عبدالرحمن. ولكن لا القوات الدولية سمعت رأيه ولا هو نفذ تهديداته بالقبض على الشخصيات المتهمة ومحاكمتها. وبالتالي فمن يقبض على من؟ فاذا كان رئيس جهاز الأمن ونائب وزير الدفاع متورطين في عملية الاغتيال، فان مشكلات حكومة كارزاي تضاعفت خصوصاً من جهة الوعود التي قطعتها الدول المانحة في مؤتمر طوكيو التي وصلت الى 5،4 بليون دولار بينما عجزت الحكومة عن دفع معاش شهر واحد من رواتب الاشهر الستة المتأخرة. الى ذلك، تعرّضت القوات الدولية لهجمات وفشلت حتى في الاشراف على مباراة رياضية في ملعب كابول التي اسفرت عن قتل أفغاني واستدعاء لندن للجنديين البريطانيين اللذين تورطا في عملية القتل لمحاكمتهما. وكانت واشنطن رفضت اي مشاركة لجنودها في القوات الدولية لأنها توقعت ان تتعرّض لهجمات. ويدور الآن نزاع بين أعضاء الدول المشاركة في هذه القوات 35 ألف جندي لقيادتها الى ان وقع الخيار على تركيا بعد ان رفضت عدة دول أوروبية وكذلك أميركا المسألة. وكانت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر وصفت أفغانستان ب"بلد غدار" قياساً على الخبرات القديمة هناك. أما على صعيد الولايات الأفغانية فما يزال الوضع في حال قابلة للانفجار في أية لحظة، ففي الشمال الأفغاني تتواصل المعارك بين القوات الموالية لوزير الدفاع الجنرال قاسم فهيم ونائبه عبدالرشيد دوستم ما أوقع عشرات القتلى والجرحى للسيطرة على مرفأ مطل على طاجيكستان ومناطق استراتيجية في مزار الشريف. وفي خوست شرق افغانستان ما يزال الوضع متوتراً بسبب رفض القادة الميدانيين تعيين الحكومة الحاكم السابق باتشا خان زاردران. وبعد أن طرد بالقوة عمدت الحكومة الى تعيين حاكم جديد وهو ما رفضه الحاكم المعين السابق. وفي الجنوب الغربي والشرقي يتهم قادة محليون ايران بالتورط في مواصلة تدخلاتها عبر دعم قوات حاكم هيرات الجنرال اسماعيل خان وهو ما دفع القادة البشتون في قندهار الى وصف ايران بأنها "أخطر من القاعدة". ويقول شهود عيان ل"الحياة" ان "القوات الاميركية قصفت شاحنتين ايرانيتين كانتا متجهتين من الحدود الايرانية الى هيرات محملتين بالاسلحة والذخائر". وتضيف المصادر: "ان طائرة اسماعيل خان ايرانية والاميركيون منزعجون جداً اذ ان لعبة التدخلات الاقليمية ستتواصل وبالتالي ستنسف اللعبة الاميركية في أفغانستان بدعم روسي - أوزبكي، الامر الذي يعني ان أفغانستان عادت الى المربع الاول وهو مربع التنافس بين قوى اقليمية". وكان الوزير القتيل عبدالرحمن اتهم وزير الدفاع الأفغاني قاسم فهيم قبل اسبوع من اغتياله ببيع أسطول الطائرات الأفغانية المدنية "أريانا" الى ايران وهو يعني ان الجناح الملكي يشكك بوجود علاقة بين "شورى نظار" وايران.