الكتاب: أجملهن رواية الكاتب: عبدالسلام العجيلي الناشر: شركة رياض الريس للكتب والنشر - 2002 لتكن رواية عبدالسلام العجيلي دعوة إلى رحلة سياحية نرافق فيها، كخيال الظلّ، "أجملهن" في اجتياز حدود المسافات وحدود الذات. يحط العجيلي بطله "سعيد" في أراضي النمسا، وتحديداً في عاصمتها فيينا. ويرفع الستار على سعيد المستند الى جدار الكنيسة العالي في شارع من شوارع فيينا وهو يحدث نفسه بصوت مرتفع "حسناً ما دام الأمر هكذا فلن أتعرض الآن الاّ لأجملهن" ونحن لا ندري ما الأمر الذي دفعه الى اتخاذ هذا القرار. وللقارئ فسحة من الخيال لاختيار ما شاء من الأسباب لذلك: ولكن ليكن على يقين من أن سعيد اختار "أجملهن" وهي "سوزان" ذات الاثني وعشرين عاماً أو ربيعاً. ففي صفات الجمال التي سكبها الكاتب على تلك الفتاة ما يوحي بالربيع حقاً: "عينان واسعتان، عسليتان، في محيّا أزهر أميل الى الشقرة، يحيط شعر كستنائي طويل، يضرب الى كتفيها وتنفرج خصلاته عن عنقها الأغيد الطويل...". وهكذا ننطلق مع الثنائي في شوارع فيينا، ونقف وقفة تأملية، نرمق وعند الغروب، ذاك الدانوب الأزرق الذي تنساب مياهه كانسياب أنغام فالس شتراوس"، مع صبية بديعة الحسن، ذات نفسٍ في شفافية الكريستال وفي حديثها أناقة وأدب وذكاء". ولنعرج من ثم على ضاحيتي غريتنزيغ وكوبتزل ونمرُّ بمنازلهما مع سعيد وسوزان، ونلج بوابتهما، ونجوب ساحاتهم المظللة بأشجار الكرمة. ونسمع الثنائي يغنيان ويصفقان ويتمايلان مع الحضور في الساحة على أنغام كمنجات وأكورديونات يعزف عليها بعض الساهرين. ونتعرّف من ثم الى البيوت التي سكنها بيتهوفن، كما تشير الى ذلك اللوحات المثبتة على مداخل تلك البيوت، براعة في التصوير يتقنها العجيلي الى حد تتراءى المشاهد حيّة، حتى يخيّل إلى القارىء أنه يصيخ السمع لالتقاط الألحان المنبعثة من تلك الحلقات متمايلاً مع الذاهبين والغاديات. وهكذا تأخذ سوزان سعيد، كما تأخذ القارئ في رحلة اختارت هي برنامجها. تتتالى المشاهد، وتتتابع الأحداث رتيبة الوقع بين الوصف والسرد، وبين القيل والقال، لتفتح "أجملهن" من كوة الجمال الروحي نوافذ على مساحات فكرية وتاريخية، تتسع وتتسع لآفاق فلسفية ولرؤى ايمانية ترتقي الى معارج الصوفية. وهذه وتلك تتسع لاستدعاءات تقصي القارئ عن الحدث الروائي وتصله بتاريخ الأديرة، وتسمعه قصص الراهبات، فيتعرّف على منهجية حياة الرهبنة الكرملية وسواها. ويجول القارئ بعين الخيال في أنحاء دير الكرمليين متفحصاً ومأخوذاً بفن عمارته الذي لم تغب عنه آثار الزمن المغرق في القدم على رغم لمسات التجديد فيه. رحلة سياحية وفكرية، وتداعيات وقارئ يتوسط حواراً صامتاً حيناً، هامساً أحياناً، وعلنياً أحايين. يسترسل العجيلي في سردياته متنقلاً ما بين سعيد وسوزان، معرياً للقارئ منولوجها الداخلي، قاطعاً الاسترسال الحواري، ليوقع القارئ في بعض التشويش الذهني، وليوقع من ثمّ انسياب السيرورة الروائية في بعض البرود، من دون أن يعني ذلك تجريد الرواية تماماً من عنصر الشغف الممتع، وهو حاول تفعيله من خلال حكاية الأخت الفرنسيسكانية ندى التي كانت تقيم في فرنسا للدراسة. وهي لجأت اليه عندما كان في بلده لمساعدتها في رسالتها التي كانت تعدها لنيل درجة الماجستير، ولكنها قبل إتمامها قضت في ظروف مأسوية نتيجة انفتاحها وصراحتها. وتركت تلك الفتاة حزناً كبيراً في نفسه. فها هي قصتها تقفز في خاطره من وحي الكنائس والأديرة والراهبات، وربما من وحي صورة سوزان التي شابهتها ربما في جمالها الروحي. وكان للأخت ندى في نفس سوزان مكانة. ومنها استحوت تلك القصة ديمومتها التي كان لها ان تتلاشى في ذهن القارئ لولا اصرار سوزان، على سعيد لمتابعتها. وهدفت محاولة العجيلي في هذا التداخل الروائي الذي صنعه، التأكيد على العنصر الانساني المتولد في المناخات الايمانية والذي يجمع الشرق بالغرب مزيلاً الحواجز الزمانية والمكانية. وهكذا يتدرج الكاتب من موقف الى موقف ومن رؤية الى رؤية... ناقلاً القارئ من حال الى حال... فالقصة تبدأ بشاب عبثي لاهٍ، وتنتهي بشابٍ جاد تسرب جمال الروح والنفس الى خلاياه، ليصبح ذلك الجمال جزءاً من كينونته الحاضرة. ويسجل العجيلي انتصارات الروح عند هذا التحوّل الذي شهدته نفس سعيد، وايضاً عند اختيار سوزان أدب الرهبنة فكان أن رفضت طلب سعيد للزواج. ومن زاوية أخرى يقفز في الخاطر سؤال: هل نجح الروائي في إيصال فكرته الى القارئ ؟ ربما الى حد ما، فمن خلال المواقف والأقوال حاول العجيلي وعلى ضوء ثنائية سعيد وسوزان الكشف عن عقلية المرأة الأوروبية وعن نظرتها الى قضايا الفكر والروح والجسد، ومقارنتها بنظرة سعيد الشخصية ونظرة الناس في بلاده اليها. وهنا وجهة نظر مغايرة. فمن الأرجح اعتبار سوزان نموذجاً مثالياً في المجتمع الغربي" فلن تكون نساء أوروبا كلهن سوزان، حتى ولن يكون شباب الشرق كلهم سعيد. سعى العجيلي الى خلق مناخات، واصطناع مواقف، واثارة عواطف، وافتعال مقاربات، واستحضار تاريخ، ونقد مجتمعات وأفراد، في محاولة تشكيل سيمفونية روائية متجانسة الايقاع، يتماهى القارئ في سردياتها" الا ان هذا القارئ يطوي آخر صفحة من هذه الرواية، وحيداً، بعيداً من عالم العجيلي الذي نسجه.