جامعة الملك عبدالعزيز تحتفل بتخريج الدفعة ال ( 54 )    انطلاق النسخة الثالثة من منتدى صندوق الاستثمارات العامة والقطاع الخاص    الأردن: لا توطين.. لا تهجير.. ولا حلول على حسابنا    اجتماع الطاولة المستديرة السعودي - الأمريكي يبحث فرص الشراكات وتبادل الخبرات في صناعة الطيران    كوريا الجنوبية تتجه لإقامة علاقات دبلوماسية مع سورية    "زين السعودية" و"هواوي" توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز تجربة "حج 2025" عبر الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات    "البيئة" توقع مذكرة تفاهم لتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي    استشهاد فلسطيني في قصف إسرائيلي على رفح.. واعتقال 70 فلسطينيًا في الخليل    تراجع أسعار الذهب بعد تصريحات جيروم باول    حكومة لبنان: بيان وزاري يُسقط «ثلاثية حزب الله»    منصة "حوار في العمق" تناقش التحولات الإعلامية واستراتيجيات التطوير    «اليونسكو» تستشهد ب«سدايا» نموذجاً عالمياً في دمج البيانات والذكاء الاصطناعي    «أرسين فينغر» يطلع على استراتيجية المنتخبات والإدارة الفنية    ليث نائباً لرئيس الاتحاد العربي لكمال الأجسام    الكناني يدشّن مهرجان «نواتج التعلم» في متوسطة الأمير فيصل بن فهد بجدة    السعودية تتسلّم رئاسة الشبكة العالمية لسلطات إنفاذ قانون مكافحة الفساد    الصيد.. تجربة متكاملة    المملكة تواصل جهودها الإنسانية عالميًا عبر «الملك سلمان للإغاثة»    الدول العربية تبلغ واشنطن رفض خطة ترمب لغزة    بعد البشر والحجر.. الاحتلال يستهدف «المكتبات الفلسطينية»    متسابقة «مبتورة الأطراف» في أصعب برنامج مغامرات    المملكة 11 عالميًا والأولى إقليميًا في المؤشر العالمي لسلامة الذكاء الاصطناعي    مملكة الأمن والأمان    القيادة تهنئ الرئيس الإيراني بذكرى اليوم الوطني لبلاده    نيابة عن خادم الحرمين.. ولي العهد يرعى الحفل الختامي لمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل    «ريمونتادا» مثيرة تقود ريال مدريد لكسر عقدة مانشستر سيتي بفوز تاريخي    شعرت بالاستياء لرحيل نيمار.. جيسوس: إمكانات" صلاح" تناسب الهلال.. ورونالدو فخر للبرتغاليين    "بونهور" مديراً فنياً لاتحاد كرة القاعدة والكرة الناعمة    سلمان بن سلطان: القيادة تولي اهتمامًا بتنمية المحافظات    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد يؤكد : رفض قاطع لتصريحات إسرائيل المتطرفة بتهجير الفلسطينيين    مناقشة سبل مكافحة الأطفال المتسولين    إزالة «العقارات العشوائية» بمكة ينشط أسواق المستعمل والسكراب    قرد يقطع الكهرباء عن بلد بالكامل    من أعلام جازان.. المهندس يحيى جابر محسن غزواني    انطلاق فعاليات الاحتفاء بيوم التأسيس بتعليم جازان تحت شعار "يوم بدينا"    أمير القصيم يكرم 27 يتيمًا حافظًا للقرآن    "التعزيز والإبداع في القصة القصيرة" و"ليلة العباس والمطمي" ضمن فعاليات معرض جازان للكتاب ٢٠٢٥م    فنانة مصرية تتعرض لحادث سير مروع في تايلاند    توثيق تطور الصناعة السعودية    الساعاتي..عاشق الكتب والمكتبات    رأس اجتماع لجنة الحج والزيارة بالمنطقة.. أمير المدينة: رفع مستوى الجاهزية لراحة المصلين في المسجد النبوي    أمير منطقة المدينة المنورة يرأس اجتماع لجنة الحج والزيارة بالمنطقة    أمريكية تفقد بصرها بسبب «تيك توك»    «حملة أمل» السعودية تعيد السمع ل 500 طفل سوري    بعض نقاط التمييز بين اضطرابات الشخصية    بصراحة مع وزير التعليم !    صندوق الاستثمارات العامة شريكاً رسمياً لبطولة السعودية الدولية للسيدات للجولف    «المحتوى الشبكي».. من التفاعلية إلى الاستقطاب!    ما بعد الإنسانية    تعال.. فقد عشنا من الأزل    أوغندا تسجل إصابات بإيبولا    الاستحمام البارد يساعد على النوم    القشطة والفطائر على وجبات الإفطار بالمسجد النبوي    القيادة تعزّي رئيس ناميبيا في وفاة مؤسس الجمهورية    زار" خيبر" واستقبل المواطنين.. أمير المدينة: القيادة مهتمة بتنمية المحافظات والارتقاء بمستوى الخدمات    رئيس الوزراء الصومالي يزور حي حراء الثقافي بمكة    الإنسان قوام التنمية    "مفوض الإفتاء بعسير": يستقبل آل جابر المُعين حديثًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نزهة في سبعة أيام
نشر في اليوم يوم 06 - 09 - 2012

في هذه الصفحة، نبحر أسبوعيًا مع كاتبنا الرشيق، نجيب الزامل، مستدعيًا يومياته، التي يلخصها لقراء (اليوم) في سبع تجارب ذهنية وفكرية، يثري بها الأفق السياسي والفلسفي والتاريخي والجغرافي والثقافي. إنها تجربة يتحمّلها الزامل وربما نتحمّلها نحن بإسقاطاتها، وتداعياتها وخلفياتها، حتى لا يكون في العقل «شيءٌ من حتى».
كما الكونُ.. كما نحنُ
اليومُ الأول:
الكون مادة وطاقة، ونحن أيضا مادة وطاقة. فالكون مادةٌ بأجرامِهِ ومجرّاتِهِ ورواجمِهِ ونجومِهِ، وطاقتِهِ المحرِّكة التي لا تُرى، هي كالروحُ التي لا تُرى وتحرك كل الحياة. إنها ثنائية الكون.. كثنائية كل إنسان، بل كثنائية أي مخلوق: جسمٌ وروح. والطاقة كالروح لا تُرى ولا توزن ولا تذاق. الطاقة كالروح تتقمص الأشياءَ، والأشياءُ هي التي تدركها الأبصارُ، بينما تبقى الطاقةُ والروحُ لا يدركهما بصر. هذه الكرة الصغيرة تتدحرج، ونراها تتحرك.. ولكن ما الحركة؟ سؤالي عن الحركة كسؤالي عن الروح؛ علمُها عند ربي.
وهذه النجوم في قبّةِ الكون المطبق الصمت، وتلك المجرات السابحات تسلك مسالكها في الكون الهائل، تدفعها طاقةٌ، بل طاقاتٌ.. نحس آثارَها ولا ندرك جوهرَها. والحرارةُ كالحركة وكالروح، وكالحرارة الضوء. طاقاتٌ هي المحرك الأول والأخير بإرادة خالق الأكوان، وهي البواطن وهي الظواهر.. إنها الأرواحُ لكلِّ تلك الأبدان.
أنستاس الكرملي، الراهبُ المسيحي ألذي أوقف حياته على خدمة القرآن:
اليوم الثاني
نسَبُ هذا الراهب عربيٌ قحٌّ من «بني مراد» من بادية الشام، سكنت عائلته لبنان لفترة حتى قرر جده أن ينتقل لبغداد وتزوج وأنجب هناك، وكان أحد أولاده واسمه ميكائيل أنجب له حفيدا في وسط ستينيات القرن التاسع عشر وسماه الجدُّ «بطرس»، وأُلْحِقَ «بطرس» في الثامنة من عمره بمدرسة الآباء الكرمليين من الطائفة الكاثوليكية. وفي مدرسة الآباء الكرمليين بدأت عليه سماتُ النبوغ في اللغات السريالية والفرنسية ولكن عشقه للغة العربية ملَك عليه وجوده، حتى أن المدرسة تغيرت لغتها بفضل ذلك الطالب الفذ العقل والفولاذي التصميم. ثم رحل صاحبُنا لبيروت لأن الكنيسة اليسوعية الأكليريكية (يعني اللي يتخرج منها يصير عالم دين) احتاجت تقوية مواد اللغة العربية لغرض الدعوة والرجوع للمخطوطات المسيحية القديمة فلم تجد أفضل منه، وفاجأ الجميع بإتقان اليونانية واللاتينية حتى صار مرجعا لهما يأتونه من اليونان وإيطاليا للمناقشة معه في أصل جذور اللغتين. رجع لبغداد فأَسند له الآباءُ الكرمليون تدريس اللغات الفرنسية والعربية، وكان فرنسي اسمه بيير فوكوي وهو لغوي اجتمع بأنستاس قال: «كنت أظن «فكتور هوجو» ضليع زماننا بالفرنسية حتى اجتمعتُ بهذا العبقري العراقي.» طيب، كيف نكتب بالعنوان أن اسمه «أنستاس»، ثم نجد أن اسمه بطرس؟ أقول لكم؛ ترك العراق لأنه اراد أن يصير راهبا مكرسا نفسه للرهبنة، فذهب لبلجيكا في ديْرٍ للآباء الكرمليين، وبرع في دراسة الفلسفة واللاهوت والفقة المسيحي ولمّا يأتي العامُ 1893م حتى رُسِّمَ «بطرس» كاهنا باسم «الأب أنستاس» ثم لم يعد يُعرف إلا بهذا الاسم.
دعني أقل لك إن العربَ لم تخرج لغويا ألسُنيا كأنستاس الكرملي، فقد أتقن وبحذاقة اللغات اللاتينية والإنجليزية واليونانية والإيطالية والفرنسية والأسبانية والآرامية والحبشية والتركية والفارسية والصابئية، وعمل دراسة لها كلها مقارنة بمعشوقته الفريدة اللغة العربية.. إن لم تصدقوا فلن ألومكم. بلغ حب الأب «أنستاس» وشغفه بلغة القرآن درجة الصبابة والعشق والهيام، فألزم نفسه بل أوقف حياته منذ ريعان صباه في خدمة اللغة العربية والذود عنها وكان حرصه عليها يفوق الوصف، وليت المكان يسع لأنقل بعض قصص تعلقه الغريب باللغة العربية. وقف طوال حياته سيْفا مُصْلتا على كل رأس يناوئ هذه اللغة، أو يعيب فيها أو حتى يلحن بها، حتى قيل جُنّ «انستاس» بداءِ الهَوى. لطالما وقف هذا الأبُ المسيحي فوق منابر يزورها بدول متعددة ليقول إن اللغة العربية أسمى اللغات على الإطلاق، بل قال بمؤتمرٍ ألسُني بأمستردام: «كلكم عالة على اللغة العربية، إن اللغة العربية هي مفتاح كل اللغات.» ثم لا يجندله أحدٌ في الإثبات. لم يكتف الأب «أنستاس الكرملي» بالدفاع عن حياض اللغة والإشادة بفضلها ومقامها على باقي اللغات، فأصدر مجلة «لغة العرب» التي شاعت وسادت على كل المجلات في العقد الأول ومنتصف الثاني من القرن العشرين حتى أوقفها الأتراك الاتحاديون ونفوه إلى الأناضول، كان الأتراك الاتحاديون وقتها يعملون على نشر اللغة التركية وإبادة الحرف العربي ونشر الحرف اللاتيني. ثم لما عاد بعد الحرب الأولى للعراق نفّذ مجلته ثانية وازدهرت أيما ازدهار، ولكن جاءته ضربات من أكثر من جهة معادية للعربيّة فاختفت تلك المجلة التي كانت أرقى المجلات العربية وأغزرها مادة وأعمقها نفعا.
والأب «انستاس» دمه عراقيٌ حارٌ يغلي في النقاشات، ويوما وجد على المفكر الفخم «عباس العقاد» خطأ لغويا، والعقاد من أصل كردي ذو دمٍ حارٍّ فوار فثار بينهما عراكٌ لغويٌ وفكريٌ مخيف.. ربما حكيتُ لكم عن تلك الحرب الضروس في وقت آخر.
من الشعر الأجنبي- أترجمه بتصرف: «دربٌ يأخذني إليكِ..»
اليوم الثالث:
I know road that leads into a city,
Also a lane that finds a cooling stream,
Where ferns may look down at their green reflection
And sway with the winds and dream- and dream.
I know a path that leads into a forest,
Lined with purple shadows of night,
While poplars bend somewhere along a hilltop
Ringing their silver bells in quick delight.
I know a trail that dances over hill-tops
Reaching high for clouds that sail the blue,
But best I know a path that leads me homeward-
A lane that takes me home to friends – and you
أعرفُ طريقا يقود لمدينة، وأعرف ممرّاً يصلُ لجدولٍ سائغ
حيث ينعكس على صفحة مائه نباتُ الخرخس المزدان بضفافِهِ
ويتراقص طرباً متمايلاً مع النسائم، حالمِاً.. حالِما..
وأعرف درباً يقود لغابة، مطرزاً بأشباح الليل الأرجوانية
حيث أشجار الحور تتماوج في السفح إلى أعلى التل
تعزف بأجراسها الفضية في مرحٍ أنيقٍ وحُبُور
أعرف آثار طريقِ يلتوي إلى أعلى التلّ، متطاولا لسحُبٍ أبحرتْ بزرقةِ السماء
ولكنما أروع دربٍ أعرفه ذاك الذي يقودني عائداً لموطني..
ممرٌ يأخذني لدياري، لأصدقائي و... إليكِ!
ريك المضيء:
اليوم الرابع
وأنا في الخارج قبل عودتي للبلاد كان طبيعيا أن أمرّ الفلبين للاطمئنان على الأبناء والبنات في «رابطة العودة للجذور» وهم بناتنا وأبناؤنا المحبوبون الذين تركهم آباؤهم الشرعيون السعوديون في الفلبين لينهش الفقر والشرَه الشرير من أجسادهم وأرواحهم وكامل وجودهم، أن سُمي ذاك الوجودُ وجودا. وكانت الخطط كثيرة للتنسيق مع سفارتنا هناك، وبعض النشاطات الصحية التي كنا بالسابق نمارسها بالفلبين عبر إرسال مرضى الفشل الكلوي للعلاج والزراعة، ثم تعثر المشروعُ تعثرا لم يقم بعده، وما زلنا نحاول بكل الأصعدة أن نعيده كما كان. ومتابعة برنامج زيارة الجامعات الفلبينية ليستفيد منها الطلبة السعوديون، فقد خرّجت جامعات عريقة هناك أفضل عقول علمية وتقنية وأدبية وقانونية واقتصادية على مستوى العالم، وكما نعلم فإن كثيرا من الذين يملئون وظائف صحية وهندسية وبرمجية وإنشائية عندنا هم من الفلبينيين والفلبينيات خريجي تلك الجامعات. وموضوعٌ كبير ألاحقه في «مندناو» المسلمة، أو التي كانت مسلمة فقد انسحبنا منها لأمر لا أعرف كنهه لتحل محلنا كتائبُ دعوةٍ وتبشيرٍ أخرى نجحت في أكل حصة كبرى من الجزيرة. ولم أخفِ على مسئولي وصحافة الفلبين أن الاستثمارَ في «مندناو» خصوصا في الزراعة والمواني والمصافي فهي مثل مدينة الذهب الأسطورية «الإلدورادو».. ولكن ايضا سبقنا من يجولون بحرص ودقة بمنظارهم العالمي. على أن تلك الأعمال منع معظمها الإعصارُ المحيطي الذي ضرب جزر الفلبين وجزيرة «لوزون» خاصة والتي بها حواضر الفلبين الكبرى ومنها العاصمة، وغرقت كل الجزيرة فأطلقت عليها «كوكب الماء». علمتني تلك الكارثة درسا واقعيا نُحت في شعوري عن قوة الإنسان وصلابة إيمانه الذي لا يهتز بأن الحياة تمضي.. وأنه مهما عصفت بنا المِحَن إلا أن أحداً لا يمكنه أن ينتشل السعادةَ من داخل القلبِ البشري.
-المشهدُ الأول: كان على بوابة فندقنا حارسٌ بوجه منير، اسمه «ريك»، شابٌ قوي البنية في منتصف عقده الثالث، وكانت به صفة ملازمة وهي ابتسامة غريبة ومضيئة، حتى أن الوافد الجديد للفندق وبدون استثناء لابد أن يقف مع «ريك» فقط لجاذبية ابتسامته التي تطرق القلب وتدخل قبل أن يفتح القلبُ الباب. بعض موظفي الفندق لم يتركوا الفندقَ أبدا وصاروا ينامون به لأن بعض الأحياء محاصرة بمياه يصل عمق بعضها أكثر من مترين، ويكفي لتعرف عمق الكارثة أن في مدينة مانيلا فقط أكثر من مليون ونصف المليون مشرد ممن هدم الطوفانُ أكواخَهم وبيوتهم الهشّة، ولا إحصاء دقيق للموتى. إلا أن «ريك» كما عرفنا من زملائه يصرّ أن يذهب يوميا لأن أمه مصابة بمرض المفاصل المزمن، ليقوم على خدمتها ويشرف على تناول أدويتها، والرحلة طبعا مهيلة فهو يخوض بالمياه حتى كتفيه أحياناً، ثم يركب عبّارات اخترعها هذا الشعب الذكي من تجميع عجلات مطاطية مرمية بل إن بعضهم وضع بها محركاتٍ وجدوها(!) في المحلات التي خربتها المياه والقوارب الطافية مقلوبة على الشوارع الرئيسة المطلة على البحر. يصل «ريك» كل صباح لعمله ومعه تلك الإبتسامة العريضة القلبية التي لا تعلم من أين تنبع. في يوم لم يتمكن ريك من الذهاب إلى منزله، فقد منعتْ السلطاتُ الحركة تماما لأيام، وسألنا عنه، وقالوا تجدونه في ركن صغير يرتاح به موظفو الفندق الذين أنهوا دوامهم.. وفعلا ذهبنا لتحية ريك. على أنّ المنظر جمّدَنا.. كان «ريك» جالساً يحتسي كأسا من القهوةِ الساخنة ضاحكا مع زملائه.. وعلى جدارٍ بجانبه أسند ساقيْه الصناعيتَيْن!
المنظر الثاني: في الصفحة الأولى من أكبر جريدة بالفلبين «مانيلا بولتين»، وبحجم نصف صفحة تماما التقط مصورُ الجريدة عروسا وعريسها يحتفلان وسط السيل بكامل لباسهما الرسمي، وضحكاتهما تنطلق بالسماء وكأنها تقول للإعصار: ماذا عندك أكثر!؟
من يستطيع أن يسرق السعادة من قلب إنسان.. فالحياةُ تمضي.
سؤال من بنت الكويت بشرى: هل صحيح يوجد ما يسمى بالحب الصوفي في التاريخ الأوروبي؟
اليوم الخامس
- طبعا، طبعا يا بشرى. وكنت أود الحديث عن الفرق بين الحب العذري والأفلاطوني والصوفي من زمان ولم أعرف كيف أبدأ وكيف أعالج الموضوع من جذوره إلا أن سؤالك كشف التربة التي تيبست وأظهر طبقة خصبة لإجابة السؤال باختصار. لن أنقلك تراتبيا في التاريخ فأود القفز مع الحفاظ على الحقبة التاريخية. لعلك قرأت رواية «مرتفعات وذرنج» لإيميلي برونتي الكاتبة البريطانية الشهيرة، وإن لم تقرأيها فأنصحك بذلك. كان السيد «هيثكليف» متيما بمحبوبته الآنسة «كاترين إيرنزشو» ولما مرضت وماتت صرخ نائحا:» دعوني لن أستطيع أن أعيش بلا روحي.» والطريف أني مرة في محفل كنت أتكلم عن برونتي ووردت القصة فوقف أحد المنتقدين قائلا، لا يمكن أن يقول الإنجليز «روحي»، فكان واجبا أن أدلل بالأصل الإنجليزي الأصلي للكاتبة: «I cannot live without my soul» وكانا حبيبين بالروح فعلا فلم يتقاربا جسديا. ولم تكن إيميلي برونتي بِدعا؛ فقد كانت ثيمة القصص التي سبقتها الرومانسية هذا الحب الروحي الصوفي ويسمى «Mystical love»، ويروون وبعضها قصص حقيقية عن محبين ملتاعين من الفراق والجوي يهومون في القرى والنجوع والحقول أو ينتحرون. ومن قرأ لجوته «آلام فرتر» أو «أحزان فرتر» بالترجمة الحرفية، سيجد في نهاية القصة أن الشاب «فرتر» يزهق روحه بغابة من أثر التوق والهجران.. الأغرب أنه ساد بين شباب أوروبا في تلك الحقبة موضوع الذهاب للغابات والتخلص من حياتهم بعد تجارب حبٍّ مريرة. ثم أن لدينا أيضا الحب الأفلاطوني في القرن الرابع قبل الميلاد، وهذا مختلف جدا، فأفلاطون يصنف الحب أنه التقاء وعيَيْن باطنيَّيْن، وهذان الوعيان يصوران الحبيب كاملا، وبالتالي أي تقارب جسدي وغريزي سيفسد هذا الكمال. أما الحب العذري عند العرب وشاع عند بني عذرة، المحب لا يلتفت للروح ولا للوعي الباطن كما وصفه افلاطون، بل يعتقد أن الحبَّ أمرٌ جليلٌ وسامٍ وأن التقارب المادي والغريزي ينال من طهارته وقداسته وبالتالي يسقط من عليائه.. قبل أن يكون التقارب المادي تدنيسا للمحبوب. وقصص الهند أن الفتاة تحرق نفسها مع حبيبها قبل أي التقاء مادي، ولا تفعل مع زوجها، حتى صار مواكبة دينية فطلب البراهمانيون أن يكون إحراق الزوجة مع زوجها طقسا دينيا لازما، يعني كيف؟ تحرق نفسها لعشيقها ولا تحرقه لزوجها؟! ما يصير! وبقي الطقسُ الديني الجائر في الهند حتى أُلغِيَ بقانون في ستينيات القرن الماضي. وهناك من زودها، فالعاشقان عند بعض قبائل التبت لا يتزوجان –يعني عيب زواج عن حب- وإن مرض إحدهما فعلي الآخر أن يعذب نفسه بسكين أو فأس حتى يسحب آلام المحبوب. وفي قبائل كانت تعيش بأفريقيا بما يسمى الآن بدولة بنين كان الحبيب يفصح عن حبه لحبيبة روحه بأن يصارع أسدا أو وحشا ضاريا بيد ونصل معه، أو يجتز رأس عدو من قبيلة أخرى ثم يقدمه لحبيبته، لتقول له: «يا زين رومانسيتك يا حبيبي.» على أي حال كثيرا لا يصل رأسُ الضحية للحبيبة إلا عن طريق مرسول فالحبيب قد نزف في الطريق جرحُه حتى مات. وينتهي المكانُ ولا تنتهي عجائب المحبين!
من قال إن المجرمَ لا قلبَ له؟
اليوم السادس
من يعرف المشهور بابلو أسكوبار؟ لا ليس من كتاب الواقع السحري اللاتنيني والذي أعطى بعدا للغة الآداب الأسبانية، فهناك بابلو نيرودا الشاعر الأمريكي الجنوبي الأشهر. على أن صاحبنا هذا هو مجرم كولومبي كبير، يعني ليس هيّنا، ملك ملوك المخدرات في العالم. كان أعتى الأشرار، وأمكرهم وأقساهم وأوسعهم نفوذا، وأحاط نفسه بالفلاحين الذين صاروا يسمونه «القديس روبن هود» فكثالكة اللاتيني سهل عليهم تقديس من يشاؤون، وذلك لأنه شق لهم الطرق وابتاع لهم السماد والبذور وفتح المدارس والجامعات والمستشفيات. دارت عليه الدنيا فطُلب من السلطات، فما كان منه إلا ان أخذ ابنته الوحيدة وهرب حاملا معه ما استطاع من المبالغ النقدية وكانت بالضبط مليونَي دولار. وهم في طريق الهرب اشتد البردُ ونزل الصقيع وخابت كل وسائل «أسكوبار» بتدفئة ابنته، فلم يتوانى الأبُ الحنونُ عن حرق كل المليونَي دولار.. لتدفئة ابنته!

«جورج سلتي» شاعرٌ مسيحي قال بقصيدة مخاطبنا رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وسلم):
اليوم السابع
يا سيدي، يا رسولَ الله، روّعنا صرْفُ الزمانِ بشرٍّ منه مسعورِ
وامتدَّ بالعُرْبِ ليلُ النائباتِ، أما للفجرِ بعد الدياجي من تباشيرِ؟
فاشفعْ، فإنكَ أدنى المرسلين إلى الباري، فنسلمْ من ذُلٍّ وتعييرِ
واكلأْ –عليك صلاةُ اللهِ- أُمَّتَنا، حيّاك ربُّكَ حتى نفخة الصُّورِ
.. وشاعرٌ مسلمٌ، وهو الكويتي الشاعر والدبلوماسي العتيق خالد العدساني، يضع قصيدة في النبي عيسى عليه السلام، فيقول:
عيسى: محمد والقرآن حدَّثنا عمّا بلغتَ من الاعجازِ والفَهَمِ
أحييتَ بالعدلِ ناساً لا حياة لهم كانت حياتهم صنفاً من العدَمِ
وجُدْتَ بالنفسِ تفدي كل ذي وهنٍ (والجودُ بالنفسِ أقصى غاية الكرمِ)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.