يعيدنا الاحتفال الفرنسي بالذكرى المئوية الثانية لميلاد الكاتب فيكتور هوغو، واستعادتنا هنا، في هذه الصفحات تجربة فن السينما مع روايتين على الأقل من أعمال هذا الرئيوي الكبير، الذي رحل عن عالمنا اعواماً قليلة قبل انبثاق الفن السابع، الى مسألة بالغة الأهمية تتعلق بالحياة الأدبية والفنية في عالمنا العربي، هي مسألة العلاقة القائمة، أو التي كان يجب ان تقوم بين الكثير من أنواع الفنون. ونركز الاهتمام هنا على العلاقة بين المكتوب من ناحية والصورة من ناحية ثانية. ونعني بالعلاقة هنا وجهيها: الوجه الأول الذي يتمثل في اعادة فنون الصورة المتحركة من سينما وتلفزة وما سوف يأتي بعدهما تفسير الأعمال الأدبية الكبرى وتحديثها، في شكل يتلاءم مع العصر ومع تقدم التقنيات وفنون التصوير والأداء، وعلى ضوء الجديد في التحليل الفني والسيكولوجي والاجتماعي" والوجه الذي يتمثل في الافادة من تقنيات الصورة الجديدة، للإطلالة على حياة الأدباء والفنانين الذين يحتاج الجمهور العريض الى ان يعرفهم أكثر وأكثر، وليس ثمة ما هو اقدر من التلفزة على ايصال سيرهم وأفكارهم وأجواء عصورهم الى الناس. فهل علينا ان نذكر بحجم الغياب الهائل والمحزن في هذا المجال؟ بالنسبة الى الأعمال الأدبية - وغير الأدبية - الرئيسة، نعرف طبعاً ان شاشة السينما، والى حد ما ولاحقاً، شاشة التلفزة قدمت الكثير منها، من أعمال محفوظ الى بعض أعمال الغيطاني وبهاء طاهر، وحتى الطاهر بن جلون وغائب طعمه فرمان وفتحي غانم وغيرهم. وبالنسبة الى سير المبدعين، نعرف ان كلاً من الشاشتين، قدم الكثير من السير. ولكننا نعرف أيضاً أن ما قدم لا يكفي، وان ثمة مئات الأسماء لمبدعين في المجالات كافة، ومن شتى الأزمان، لا تزال تنتظر دورها. ونعرف أكثر من هذا أنه في كل مرة تقدم الصورة المتحركة سينما أو تلفزيون على مقاربة عمل أدبي أو أي نوع آخر من أنواع الفنون، محولة اياه الى عمل بصري، كان النجاح والاقبال مضمونين. وكذلك نعرف ان الأعمال التي اقتبست الحيوات الحقيقية لوجوه الثقافة والابداع، حققت من النجاح اضعاف اضعاف ما تحققه الأعمال الأخرى من ألمظ وعبده الحامولي" الى "أم كلثوم"، ومن "سيد درويش" الى "مصطفى كامل"، هذا لكي لا نذكر بعض الحالات المصرية القليلة. والسؤال الآن هو، إذا كان النجاح في الحالين مضموناً، وإذا كانت الشكوى من قلة المواضيع وتكرارها، الى حد مرضي أحياناً، عنصرين أساسيين في عناصر معظم الحوارات التي تجرى عن السينما والتلفزة. وإذا كان هذان قادرين حقاً على اعادة الاعتبار والانتشار الى ضروب الابداع الحقيقية والكبرى، فلماذا لا نرى حركة قوية وأساسية في هذا الاتجاه؟ ولماذا لا نرى حركة تمزج الاتجاهين ببعضهما بعضاً، واستطراداً لماذا لا نرى اعادة اخراج وتفسير حتى للأعمال التي سبق ان قدمت؟ ان مخرجاً مكسيكياً هو ارتورو ابشتاين لم يتردد يوماً في النهل من أدب نجيب محفوظ، محولاً روايتين له "بداية ونهاية" و"زقاق المدق" الى فيلمين متميزين ينتميان، بصرياً وحتى موضوعياً، الى البيئة المكسيكية التي ينتمي هو اليها، وبدا مقنعاً في العملين. فإذا كان المخرج المكسيكي تمكن من تحقيق هذا، ما الذي يمنع من تكرار المحاولات عربياً" ما الذي يمنع مخرجاً عربياً معاصراً، من أن يعيد تقديم "الثلاثية" أو "يوميات نائب في الأرياف" أو "الرجل الذي فقد ظله" أو من تقديم "الرغيف" أو "بيروت 75" أو "وكالة عطية" في التلفزة أو في السينما، في أشكال فنية معاصرة؟ ثم ما الذي يمنع هيئاتنا الثقافية - العاطلة من العمل إلا عند نهاية الشهور حين قبض الأجور - من أن تشتغل بجد وصدق لتحويل حياة المبدعين الى شرائط متميزة؟ هل نذكّر بأن برنامجاً في التلفزة الفرنسية عن أدباء القرن، قدم وحده من الأدباء العرب أكثر مما قدمت المحطات العربية مجتمعة حتى الآن؟